مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أحمد غزاله يكتب هَـمـسـات فـي أُذن عـَـبـَـدَة الأمـوال

بقلم أحمد غزاله
أصدقائي القراء ، أتناول معكم في هذا المقال رسالة أهمس بها في أُذن عـَـبَــدَة الأموال ، وأستشعر معكم قسوة دلالة اللفظ ، ولكن هذا هو التوصيف الذّي أخبرنا به النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن فئة من الناس سيطر المال على عقولهم وقلوبهم ، فقال صلى الله عليه وسلم ( تَعِس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ، إن أُعطِي رضى وإن لم يعطى لم يرضَ ) ، وهم بكل أسف انتشروا في زماننا وأصبحنا نراهم بأعيننا ونتعامل معهم في حياتنا ، وبداية لا أنكر أهمية الأموال التي تمثل عصب الحياة ، والتي فُطر الإنسان على حبها ، ولا أنكر أهمية السعي من أجل الكسب فهذا ما تدعوا إليه شريعتنا الإسلامية الغراء ، بل وتدعونا إلى تنمية المال واستثمارة ، ولكن ما أقصده بـَعـَبـَدة الأموال تلك الفئة التي ضلت الطريق الصحيح في فهم حقيقة الأموال ، فأخذت هذه الفئة من الناس الأموال منهاجاً لحياتها فأصبح جمعها هو شغلهم الشاغل في هذه الحياة ، وأصبحت كل قراراتهم في الحياة على أساسها ، ولم يتملكوا الأموال ، ولكن الأموال هي التي تملكتهم ،وتملكت من نفوسهم الضعيفة ، فأصبحوا لا يعرفون هدفاً في الحياة سوى الأموال التي أصبحت هي غايتهم ، وتحول المال عندهم من وسيلة إلى غاية ، ومن خلال بحثي في الاقتصاد الإسلامي الذي هو جوهر حياتي البحثية والأكاديمية ، وكذلك من خلال تجاربي الحياتية كأحد أفراد المجتمع والذي أتعامل مع أفراده ، وأتفاعل مع سلوكياتهم ،اجتهدت في تصنيف عـَبــدَة الأموال إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى (أخطر الفئات وأضلهم) : هي فئة من الناس ، تعيش حياتها بعيداً عن تعاليم الإسلام ، فتضيع العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج ، فـلا تعرف هذه الفئة سوى شهواتها ، فعندما تتعامل مع الأموال ترى فيها كل شىء لأنها وسيلتهم لكل شهواتهم ، ولا أعتقد أن هذه الفئة التي ضيعت حق الله عز وجل ، أنها ستراعي حقوق العباد ، فعند تعامل هذه الفئة مع الأموال لا يعنيها الحلال منها والحرام ، فتحصل هذه الفئة على الأموال بأي طريقة وبأي وسيلة مشروعة أو غير مشروعة ، فتصبح الأموال هي كل أهدافها في الحياة بأي وسيلة . .
الفئة الثانية : هي فئة من الناس تعرف تعاليم الإسلام جيداً وتلتزم بها ، ولكن بكل أسف هذه الفئة تعاملت مع الإسلام بالعبادات فقط ، فهي تلتزم بالصلاة والصيام والزكاة والحج ، ولكنها عندما تتعامل مع الأموال تضعف نفسياً فلا تفرق فيها بين الحلال والحرام ، ولكن كل ما يعنيها الإكثار من الأموال بأي وسيلة كسب حتى وإن كانت غير مشروعة ، سواء تجارة محرمة أو غش وخداع أو جواراً على حقوق الناس وأكلاً لأموالهم بالباطل ، وبغير حق ، مع الحفاظ على المظاهر الدينية ، فـتـتكسب الأموال الكثيرة بغير وجه حق وبطرق احتيالية ،ثم تخرج جزء من هذه الأموال في أوجه الخير ، وتناست هذه الفئة أن الله غني عنها وعن أموالها الغير نظيفة ، فهي فئة تخدع نفسها قبل أن تخدع الناس
الفئة الثالثة : فحقيقة هذه الفئة من الناس أقـف عندها قليلاً متعجباً ، فهي فئة تلتزم بتعاليم الإسلام من عبادات ومعاملات ، فكما تلتزم بالصلاة والصيام والزكاة والحج ، تكن حريصة على الكسب الحلال فلا تأكل حراماً ، ولا تأخذ الأموال من غير حلها ، وهذه الفئة يكون لديها ما يكفيها وأسرتها لسنوات وسنوات ، ولكن يؤخذ على هذه الفئة أنها تُحمل نفسها فوق طاقتها من أجل الأموال التي أخذتها غاية وليست وسيلة ، وتناست هذه الفئة أن نفسها التي بين جنبيها أمانة ، فعليها أن تتعامل من أجل الكسب الحلال ،ولكن عليها أن تدرك أن لبدنها عليها حق ، ولأسرتها عليها حق ، ولأرحامها عليها حق ، فلا بد أن تعطي كل ذي حق حقه ، ولا يكون كل وقت الإنسان وصحته وجهده للأموال وجمعها ، فلن تفيدك هذه الأموال لو سقط جسدك تعباً ومرضاً ، ولن تستطيع استئجار شخصا بأموالك ليحمل عنك الألم والتعب وقتها ، فهنا تكون كمن قتل نفسه من أجل الأموال ، فالحياة مليئة بالأهداف الجميلة التي يجب على الإنسان العاقل أن يدركها ، ولا تكون حياته كلها لجمع المال ، ليستمتع بحياته في الدنيا ويفوز في الآخرة بجنات النعيم . . – وختاماً أقول لكل فئات عـَـبــَــدَة الأموال ، اجمعوا من الأموال ما شئتم ، وتصارعوا عليها ما شئتم ، ولكن تذكروا معي قول الله عز وجل ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) ، فالموت يأتِ بغتة ، وأموالكم تجمعونها لوارثيها ، فـستـتركونها لهم يستمتعوا بها ، وتذهبوا أنتم لتحاسبوا عليها كلها كثيرها وقليلها ، فيا لها من حسرة ، أتمنى أن تكون رسالتي قد وصلت إلى عـَـبــَـدَة الأموال ، فلعلهم يـتـستـيـقـظوا من غـفـلتهم قبل فوات الأوان ،وإلى اللقاء مع القارىء الكريم في كتابات لاحقة إن شاء الله .