بقلم -لواء مهندس السيد نوار:
موطن العثمانيين وأصلهم يرجع أصل العثمانيين إلى أسلاف عثمان الأول مؤسس السلالة العثمانية الذين كانوا جزءاً من قبيلة قايي، حيث قَدِموا من آسيا الوسطى إلى الأناضول مع جماعة من البدو الرُّحل التركمان المعروفين باسم الأوغور، منهم من اعتنق اليهودية و عاشوا في منطقة البلقان و هم الذين نزحوا إلى فلسطين و منهم من اعتنق الإسلام وقدموا أنفسهم كسلالة سلجوقية في إيران ومنطقة ما بين النهرين ثم استقروا في شرق ووسط الأناضول خلال القرن الثاني عشر الميلادي. عرف العثمانيون بالغزاة لأنهم قاتلوا ضد الدولة البيزنطية، وحاربوا المغول الذين غزوا الأناضول بعد تأسيس الدولة الإلخانية المغولية في إيران وبلاد ما بين النهرين، ومع تفكك سلطة السلاجقة واستيلاء المغول على الحكم، برزت بعض المناطق التركمانية المستقلة في الأناضول وكان عثمان الأول يقود واحدة منها. نشأت الدولة العثمانية على عدة مراحل كالآتي: –
· أسس عثمان الأول الإمبراطورية العثمانية في عام 1299م، ومن اسمه اشتق مصطلح ( العثماني )، وفي عهده أُنشئت حكومة رسمية تحت قيادته وقيادة كل من أورخان، ومراد الأول، وبايزيد الأول.
· عهد محمد الفاتح كان له أثرا كبيراً في الدولة العثمانية، فمن أهم إنجازاته أنه قاد العثمانيين للسيطرة على مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية وإنهاء سلطتها التي دامت ألف سنة، وذلك في عام 1453م. أعاد تسمية مدينة إسطنبول وجعلها العاصمة الجديدة للإمبراطورية العثمانية، والتي أصبحت فيما بعد مركزاً دوليا مهيمنا على التجارة والثقافة.
· عهد بايزيد الثاني الذي أصبح السلطان الجديد بعد أن توفي والده محمد الفاتح عام 1481م، وبحلول عام 1517م سيطر سليم الأول ابن بايزيد على سوريا، والجزيرة العربية، وفلسطين، ومصر
مراحل توسع الإمبراطورية العثمانية : –
تأسست الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي وأصبحت واحدة من أكبر وأقوى الإمبراطوريات في تاريخ العالم، وامتدت على مساحة كبيرة، وسيطر العثمانيون على مناطق عديدة على مرّ القرون،[فخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بلغت الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني ذروة قوتها وازدهارها والتطور في أنظمتها الحكومية والاجتماعية والاقتصادية، وسيطرت على معظم الأناضول، وجنوب غرب أوروبا، والبلقان، وأجزاء من شمال العراق، وأذربيجان، وسوريا، وفلسطين، وأجزاء من شبه الجزيرة العربية، ومصر، وأجزاء من شمال أفريقيا، بالإضافة إلى جزيرة رودس اليونانية، وقبرص، وكريت.[استمرت الإمبراطورية العثمانية بالتوسّع في أراضيها، ففي القرن العشرين وتحدياً في عام 1914م بلغت مساحة الأراضي التي سيطر عليها العثمانيون ما يُقارب 2.4 مليون 2، في جميع أنحاء تركيا الحالية ومعظم الشرق الأوسط، إذ اشتملت على العرب، والأكراد، إلى جانب اليونانيين، والأرمن، وأقليات عرقية الأخرى.
شهادة إبن إياس شاهد العيان للغزو العثماني لمصر : –
كلما استشهدنا على وحشية وهمجية العثمانيين في غزوهم مصر بشهادة المؤرخ المصري ابن إياس الذي عاصر تلك الفاجعة، هب العثمانيون الجدد يجعجعون بأن “ابن إياس هذا شهادته مجروحة لأنه من فلول المماليك”.
إذن فعلى حسب قراءتهم المعتلة للتاريخ، علينا أن نبحث عن شاهد عيان غير ذلك المنتمي لفئة المجني عليهم في تلك الجريمة العثمانية، حتى لا تكون شهادته مجروحة!
هل تدركون معنى هذا الكلام؟ معناه ببساطة أن نمحو من كتب التاريخ كل شهادة دونها معاصر من أهل بلد لجريمة وقعت بحق وطنه من محتل أجنبي، لأن هذا الشاهد/المجني عليه متضرر من تلك الجريمة، وبالتالي فإنه غير أهل لأن نعتد بما سجل.
على هذا الأساس فلنتجاهل ما كتب يوحنا النقيوسي عن الاحتلال البيزنطي لمصر، وما قاله ابن الأثير عن اجتياح المغول للمشرق الإسلامي، وشهادة النويري السكندري عن غزو الفرنجة للإسكندرية في منتصف القرن الرابع عشر، وما سجل الجبرتي عن الحملة الفرنسية، وما كتب عبد الرحمن الرافعي عن الاحتلال البريطاني، وغيرهم، ليستريح هؤلاء الذين يرددون كببغاوات حمقاء أن شهادة ابن إياس مجروحة.
وماذا يكون ردهم لو طلبنا منهم تنحية آراء المعاصرين من العثمانيين لحروب الدولة العثمانية مع روسيا، وتقدم الروس في بعضها من إسطنبول نفسها، باعتبار أن شهادتهم مجروحة؟
بل أن قولهم عن ابن إياس أنه من فلول المماليك إنما ينم عن جهل مريع بطبيعة وضعه في الدولة المملوكية والمجتمع المصري.
ثمإ أن ابن إياس كان من أبرز أهل عصره في كتابة التاريخ، و كان يصب اهتمامه على أحوال العامة وينظر للأمور من زاويتهم وينقل رؤيتهم للأحداث والوقائع، فكيف يقال عن مثله أنه كان محابيا لأهل السلطة؟
هذا فضلا عن أن عصر ابن إياس كان بحق عصر المؤرخين الكبار، مثل ابن تغري بردي وابن حجر العسقلاني والسيوطي، الذي تتلمذ ابن إياس على يديه، وابن أجا الحلبي والجوهري الصيرفي وابن إياس نفسه.
فمن مساخر زماننا أن يتهم بعض أذناب زمان العثمانيين المتخلف علميا أحد هؤلاء المؤرخين القامات بأن شهادته مجروحة، لكنهم بين جاهل يردد قولا جاهزا حفظه على عجل، أو مدلس مأجور يتلاعب بالمنطق والعقل ليرضي أسياده من المهووسين بالحلم الهزلي لإحياء دولة آل عثملن البائدة!
في **القرن التاسع الهجري هو قرن المؤرخين الكبار في مصر، فقد اجتمع فيه عدد من المؤرخين ، ضمت كلاً من تقي الدين المقريزي عمدة المؤرخين في النصف الأول من ذلك القرن و ابن تغر بردي شيخ المؤرخين في النصف الثاني من نفس القرن وبرزت خلال تلك الفترة أسماء مؤرخين آخرين كبار مثل ابن حجر العسقلاني والسخاوي هـو السيوطي, هذه السلسلة من المؤرخين العمالقة كان «ابن إياس» الذي عاش نهاية العصر المملوكي وبداية العصر العثماني، وأرخ لهما، وصار على رأس المدرسة التاريخية المصرية في نهاية هذا القرن وأوائل القرن العاشر الهجري وترك لنا موسوعته التاريخية بدائع الزهور في وقائع الدهور.**
· يؤكد مؤرخنا فى شهادته الموثقة فى كتابه، أن الاستيلاء على المنطقة العربية وسائر الممالك خاصة مصر لم تكن سوى هيمنة استعمارية بغيضة تستخدم الدين للسيطرة على البشر والحجر، وتعد شهادته من أهم الشهادات لمعاصرته الغزو العثمانى، لمصر ورؤيته رأى العين لمجازر المحتل العثمانى.
· ونهبه واغتصابه للبشر والحرث والزرع بها تحت قيادة السلطان سليم الأول واحتلالها والسيطرة عليها تماما فى عام 1517م. وقد نقل ابن إياس غصة ومشاعر وانفعالات المصريين إبان وأثناء الغزو حتى لكأننا نحيا معه تلك المشاهد الدامية. الطمع العثمانى فى بسط النفوذ والاستيلاء على خيرات
المنطقة العربية تم تغليفه وتبريره بالعديد من التبريرات أهمها تغليفه بالصبغة الدينية ووأد الاضطرابات بالمنطقة وذلك حتى يتسنى له النهب المنظم لخيرات البلاد التى يغزوها.. ودرة التاج كان حلمهم بسقوط مصر بين أنيابهم.. وللأسف هيأت ظروف تطاحن المماليك بين بعضهم البعض.
· الأحداث السياسية فى المنطقة الفرصة للغازى العثمانى لتحقيق حلمه بنهب وسلب وإحتلال مصر، وهو ما يحلم به أردوغان بمحاولة قدومه بعسكره إلى أرض ليبيا المضطربة حاليا حتى يكون متاخما لأرض مصر..! وقد قيد الله المؤرخ العظيم ابن إياس لرصد وقائع غزو العثمانيين لأرض الكنانة واحتلالها, والتنكيل بأهلها أشد التنكيل وتعد شهادة ابن أياس من أهم الشهادات لمعاصرته تلك الأحداث ورؤيته رأى العين لمجازر المحتل العثمانى لمصر بقيادة سليم الأول واحتلالها والسيطرة عليها تماما فى عام 1517م. وقد رصد المؤرخ وقائع دخول القوات العثمانية مصر، واصطدامها أكثر من مرة بمقاومة المماليك والمصريين بقيادة السلطان طومان باى، وبعد مقاومته والتى لا مجال لذكرها هنا تم شنق طومان باى. ثم فرض العثمانيون سيطرتهم على هذا البلد وضمه رسميًا لدولتهم، في محرم 923هـ، ومما أثبته ابن إياس قول الغازى سليم الأول غدا أدخل مصر فأحرق بيوتها وألعب بالسيف فى أهلها
· ويمكن القول إنه بدأت وقائع نهب مصر مباشرة بعد دخول سليم الأول القاهرة يناير 1517م. تحت ستار الخلافة الإسلامية، فقد أمر الغازى جنوده بمهاجمة بيوت المصريين وطردهم منها عنوة واتخاذ بيوت المصريين سكنا لهم، فبدأ الجنود فى القتل العشوائى للمماليك حكام مصر فى ذلك الزمان وللمصريين.
· ولم تسلم الجوامع من بطشهم وسرقة ما فيها من مقتنيات غير مراعين لحرمة المساجد وهم القادمين تحت ستار الخلافة الإسلامية، فقد اقتحموا الجامع الأزهر وجامع أحمد بن طولون ومدارس القاهرة، وبكل صلف وغرور وجهل أشعلوا النيران فى جامع شيخا وما حوله من المساكن، وبدأوا فى بث الرعب فى قلوب. المصريين فلم يتورعوا عن قتلهم فى الشوارع. ويذكر ابن إياس أن الجثث غطت طرق وشوارع القاهره ولم يستطع أحد دفنها حتى ترممت وقدر عدد القتلى فى يوم واحد بحوالى 10 آلاف نفس ونهب العثمانيون الغلال وتركوا المصريين يقاسون الجوع. ولم تسلم القرى من سرقة المواشى والطيور.
· ويذكر ابن إياس أن عساكر العثمانية كانوا جيعانين ونفسهم قذرة.. وعندهم عفاشة زايدة فى نفوسهم وقلة دين.. وكانوا همج زى البهايم، وانهم كانوا بيمسكوا الناس فى الشوارع ويقولوا لهم اشتروا نفسكم من القتل، فكانوا بياخدوا من الناس مبالغ بيحددوها» وأصبح أهل مصر تحت أسرهم.
· ويسهب ابن إياس فى سرد المذابح المروعة للمصريين على أيدى العثمانى سليم الأول ثم يشبهها بواقعة غزو الملك البابلى نبوخذ نصر لمصر فى العصور القديمة، وبإجتياح هولاكو بغداد سابقًا. ويقول ابن أياس: فك العثمانلية رخام قاعات القلعة وبيوت القاهرة ونهبوا الكتب والمخطوطات اللتى كانت موجودة فى المدارس، وقبضوا على الحرفيين والتجار والموظفين وغيرهم مسلمين على مسيحيين ومن أعيان مصر والمشايخ والفقهاء ورحلوهم إلى الإسكندرية ونقلوهم بالمراكب من هناك بالنهايب على قاعدتهم استنبول اللى هى أصلاً كونستانتينوبل اللى نهبوها من البيزنطيين قبل ما يغزوا مصر بـ 64 سنة.
· و يذكر اين إياس: «لم يقاس أهل مصر شدة من قديم الزمان أعظم من هذه الشدة، ولا سمعت بمثلها فى التواريخ القديمة». مكث الغازى سليم الأول فى مصر ما يقارب ثمانية أشهر يشرف فيها على خراب مصر ونهبها وتجويع أهلها. ويصف ابن إياس خروج العثمانى سليم الأول من مصر بعد نهبها وخرابها والتلذذ بقتل أهلها وتعيين أحد الخونة حاكما له فى مصر وهو خاير بك الذى أطلق عليه المصريين «خاين بك» وخرج سلم الأول فى سبتمبر 1517 بالطبل والزمر من بيت ابن السلطان قايتباى وحواليه وأمامه موكب كبير يتقدمه خاير بك والأمراء والعساكر العثمانية.. وخرج من مصر حاملا مسروقاته..
· وكانت كما رصدها ابن إياس ألف جمل محمله بالذهب والفضة والتحف والرخام ومنهوبات كثيرة جمعها فى فترة إقامته فى القاهرة..! ولم ينس الغازى الناهب لمصر أن يأخذ معه الخليفة العباسى القاهرى المتوكل على الله وأسرته إلى استنبول.
وقد نهب معه من ضمن ما نهب الآثار النبوية ومنها البيرق والسيف والبردة ومفاتيح الحرمين الشريفين.. ولم ينس كما ذكر ابن إياس أن نقله للحرفيين والصنايعية من مصر قسرا.. فقلت الصنايع بها حتى قيل إنه اختفى من مصر 50 صنعه، وبذلك دخلت مصر عصر انحدار صناعى وغاب مركزها الحضارى، وبنقل الخليفة العباسى وكبار رجال الدولة إلى استنبول..
* ضاع من مصر مركزها الدينى والسياسى. وأخيرا أى خلافة للغازى العثمانى يحلمون ويتشدقون بها، خلافة السلب والنهب واغتصاب الأطفال والنساء وترحيل العمال المهرة للعاصمة العثمانية وإفقار البلاد والعباد. هل هذا ما يحلم به أردوغان ليعيد أمجاد أجداده من مجازر للمصريين.
التعليقات مغلقة.