بقلم – خديجة أجانا ” المغرب” :
“متى ينتهي هذا الكابوس؟ ماذا لو فاجأها المخاض في هذه الخيمة الباردة ؟ لو لم تقض “سلام ” ، ذاك اليوم ، لكنا مع الناجين و … ”
على باب خيمة ، وسط الصقيع ، يقف متكئا على عكازين و قد تورمت قدماه فلم تعودا تقويان على حمله ، يفكر و يتساءل بصوت مرتفع ، بينما ترقد على فرشة داخل الخيمة “زهرة” ذابلة تغالب البرد و الوجع و النزيف …تئن بين الفينة و الأخرى أنينا خافتا ،تنتبه إليه الصغيرة “أمل”، و هي تهلوس من حمى، فلا تملك إلا أن تردد :”ماما، ماما، جاء عصفورك؟ ”
يسرح بفكره بعيدا، يفارق اللحظة و يعانق ماضيا قريبا جميلا خاليا من الوجع …
يجلس “صابر” أمام المدفأة، يتصفح جرائد الصباح ، غير بعيد عنه ، تغزل “زهرة ” جوربا من الصوف … تدحرج “سلام ” كبة الصوف في اتجاه “أمل”، تحذرها “زهرة ” من نقض غزلها … تسأل “أمل”: ” ماما، هذا الجورب لي؟ “ترد الأم مبتسمة :”لا حبيبتي إنه …”تقاطعها “سلام ” : “هو لي ماما؟ ” تبتسم و تقول :”إنه للعصفور . ” تضحكان ، و يضحك “صابر” … تقول “سلام “:”لكن العصافير، ماما ، لا ترتدي الجوارب ههههه .” “لكن عصفوري سيأتي في الشتاء، سأدفئ قدميه حتى لا تبردا …” تجيب الماما.
تعيده صرخة “زهرة “إلى الواقع ، يهرع إلى داخل الخيمة، يفاجأ بها تسبح في دمها، تعلو وجهها صفرة الزعفران . يناديها فلا تجيب . يحاول إيقاظها فلا تستجيب . يجس نبضها يحسه يتلاشى . يلمس جبينها تصدمه برودته … ينظر إلى “أمل” تستسلم لغيبوبة عند قدمي ” زهرة ” ، تنزل دموعه شلالا ساخنا و يصرخ :” يا الله ، ما ذنب “زهرة ” و “سلام “؟ ما ذنب “أمل “؟ ما ذنبي انا؟ ما ذنبنا جميعا؟ رحماك يا الله …”
صباحا، تصل فرقة إنقاذ ، يحمل “أمل” و يأمل أن تسعف قبل فوات الأوان … يلقي نظرة على قبري “زهرة “و “سلام ” ، يمسح دموعه و يركب سيارة …
خلف مساحات شاسعة من الوجع ، يتوارى وطن مثخن بالجراح ، و على مد البصر ، يتراءى المغترب مجهولا قد يكون ملاذا آمنا، و قد يكون جحيما آخر ، و قد يكون … ” لا أريد التفكير في الأسوإ ، المهم أن لا أخسر أكثر …” يضم ، بقوة ،أمله إلى صدره، يشم رائحة الحياة تعبق من نبضها ، يبتسم و ت ت ر ا ا ا خ ى يداه …