مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أندية الأدب : هل تحولت الحاضنة إلى قاعة انتظار؟

بقلم -حسن غريب أحمد 

كاتب روائي ناقد 

 

لطالما مثلت نوادي الأدب في محافظات مصر، بفروعها المركزية والإقليمية، الملاذ الأول والملهم للموهبة الشابة، والمساحة الحرة للنقاش النقدي والاحتفاء بالكلمة.

 لكن الواقع اليوم يشي بأن هذه الأندية قد تخلت، جزئيًا أو كليًا، عن دورها الريادي. 

لقد تحولت “الحاضنة الثقافية” إلى ما يشبه “قاعة انتظار” للمتقاعدين، و”ساحة صراع”للباحثين عن النفوذ، على حساب الجوهر الأدبي الحقيقي.

إن المشهد داخل الكثير من هذه الأندية الآن يثير تساؤلات مؤلمة: هل هي حقاً مؤسسات للإبداع أم إدارات لتوزيع الامتيازات؟

 

 صراع الهيمنة.. والجوائز الحقيقية تغيب:

 

الخلافات التي أصبحت تطغى على أجواء الأندية نادراً ما تكون حول مستقبل القصيدة أو عمق الرواية. هي في جوهرها صراع ضَرُوس على “المَنصَب”: رئاسة النادي، عضوية اللجان، أو مقعد في أمانة مؤتمر أدباء مصر الإقليمي أو العام.

هذا الصراع ليس هدفًا في حد ذاته، بل هو جسر للعبور نحو المكاسب الرمزية والمادية المحدودة:

ضمان المشاركة: رئاسة النادي أو عضوية لجانه تمنح الأولوية في المشاركة بالندوات والأمسيات الكبرى، وهي المنافذ القليلة التي تدر مكافأة مادية، مهما كانت هزيلة.

النفوذ التحريري: التحكم في النادي يمنح نفوذًا ضمنيًا لدى الجهات التحريرية للنشر الإقليمي أو المركزي، مما يضمن ظهور أعمال المنتمين إلى “الشِلّة” المهيمنة.

وهنا تكمن المأساة؛ عندما يكون الجهد الإبداعي مرهونًا بـ “المباراة الإدارية”، فإن الجودة تصبح الضحية الأولى.

 

احتكار الأجندة.. على يد جيل “ما بعد المعاش”:

 

ثمة ظاهرة سلبية تتجلى في نوادي الأدب، وهي الاستقطاب الكثيف للأدباء كبار السن، خاصة بعد إحالتهم للمعاش. لا يعني هذا التقليل من قيمة خبرتهم، لكن تحول الأندية إلى “ملتقى للمتقاعدين الباحثين عن دور” يؤدي إلى جمود خطر:

قد يهمك ايضاً:

سلسلة بيوت على نور (10) المتحف المصري… روحُ الهوية 

غزة والسودان على خط النار

قتل الدافع: الموهبة الشابة التي تدخل النادي لا تجد أمامه سوى خلافات على محاضر الجلسات وأحقية الرئاسة، بدلاً من ورش عمل عن السرد الحديث أو النقد الأدبي المتخصص.

 

البيروقراطية الثقافية: يتم استنساخ العقلية الوظيفية والإدارية إلى العمل الثقافي. 

 

يصبح النادي عبارة عن مجموعة من اللوائح والإجراءات المعقدة، بعيداً عن الفوضى الخلاقة التي تحتاجها عملية الإبداع.

 

تغييب التجديد: ينحصر النقد والاحتفاء بالنماذج الكلاسيكية التي نشأ عليها الجيل الأكبر، مما يخلق فجوة معرفية هائلة مع المدارس الأدبية الجديدة، ويجعل النادي مكاناً طارداً لأصحاب التجارب المختلفة.

 

 الإحباط: نصيب الموهبة الجديدة

في هذا المناخ المُحمَّل بضجيج الخلافات ونُدرة النقاش الجاد حول النص نفسه، لا يمكن للموهبة الجديدة أن تستفيد:

وهم النقد: يجد الكاتب الشاب نقداً سطحياً أو مجاملات فارغة، أو قد يتم تجاهله تمامًا لأن وقته “لم يحن بعد”، في حين ينشغل القائمون على النادي بترتيب أوراق المؤتمر القادم.

الطريق المسدود: لا توفر هذه الأندية جسرًا حقيقيًا للنشر الاحترافي أو الظهور الإعلامي القوي، بل توفر فقط “وهم الظهور” عبر مجلات لا تصل لأغلب القراء، ومكافآت لا تكافئ الجهد.

 

نحو تنقية الأجواء:

إن إنقاذ نوادي الأدب المصرية من واقعها المرير يتطلب خطوة جريئة: فصل الإدارة عن الإبداع.

يجب أن يُعاد تعريف دور هذه الأندية لتكون مختبرات حقيقية للنص، تتولى فيها القيادة مجموعة لديها خطة واضحة:

ورش عمل منتظمة لإصقال مهارات الشباب.

برامج نقدية مُتخصصة لا تعتمد على الشللية.

نظام شفاف لاختيار المشاركين في المؤتمرات، يعتمد على جودة النص لا على الموقع الإداري للكاتب.

وإلى أن يحدث ذلك، تظل نوادي الأدب، في صورتها الحالية، تشبه مبنى حكوميًا مهجورًا؛ كبير الحجم، ولكنه خاوٍ من الروح التي تمنح الحياة للإبداع.