في مثل هذا اليوم رحل عن عالمنا أحد الأعلام بموهبة استثنائية استطاع أن يعزف أجمل وأعذب الألحان تصاحبه لمسة حزن
لفقد شقيقته أسمهان فلم يكن مجرد فنان غني للوطن والربيع وحمل معه الأحلام وكل معاني البراءة والعاطفة والوجدان فظل عالقاً في الأذهان.
“فريد الأطرش”
موسيقار ومطرب وعازف عود وممثل مصرى سوداني لبناني سوري ترعرع في القاهرة و ينحدرمن عائلة آل الأطرش وهم سلالة الأمير فخر الدين المعني التي نزحت من جنوب الجزيرة العربية إلى لبنان وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي، نزح معظمهم إلى جبل حوران، حيث إستقرّوا، وكان لهم دور مهم في مقاومة الإحتلال العثماني سنة 1911م, والإحتلال الفرنسي سنة 1923م.
والده
فهد فرحان إسماعيل الأطرش من جبل الدروز في سوريا.
والدته
الأميرة علياء حسين المنذر, وهي درزية من منطقة الشوف اللبنانية
ولد فريد الأطرش في لبنان سنة 1917. عانى حرمان رؤية والده ومن إضطراره إلى التنقل والسفر منذ طفولته, فإنتقل من لبنان إلى القاهرة هربا من الفرنسيين المعتزمين إعتقاله وعائلته إنتقاما لوطنية والدهم الذي قاتل ضد ظلم الفرنسيين. عاش فريد في القاهرة في حجرتين صغيرتين مع والدته عالية بنت المنذر وشقيقه فؤاد وأسمهان.إلتحق فريد بإحدى المدارس الفرنسية ((الخرنفش)), لكنه إضطر إلى تغيير إسم عائلته فإستعارت له أمه إسم كوسا, وهذا ما كان يضايقه كثيرا.ذات يوم زار المدرسة هنري هوواين فأعجب بغناء فريد وراح يشيد بعائلة الأطرش أمام أحد الأساتذة, فطرد فريد من المدرسة. ثم إلحق بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك, فإستنفدت والدته كل المال التي تملك, وإنقطعت أخبار الوالد. فقررت الغناء في روض الفرج لأن العمل في الأديرة لم يعد يكفي, فوافق فريد وفؤاد بشرط مرافقتها حيثما تذهب.
حرصت والدته على بقائه في المدرسة غير أن زكي باشا أوصى به مصطفى رضا في دخوله معهد الموسيقى. فعزف فريد وتم قبوله, فأحس وكأنه ولد في تلك اللحظة. إلى جانب المعهد أصبح يبيع القماش ويوزع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة. وبعد عام بدأ بالتفتيش عن نوافذ فنية ينطلق منها حتى إلتقى بفريد غصن والمطرب إبراهيم حمودة, الذي طلب منه الإنضمام إلى فرقته للعزف على العود. أقام زكي باشا حفلة يعود ريعها إلى الثوار, أطل فريد تلك الليلة على المسرح وغنى أغنية وطنية ونجح في طلته الأولى. بعد جملة من النصائح إهتدى إلى بديعة مصابني اللتي ألحقته مع مجموعة المغنين ونجح أخيرا في إقناعها للغناء وحده. ولكن عمله هذا لم يكن يدر عليه المال, بل كانت أموره المالية تتدهور إلى الوراء. بدأ العمل في محطة شتال الأهلية حتى تقرر المعهد إمتحانه في المعهد ولسوء حظه أصيب بزكام وأصرت اللجنة على عدم تأجيله ولم يكن غريبا أن تكون النتيجة فصله من المعهد. ولكن مدحت عاصم طلب منه العزف على العود للإذاعة مرة في الإسبوع فإستشاره فريد فيما يخص الغناء خاصة بعد فشله أمام اللجنة فوافق مدحت بشرط الإمتثال أمام اللجنة وكانو نفس الأشخاص اللذين إمتحنوه سابقا إضافة إلى مدحت.غنى أغنية الليالي والموال لينتصر أخيرا ويبدأ في تسجيل أغنياته المستقلة. ويسجل أغنيته الأولى (يا ريتني طير لأطير حواليك) كلمات وألحان يحيى اللبابيدى فأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الإسبوع لكن ما كان يقبضه كان زهيدا جدا.
ليستعين بفرقة موسيقية وبأشهر العازفين كأحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس وغيرهم وزود الفرقة بآلات غريبة إضافة إلى الآلات الشرقية وسجل الأغنية الاولى وألحقها بثانية (يا بحب من غير أمل) وبعد التسجيل خرج خاسرا لكن تشجيع الجمهور عوض خسارته وعلم أن الميكروفون هو الرابط الوحيد بينه وبين الجمهور.
لتتوالى أعماله الفنية ليشترك فريد الأطرش في31 فيلمًا سينمائيًا كان بطلها جميعًا ومن أشهرها هذه الأعمال حبيب العمر وحكاية العمر كله وأنت حبيبي ، زمان يا حب ،الخروج مِن الجنة،إزاي أنساك،ماليش غيرك.
ومن أبرز أغاني فريد الأطرش : الربيع ، “لا وعينيك”، “أضنيتني بالهجر”، “مش كفاية”، “مانحرمش العمر منك”، “علشان مليش غيرك” “أحلف لك”، “حبيب العمر ،”لاكتب ع أوراق الشجر”.
قصة حب عرف عن فريد أيضًا حبه للخيل وقد شغل فريد الأطرش الجميع على المستوى الفني والشخصي ومن الحكايات التي كانت تثار دائمًا قصة حبه للراقصة سامية جمال وترددت كثيرًا هذه الشائعات في الوسط الفني والأوساط القريبة حتى تزوجت الفنانة سامية جمال من النجم رشدي أباظة في أواخر خمسينيات القرن الماضي بينما ظل الأطرش بلا زواج وحول الخمس سيدات أوضح «الأطرش»: «تمنيت الزواج من خمس شخصيات لكنهن لم يعلمن ذلك، ولا أستطيع ذكر أسمائهن، ولو كنت قد أعلنت مكنتش هطلع بنتيجة لأن هناك أسبابا تمنع هذا الزواج، وأتذكر أنه حينما أصبت بالجلطة في أول مرة كانت 1954، وحينما قال لي الأطباء إنني لن أستطيع الغناء مرة أخرى، راودت فكري وقلت أتزوج، على الرغم من أنني أعتبر ذلك أنانية مني الزواج وأنا مريض، فكيف لي أن أجيء بسيدة وأقوم بإتعاسها تقعد تدادي فيا».
وحول إحدى المرات التي طلب فيها الزواج من امرأة قال فريد : «ندهت أخويا وقلت عايز أتجوز، قال مش معقول أنت بتهزر، طب مين؟، قلت له اللي في الصورة، وكانت آنسة مصرية عاملة حوار، وعمري ما عرفتها في حياتي، لكن عجبني شكلها وشخصيتها من الصور، وفي وشها لقيت شيء نبيل، لكن للأسف عندما. هبت وجدتها مخطوبة، وتمت دعوتي للغناء في فرحها، لكن مغنتش لظروف مرضي».
وتابع فريد :هناك سيدات أخريات تمنيت الزواج منهن، لكن هناك عادات وتقاليد عائلية وأسباب تمنع الزواج، ولم يتسبب ذلك في صدمة لي، ولكن صدمتي كانت أن هناك أربع سيدات لم أستطع البوح بأني أريد الزواج منهن فلا أستطيع إحراج نفسي وأنا أعلم أنه لن ينفع، فسبب ذلك ألما كبيرا بالنسبة لي».
و عن حادث وفاة شقيقته المطربة أسمهان فقد ترك ذلك أثرًا عميقًا في وجدانة ويبوح بسر حالة الحزن ويغني:
في عز الشباب فقدت القرايب
وحبيت ولكن فاتوني الحبايب
وضحيت بروحي وزادت جروحي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
الموسيقار الوطني الخالد فريد الأطرش
بحسب الأستاذ الصحفي عادل السنهوري :
تم تكريم فريد الأطرش من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومنحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وعندما ذهب فريد إلى القصر الجمهورى لاستلام الوسام بكي أثناء قراءة مابداخل الوسام من كلمات وهي :
“من جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة إلى الموسيقار فريد الأطرش، تقديرا لحميد صفاتكم، وجليل خدماتكم للموسيقى، قد منحناكم وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى”.
ليكتب فريد بسجل التشريفات:
“سيدى الرئيس…إن تقديركم النبيل قد جعلنى أشعر بأننى قد ولدت من جديد، وأن هذا اليوم المشهود الذى نلت فيه شرف تقديركم وتقدير وطنى، لهو يوم خالد فى حياتى سوف أعتز وأفخر به ما بقى لى من عمر فى هذه الحياة، فلكم كل شكرى وامتنانى ولوطنى الغالى مصر حياتى وكل قطرة فى دمى، ووفقكم الله لنصرة وطننا العزيز لترتفع دائما راية العروبة شامخة عالية.”
ليقدم فريد أغنية وطنية جديدة تغنى فيها لمصر من كلمات مأمون الشناوى :
“ســنة وســنتين ســــنة وسـنتين.. وأنت يـا قـلبى تـقــول أنـا فـــين
وأنـا دبت وتهـت فـى أشـــواقـك.. وشفـت النيـل وعــرفت أنا فـــين
يا مصر.. يا عمرى.. يا نور العين”.
وعن حبه وعشقه لنادي الزمالك المصري:
قرر فريد الأطرش إحياء حفلا غنائياً من أجل النادي دون الحصول على مقابل مادي هو وفرقته الموسيقية أثناء تعثر النادي مالياً .
أمنية فريد الأطرش بزيارة وتحرير فلسطين:
تم تداول فيديو لفريد وهو يوجّه الشكر لأحد الإعلاميات ويقول : “نحن العرب، فكراً وقلباً وروحاً، متفقين على فكرة واحدة، وهي أن نُرجع فلسطين لأهلها”.
وتحدث عن النكسة قائلاً: “النكسة جعلتنا جميعاً مصدومين، وأنا مصدوم، وحين حدثت النكسة تعذبت وتألمت واستدعوا لي الأطباء، وكنت في حالة صحية خطرة جداً، فنحن جميعاً نحب بلادنا”.
وكشف في اللقاء النادر أنه طلب من السفارة المصرية أن يُرسلوه إلى الميدان ليُواسي الجرحى، ويقوم على خدمتهم، ويزور المُصابين في المستشفيات وقال: “ذكروني الأطباء بأني مريض ولا يجوز أن أذهب ، فقلت لهم أنني لا أطيق الجلوس، أريد أن أعبر، ولم تُتاح لي فرصة للتعبير سوى بالتبرع بالنقود التي كنت أحتفظ بها لعلاجي للمنكوبين سواء للأبطال في الأردن، أو الأحرار في مصر”.
وأضاف فريد : “أعطيت كل أفلامي ومجهوداتي، وكل ما أملك أعطيتها لضحايا العدوان الغادر، وهذه أمنيتي، أن أجد هذه الأراضي قد رجعت لأصحابها في يوم من الأيام، قبل أن أموت أتمنى أن أرى العرب متحدين، ومستيقظين من الغفوة، وأرى فلسطين عادت لأهلها، وأرى العرب منتصرين، وذلك سيتحقق قبل أن أموت إن شاء الله.
مرض فريد الأطرش ولم تتحقق أمنيته بالتعاون مع عبد الحليم وحافظ وأم كلثوم وحول فترة مرضه قال الأطرش : «خليها على الله ومشيها ويالّا- وهي كلمات أغنيته- وأكمل فى أحد لقاءاته حصل لي ثلاث جلطات في القلب، وتوقف قلبي ثلاث مرات، ومت 3 مرات وأنقذوني، ولكن أراد الله لي البقاء، فأنا لدي ثقة كبيرة بالله وإيمان بأن الموت حق على كل فرد»، لافتا إلى أننا تاركون تراثا جيدا.
كان فريد يشعر بأن الأيام الباقية من حياته باتت معدودة ولذلك كتب وصيته أن ينقل جثمانه إلى القاهرة ليوارى التراب بجانب جثمان شقيقته أسمهان و بعد رحلة علاج فاشلة فى لندن حجز بمستشفى حياك بضاحية سن الفيل فى بيروت بلبنان وتوفي ليتم نقل جثمانه إلى القاهرة لدفنه كما أوصى بجوار أسمهان .
ليرحل عن عالمنا في 26 ديسمبر 1974 عن عمر يناهز الـ64 عاما ملك فريد و رمزًا للإبداع والجمال في الفن العربي بألحانه وأحزانه تاركاً أثاراً فنية خالدة لا تزال تُستمع إليها وتُحتفى بها حتى اليوم.
التعليقات مغلقة.