مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أحمد غزالة يكتب الأثـر الـنـفسي للإيـمـان بالله وفـهـم صـحـيـح الـعـقـيـدة

بقلم أحمد غزالة
القارىء الكريم ومازلنا نعيش أجواء شهر رمضان المبارك ،وأسال الله أن يعيده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة بالخير واليمن والبركات ، وفي هذه الأيام المباركة أردت تناول موضوعاً يتناسب مع بركات هذه الأيام ، وهو مفهوم الإيمان بالله وما يحققه من سعادة للإنسان في الدنيا والآخرة ,وأردت تسليط الضوء على جانب مختلف من آثار الإيمان بالله ، وهو كيف يساهم الإيمان بالله فى اكتساب الحصانة النفسية ضد الضعف الإنساني؟ ، فالدين فطرة إنسانية فطر الله الناس عليها مصداقاً لقوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) النور آية 30، وقوله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه) رواه البخاري ومسلم ، وتمسك الإنسان بهذه الفطرة الإلهية وحرصه عليها لينال بها رضى الله عز وجل ويكون من الفائزين بجناته في الآخرة ، ولكن بالإضافة لهذا الجزاء الأخروي من الله للإنسان على تمسكه بصحيح دينه فى الدنيا ، فهل يمكن أن يكون هناك دوافعاً أخرى للدين تدفع الإنسان نحو الالتزام بتعاليمه لمكاسب دنيوية أخرى يحصل عليها الإنسان ولا يجدها إلا في رحاب الـتـُــدين والتمسك بصحيح العقيدة ؟ نعم ، ومن أهم هذه المكاسب التي يحصل عليها الإنسان فى رحاب التدين الصحيح والتي سأحاول جاهداً إبرازها هنا هو الجانب النفسي للـتـُدين وما له من خصائص نفسية ينعم بها المؤمن المتمسك بتعاليم دينه وصحيح عقيدته ، ومن أهم هذه المكاسب النفسية التي يحصل عليها الإنسان من تمسكه بتعاليم دينه وصحيح عقيدته :
1- يكتسب المؤمن من عقيدته عزة النفس والكرامة وأن يكون مرفوع الرأس من غير كبر ، ومتواضعاً للناس من غير ضعف وانكسار ، ويضع نُصب عينيه دائماً قول الله عز وجل ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) المنافقون آيه 8 ، وهنا نجد أن الله عز وجل لم يمنح العزة لأكثر الناس مالاً أوجاهاً أو سلطاناً وإنما منحها للمؤمنين ، فرفع الله المؤمن إلى مقام العزة ، وتكون عزة المؤمن ليست كبراً أو تفاخراً ، وإنما قوة داخلية يشعر بها من خلال اعتماده على الله في كل شىء فلا يضعف أمام أحد أبداً ولا ينكسر مهما واجهته ضغوط الحياة ومصاعبها ، وهو على يقين دائم بأنه لا يملك له بشر نفعاً ولا ضراً ، ولا خيراً ولا رزقاً ، ولاحياةً ولاموت ، وإنما أمره كله بيد الله ، ومن هنا يشعر المؤمن دائماً بعزة نفسه وكرامته فما أعظم هذا الدين !
2- من المكاسب النفسية أيضاً التى يحصل عليها المؤمن من تمسكه بدينه وصحيح عقيدته هو اكتسابه للتوازن النفسي في الحياة ، فالإنسان بعيداً عن الدين إن تعرض في الحياة لفقرٍ أو غنى ، فعند الفقر يتحول إلى حاقدٍ يستكثر نعم الله على خلقه ، ويكون ناقماً على حاله وهنا تصيب نفسه شىءٌ من الخلل النفسي، وإن أصابه الغنى وهو بعيد عن الدين أخذته زهوة النعمة إلى الغرور والكبر وأنه في مستوى فوق الناس جميعاً وهنا أيضاً تصيب شخصيته شىءٌ من الخلل النفسي ، ومن هنا نجد أن الإنسان سواء كان فقيراً أو غنياً تكون سلوكياته وتصرفاته بعيداً عن التوازن النفسي متى كان بعيداً عن الإيمان بالله وفهم صحيح العقيدة ، ولكن الإنسان المؤمن بالله وبحكمته عز وجل في كل شىء يكون على درجة عاليه من التوازن النفسي أمام أقدار الحياة فإن مَنّ الله عليه بنعماء من عنده سواء كانت مالاً أو صحة ….إلخ من النعم أدرك أن هذه النعم ابتلاء من الله وليست إكراماً أو تشريفاً له أو لمنزلته عند الله وإنما ليرى الله منه كيف سيتعامل مع نعم الله عز وجل عليه، وهذا يجعل الإنسان الذي أنعم الله عليه بنعمة وهو في رحاب الدين لا يقع أبداً فريسة للغرور والتكبر التي هي من أمراض النفس فتكون النعماء التي أنعم الله عليه بها سبباً لعدم التوازن النفسي وتكون هنا النعمة نقمة وليست نعمة لأن الإنسان لا يمكن أن يشعر بالسعادة مع اختلال التوازن النفسي ، وكذلك الإنسان المؤمن المتمسك بصحيح عقيدته إن أصابه الفقر أو المرض أو أوجعته الحاجة وأقـتـر الله عليه في رزقه ، أدرك أن هذا ابتلاء له من الله فلا يجزع ولا يشعر بالضعف الإنساني ولا يتحول لحاقد أو حاسدٍ لنعماء غيره ، فيكون قانعاً راضياً بقدر الله إلى فـتـتـحقـق له سلامة النفس ولا يقع فريسة لعدم التوازن النفسي ، وهذا يؤكده قول الله عز وجل في سورة الفجر (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) ، ومن هنا يتدبر الإنسان سواء مـدَّ الله له في العطاء والنعماء في مال أو صحة أو جاه أو سلطان فليس هذا دليل على تكريم الله له ، وإن أقتر الله عليه في رزقه وصحته فليس هذا دليل على إهانة الله له ، وإنما هي ابتلاءات الله للإنسان إن نجح فيها عاش في الدنيا بنفس محصنة ضد أي خلل نفسي فتتحقق له السعادة في الدنيا وينال رضى الله عز وجل ويفوز بجنته في الآخرة .
3- من المكاسب النفسية أيضاً التي يحققها الإيمان بالله والتمسك بصحيح العقيدة هي أنها تجعل المؤمن متفائلاً دائما بأقدار الله ، فليس التشاؤم من صفات النفس المؤمنة ، وهذا التفاؤل يعطي المؤمن طاقة نفسية تفتح أمامه أبواب الأمل والرجاء في عطاء الله الذي لا تحده حدود ، ولنتذكر جميعاً ما مر به يعقوب من بلاء بعد فقد يوسف ، وبرغم طول فترة البلاء ، وتضاعف الآلام عليه لم يتسلل اليأس إلى قلب يعقوب عليه السلام بل كان هناك الأمل والرجاء واليقين في قدرة الله على تغيير الأحوال مهما صعبت أقدار الحياه فقال لأبنائه الّذين كانوا من أسباب محنته ( فصبر جميل * عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) وظل يعقوب متمسكاً بالأمل رغم طول البلاء إلى أن حقق الله رجاءه وجمعه بيوسف وأخيه ، وهنا نتعلم أن الإيمان والتفاؤل متلازمان لا يفارقان نفس المؤمن .
ومن هنا نجد أن الإيمان بالله والتمسك بصحيح العقيدة وفهم مراد الله في أقداره من أسباب التوازن النفسي للإنسان ، ولا يمكن للإنسان أن يشعر بأي سعادة في الدنيا ولو كان يمتلك جميع النعم عند غياب السلامة النفسية , وإلى اللقاء مع القارىء الكريم في كتابات لاحقة إن شاء الله

التعليقات مغلقة.