أسباب التفكك الأسري وأثره على انحراف الأطفال والمجتمع
بقلم – الدكتور عادل عامر
إن الأسرة المثالية هي التي تكون سكنًا لجميع أعضائها، وراحة لهم من متاعب الحياة، يستظلون في ظلالها من لهيب مشاكلهم، والأسرة المثالية هي التي تسود المودة بين أعضائها ويسود التعاطف وحسن المعاشرة كل مكوناتها، وتعينهم على بلوغ سامي الأغراض وشريف المقاصد، وهي الأسرة التي تظلها الرحمة والرقة وحسن المعاملة، وتساعد على أن ينشأ أفرادها وهم مدربون على التراحم فيما بينهم، فيسلم المجتمع من أذاهم حينما يخرجون إليه.
فتعتبر الأسرة نظام اجتماعي متكامل ومتساند وظيفيا مع باقي أنظمة المجتمع الأخرى التعليمية والاقتصادية، كما أنها الوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل ويتلقى المبادئ والقيم الاجتماعية التي توجه سلوكه في المجتمع “فهي مصدر الأخلاق والدعامة الأولى والإطار الذي يتلقى فيه الإنسان أولا دروس الحياة الاجتماعية”
ولكن الملاحظ اليوم هو أن معظم الأسر وبصفة عامة أصبحت تعرف العديد من المشاكل نتيجة للتطور والتغير الاجتماعي الحاصل في المجتمعات، إذ يعتبر التفكك الأسري أحد أهم المشاكل التي تعاني منها جميع المجتمعات خاصة المجتمع المصري وربما هذا راجع إلى ما يعرفه هذا الأخير من تغير اجتماعي وثقافي سريع، فقد أدى هذا التغير إلى اختلال في البناء والوظيفة وهو الأمر الذي ترتب عليه حدوث التوتر والصراع وظهور احتمالات التفكك داخل العديد من الأسر “فالمعلوم أن الأسرة التي كانت تعتمد في تكاملها على تحديد واضح للأدوار وذلك في ظل نسق قيمي معين تتفكك إذا ما حدث تعديل جوهري في هذه الأدوار ويكون ذلك نتيجة اختلاف الأبعاد والمسؤوليات وتغير النسق القيمي”
، فيمكن الإشارة هنا إلى التغير الثقافي الحاصل في المصري وانتشار التعليم وخروج المرأة الجزائرية إلى العمل، فالمجتمع العربي قد تحول من مرحلة إلى أخرى وعليه فقد تغير النسق القيمي لبناء الأسرة العربية ووظيفتها أيضا، كما أن دور المرأة فيها قد تغير مقارنة مع دورها في الماضي ففي سنوات مضت كان دور المرأة يقتصر على تسيير شؤون المنزل وتربية الأولاد وتنشئتهم والاهتمام بأداء حقوق الزوج وأسرته،
أما اليوم فقد اقتحمت ميدان التعليم وأصبحت لها فرص في الحصول على العمل في مختلف جوانبه التعليمية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والسياسية، ويرى البعض “أن خروج المرأة للعمل لا يعني إعفاؤها من دورها الرئيسي داخل الأسرة بل إن خروجها للعمل قد أضاف إليها دورا جديدا هو الكسب من العمل الذي كان قاصرا على الرجال دون النساء”
، ولكن حصول المرأة على هذا الدور الجديد قد يجعلها تبتعد عن البيت فترة طويلة من الزمن فتغيب بذلك مراقبتها واشرافها على أطفالها وهذا ما قد يؤثر على الأطفال نفسيا واجتماعيا وتخلق لديهم مشاكل تمنعهم من التكيف مع الوسط الاجتماعي (المجتمع) من خلال الانحراف عن قيمه ومعاييره وانطلاقا من نتائج هذا التغير
وللوصول بالأسرة إلى هذا المستوى وضح الحق تبارك وتعالى حق كل فرد من الأفراد، وواجباته، وأصبحت حقوق الزوجة واضحة وحقوق الزوج معروفة، وارسيت بذلك الأعمدة الرئيسية لسعادة عش الزوجية، فإذا ما انهدم ركن من أركان سعادة الأسرة كأن تقصر الزوجة في أداء واجباتها أو يقصر الزوج في أداء ما عليه، دبت الخلافات في مفاصل الحياة الزوجية، وإذا ما أطلت الخلافات الزوجية برأسها لأي سبب كان، أصبحت أركان سعادة الأسرة نفسها مهددة بالهدم، ولأن الخلافات الزوجية مشكلة واقعية لا يخلو منها عصر ولا يسلم من خطرها مجتمع، ولا تحول دون وقوعها الثقافات، فكما توجد بين الأزواج غير المتعلمين، توجد كذلك بين الأزواج الذين لهم حظ من التعليم والثقافة قل أو كثر، كما ان الخلافات الزوجية تتسبب في تخلخل العلاقات الزوجية المتينة وتفاقم الخلافات العائلية، وتصدع الروابط الاجتماعية،
لذا اهتم الإسلام بالحديث عن هذه الظاهرة ووصف الأدوية الربانية لها، حفظًا لكيان الأسرة من الهدم، وحماية لها من التدهور والانحلال، وإبعادًا لكل زوجين مختلفين عن ساحة الطلاق وأضراره، وصيانة للأطفال من التشرد والضياع.
الأسرة ضرورية لبناء النفس وممارسة المعيشة الهانئة في الحياة، ورفد نظام المجتمع بعناصر البناء، وإبقاء النوع الإنساني. أما بناء النفس الإنسانية المتكاملة المحقق للنمو الجسدي والعاطفي سواء بالنسبة للرجل أو المرأة، فيتم عن طريق الزواج الذي يشبع النزعات الفطرية، والميول الغريزية، ويلبي المطالب النفسية والروحية والعاطفية، والحاجات الجسدية، وذلك من أجل التوصل إلى تحقيق منهج الوسطية والاعتدال دون حرمان من الإشباع الجنسي، ودون إباحة تؤدي إلى الانحلال من الفضيلة والفوضى والأخلاط المتنابذة أو المتغايرة.
وأما ممارسة المعيشة الهانئة في الحياة فتحصل من خلال الأسرة التي توجد تجمعًا صغيرًا، يبني أصول حياته ومعيشته بهدوء، ويحقق تعاونًا بناء وقويًا، في التغلب على مشكلات المعيشة وتحقيق المكاسب، وتخيم فيها المحبة والود والأنس والطمأنينة والسلام، ومقاومة كل أوجه التعثر والضعف والمرض، والأخذ بيد الأطفال نحو النمو، ورعاية الشيوخ والكبار حتى لا يصبحوا منسيين أو مهملين، لا عائل لهم ولا معاون أو مساعد يساعدهم في ضعفهم والتخلص من متاعبهم وهمومهم من الصعوبة بمكان حصر الأسباب المؤدية لمشكلة التفكك الأسري، أولاً: لكثرتها وثانياً: لتداخل أكثر من سبب في نشأتها في كثير من الأحيان. ولكن لا بأس من ذكر أهم الأسباب
وهذا السبب يتمثل في رب الأسرة الذي يقضى معظم وقته خارج المنزل. وله صور متعددة من أهمها: رجل الأعمال الغارق في عمله، بحيث يصرف معظم الوقت في متابعة تجارته ليلاً ونهاراً، في لقاءات واجتماعات وسفريات وحفلات عامة وخاصة، وبهذا لا يجد وقتاً لأسرته، فتبدأ الزوجة بالتذمر والاستياء من هذا الغياب، وتشعر بأن الزوج الذي كانت تحلم بمشاركته لها أحداث الحياة اليومية يتبخر يوماً بعد يوم، خصوصاً إذا كانت الزوجة ليس لديها عمل خارج المنزل، وقد توفر لها خدم يقومون بكل مهام ربة البيت من تنظيف وطبخ ورعاية لكل صغيرة وكبيرة داخل المنزل وما في محيطه من حديقة وغيرها.
ولذا سرعان ما تبدأ المشكلات في الظهور في هذا المنزل، فتبدأ بنقل معاناتها لأهلها وصديقاتها، وهؤلاء في الغالب يوفرون موقفاً داعماً للزوجة، ويؤكدون على حقوقها التي يجب ألا تتنازل عنها حفاظاً على شخصيتها ومكانتها في الأسرة، فينشب الخلاف والنزاع الذي يحل محل المودة والرحمة التي ربطت الزوج بزوجته في مفهوم الإسلام، وينتقل الأثر السيِّئ إلى الأولاد الذين يدفعهم هذا الخلاف إلى ترك المنزل ومشكلاته، ويندفعون إلى الشارع وما فيه من مخاطر وشرور، فيقعون صيداً سهلاً لأهل السوء الذين يأخذونهم إلى طريق الانحراف بشتى طرقه ومسالكه. والصورة الأخرى هي للزوج الذي ينشغل عن أسرته بأصدقائه وجلساته معهم، فهو ما أن يعود من عمله حتى يتناول وجبة الغداء ثم يرتاح قليلاً، ويمضي المساء كاملاً مع الأصدقاء، ويحرم الزوجة والأولاد من الجلوس معه أو الخروج معه خارج المنزل، ويوكل هذه المهمة إلى السائق ـ إن كان عنده سائق ـ أو يدفع الزوجة لاستخدام سيارة الأجرة لقضاء احتياجات المنزل والأسرة، ويكون نتاج هذا السلوك حدوث الشقاق والخلافات بينهما، مما قد يؤدي إلى الطلاق وتفكك الأسرة وانفراط عقدها. وبهذا يحرم الأولاد من القدوة الصالحة في شخصية الأب الذي كان من الواجب أن يقدمها لأولاده من خلال سلوكه الإيجابي وقيامه بأدواره على أحسن حال، ومن هنا يبحث الأولاد عن القدوة لهم دون تمحيص، فيكون القدوة أحياناً ممن ليسوا أهلاً للقدوة، كالممثلين والممثلات والفنانين والفنانات واللاعبين واللاعبات في غالبهم.
كثيراً ما يكون للوضع الاقتصادي للأسرة دور كبير في تصدعها في كلا الطرفين، الغنى والفقر، وإن كان الثاني هو الأكثر. ففي حالة الغنى نجد بعض الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم، بل إن بعضهم يستعمل المال في قضاء شهواته المحرمة ويترك ما أحل الله له فيكون سبباً في وقوع أهله في الحرام والعياذ بالله. وفي حالة الفقر الذي لا يستطيع معه الأب توفير احتياجات أسرته مع كبرها وقلة تعليمه وإيمانه، فيعجز عن الاستجابة لمتطلباتها فيقع في الحرام للحصول على المال، أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء للحصول على مزيد من المال، فيكون النتاج تفكك تلك الأسرة. ومن يقوم بزيارة لدور الأحداث سيجد هذه الصورة مكررة لعديد من أولياء أمور أولئك الأحداث داخل تلك الدور
يؤدي التفكك الأسري في بعض الأحيان إلى تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة، خصوصاً الأولاد من البنين والبنات، فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها، ينتج عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي، وضعف القدرة لدى الفرد على مواجهة المشكلات، وتحوله للبحث عن أيسر الطرق وأسرعها لتحقيق المراد، دون النظر لشرعية الوسيلة المستخدمة في الوصول للهدف، فيصبح المذهب الميكافيلي هو الموجه لسلوك الفرد. وفي هذا تغييب للضمير والالتزام بالمعايير والنظم الاجتماعية السائدة التي توجه سلوك الأفراد نحو الطرق المقبولة لتحقيق الأهداف بصورة مشروعة. والشاهد على ذلك هم الأحداث من الذكور والإناث في ((دور الملاحظة))، الذين ينحرفون ويقعون في سلوك إجرامي نتيجة لتفكك أسرهم.
الأسرة وتصدعها لعدة أسباب منها القهرية مثل وفاة أحد الوالدين أو الطلاق أو لأسباب الاقتصادية كالبطالة والفقر وأسباب اجتماعية أخرى. أن انهيار الروابط الأسرية يخلق أوضاعا صعبة للأطفال مما يؤثر سلبا على استقرارهم وتوازنهم العاطفي والنفسي وحرمانهم الكثير من الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها، مما يؤدي إلى زعزعة القيم والشخصية التي تساعدهم على الانخراط في المجتمع ومواجهته بسلبياته وإيجابياته.
أن التفكك والتصدع يحرم الأطفال والأبناء من التربية والتنشئة السليمة ويمنعهم من ممارسة حياتهم بشكلها الطبيعي، أن لكل قاعدة شواذ فكثير من أبناء هذه الأسر يستطيعون التفاعل مع مشكلاتهم وبإمكانهم تجاوزها والعيش بطرق شريفة ونزيهة ويتحملون المسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم.
على أهمية السعي الجاد لتقوية وتنمية المؤسسات الاجتماعية التي تساعد أو تحتضن الأبناء الذين يعانون من التفكك الأسري، وذلك من خلال الإرشاد النفسي والتربوي والاجتماعي وتعليمهم وتهيئتهم للقيام بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم ووطنهم.
كما أكدت على أهمية قيام هذه المؤسسات والتي يجب أن ترتبط ارتباطا وثيقا مع الشؤون الاجتماعية، بالتنسيق والتشاور للحافظ على جيل يجب أن يتحصن بالمبادئ والقيم والأخلاق ليستطيع أن يتفاعل مع مشكلات مجتمعه ووطنه
أنه يتوجب على المؤسسات الحكومية والأهلية أن تسعى جاهدة بلا كلل أو ملل إلى توجيه هؤلاء الشباب وإرشادهم وتقديم المساعدات لهم وحثهم نحو السلوك الإيجابي، والعمل على اكتشاف الاستعدادات الإنحرافية لدى هؤلاء مبكراً والتعامل مع هذه المشكلة بأساليب تربوية اجتماعية حضارية وحديثة بعيداً عن العنف والعزل والقسوة.
ضرورة العمل على تقوية ثقة هذه الفئة بأنفسهم والتأكيد أن كثيرا من المبدعين والمتفوقين عاشوا في ظل أسر متفككة، موضحةً أن الأسرة هي خط الدفاع الأول لوقاية أبنائها من الانحرافات السلوكية التي كثيراً ما تنتهي بتعاطي وإدمان المخدرات وارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها