مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أبطال طنان في حرب أكتوبر 1973

البطل: مصطفى عبد الحكيم عبدالعزيز الغرباوي

بقلم: محمد حسن حمادة

 

 مازالت قرية طنان التي ساهمت بأبطال وشهداء في حرب أكتوبر 1973 تبوح بأسرارها وتروي حكايات وقصص وبطولات لا تنتهي مخلوطة بالدم والنار والفخار تُروى على لسان أبطالها الذين شاركوا في أعظم حروب مصر في العصر الحديث حيث ستظل هذه الحرب تجسيدا لانتصار الإرادة المصرية إرادة شعب وجيش أقسما على استرداد الأرض من لصوص الأرض من أبناء بروتوكولات حكماء صهيون بعدما حقق الجندي المصري حلم العبور وقضى على أسطورة الجيش الذي لا يقهر فعادت الروح بالانتصار بعد الانكسار وتجرع العدو مرارة الهزيمة وأيقن بما لايدع مجالا للشك أن: في مصر المحروسة رجالا لا تنام تحمي الأرض والعرض والولدان”.

 

في حرب العاشر من رمضان هناك بطولات لجنود مجهولة لا نعرفها ولكن الله يعرفهم، فمن دافع عن الأرض لا يموت أبدا فلا غرو أن يكتب التاريخ في صدر صفحاته أن من بين هؤلاء الأبطال العريف مجند: مصطفى عبد الحكيم عبدالعزيز الغرباوي، مواليد عام 1947 التحق بالخدمة في 14/8/1967 وتحديدا بالكتيبة 16مشاة التي كانت “. من أوائل الكتائب التي عبرت قناة السويس وحتى قبل العبور عبر عناصر (اقتناص الدبابات) وهي من العناصر الرئيسية التي رفعت علم مصر قبل عبور القوات الرئيسية”. كان قائد كتيبته مقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي رحمه الله الذي أصبح فيما بعد القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحاكم للبلاد عقب ثورة 25 يناير، أما قائد سريته فكان النقيب أيمن السعيد، ورغم تقدم السن مازالت الذاكرة حاضرة متوهجة يتذكر هذا الحدث الفريد وكأنه حدث بالأمس يحفظه عن ظهر قلب وكأنه شريط سينمائي محفور في وجدانه ووشم غائر لا يمحى من ذاكرته، يروي لي البطل مصطفى الغرباوي قصة الحرب من زاوية أخرى فيقول: حضرت حرب الاستنزاف ثم كلفت بالحراسة في القنطرة، تسلمت (طبنجة دنشواي 254) كانت وظيفتي (حكمدار مدفع ماكينة جرينوف) بدرجة عريف مجند، لم ألتقط أنفاسي بعد حتى قامت دورية إسرائيلية بالاشتباك معنا وفي اليوم التالي وجدنا الطيران فوق رؤوسنا بالإضافة لمدفعية (هاوتزر) تبادلنا معها النيران، كانت مهمتي الضرب بالمدفع مزاغل الدبابات والدشم وأفراد المشاة والخنادق، ثم يبتسم ويقول لي (شفت الصهاينة استقبلوني إزاي) ومع الوقت حدث تواصل بيني وبين المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي كنا ونحن على الضفة نصطاد معا ( الكابوريا ) ونشويها في صفائح.

 

وعن ذكريات العبور يقول البطل مصطفى الغرباوي: ماأروع لحظات الانتصار فهي لاتنسى لأنها محفورة في ذاكرة الأوطان، تحمل الشعب المصري بصبر وجلد وطأة نكسة 1967 بسلاح الصمت والعمل والتدريبات الشاقة والتخطيط العلمي السليم، ننتظر لحظة الثأر بكل شوق حتى بدأت الحرب فكأننا ولدنا من جديد ففي العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر وفي تمام الساعة الثانية ظهرا دقت طبول الحرب وعلى صيحات الله أكبر التي وحدت العرب من المحيط إلى الخليج وزلزلت صولجان أبناء (جولدا مائير) ارتفعت دقات قلوبنا ورغم حالة الصيام لم نفكر إلا في الثأر وعبور خط بارليف الحصين واجتياز الحاجز النفسي الرهيب الذي خلفته النكسة، كانت لحظة لا توصف فعلى بعد عدة كيلو مترات من قناة السويس وتحديدا في (المزرعة الصينية) شرق الدفراسوار التي تقع شرق مدينة الإسماعيلية لم يخطر ببال المصريين أن هذه المحطة الزراعية التجريبية على الضفة الشرقية لقناة السويس التي تغطي ما يقرب من خمسة عشر ميلا مربعا، ستغدو ميدانا لأكبر معركة للدبابات في العصر الحديث منذ الحرب العالمية الثانية فخلال خمسينيات القرن المنصرم أسست الحكومة المصرية هذه المحطة لدراسة إمكانية الري وزراعة المحاصيل في التربة الصحراوية القاحلة في شبه جزيرة سيناء، تم استيراد معدات الري الآلية من اليابان، وعقب نكسة يونيو 1967 استولت القوات الإسرائيلية على المحطة، لاحظ الإسرائيليون الأحرف على الآلات الزراعية فظنوا أنها حروف صينية، فأطلقوا عليها ( المزرعة الصينية) في خرائطهم العسكرية، كنت هناك في الخطوط الخلفية شاهد عيان على أعظم وأشرف وأنبل المعارك التي خاضتها مصر ألا وهي معركة (المزرعة الصينية) أشرس معركة دبابات في العالم بعد الحرب العالمية الثانية فقد عاشت فيها إسرائيل ساعات من الجحيم قال عنها “موشيه ديان” وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أثناء زيارته لمكان المعركة “لم استطع إخفاء مشاعري عند مشاهدتي لأرض المعركة فقد كانت مئات من العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة في كل مكان ومع اقترابنا من كل دبابة كان الأمل يراودني في ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلي عليها لكن انقبض قلبي فقد كان هناك كثير من الدبابات الإسرائيلية”.

 

قد يهمك ايضاً:

محافظ الإسكندرية في جولة مفاجئة داخل سوق زنانيرى

محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء فى والدة رئيس مدينة سيدي…

استطاعت كتيبتنا الكتيبة 16 مشاة صد هجوم الصهاينة بقيادة الجنرال شارون، فرقتين مدرعتين مع كتيبة مظلات بقيادة حاييم بارليف صاحب فكرة خط بارليف وإبراهام آدان، وعوزي يائيري، وإسحاق موردخاي، كبدت كتيبتنا العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، والدبابات فقد فقدت إسرائيل أكثر من سبعين دبابة ومئات القتلى والجرحى حيث قام المقدم حسين طنطاوى بأكبر عملية خداع للعدو الصهيوني ونصب لهم فخا عسكريا محكما حيث أمر بوقف إطلاق النار تمامًا لإغراء قوات العدو الإسرائيلي على التقدم عبر المنطقة الواقعة بين الجيش الثاني والجيش الثالث الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس، بلع الصهاينة الطعم وتقدمت قواتهم حتى أصبحت في مرمى نيران قواتنا المصرية، وفي أعقاب تقدمها حاصرها طنطاوي بقواته حتى وصل الحال بالجنرال شارون أنه كان يبكى كالنساء، وكل من شارك في هذه المعركة من الجنود الصهاينة أصيبوا بأزمات نفسية مازالت آثارها ممتدة حتى الآن والدليل على ذلك أنه في عام 1998 أنتج ابن أحد الجنود الإسرائيليين الناجين من معركة (المزرعة الصينية) فيلما وثائقيا بنفس الاسم تدهورت صحته النفسية حيث كان يرى كوابيس في كل ليلة يرى نفسه يدفن زملاءه في صحراء سيناء لكن مفاجأة الفيلم أن كل من تم التسجيل معهم كانوا يعانون من أمراض نفسية وعصبية من آثار معركة (المزرعة الصينية) وأكدوا أنهم عاجزون عن ذكر كل الحقائق فمعركة (المزرعة الصينية) صندوق أسود لا يمكن فتحه. 

 

سيطرنا على محور (الطاسة) في منطقة شرق القنال وعندما حوصرنا بسبب الثغرة قمت بتعطيل المدفع ودفنته في الرمال حتى لا يقع في يد العدو، فقد أمرنا بإفساد كل المعدات الثقيلة وحمل المعدات الخفيفة، مكثنا أنا وزملائي بالمزرعة الصينية ثلاث ليال أشدها وطأة علينا الليلة الثالثة عبرنا أنا وزملائي بأعجوبة على عربات برمائية وقوارب مطاطية عبر معبر رقم 24 قناة السويس، ارتددنا منه إلى ( القصاصين ) ومن الإرهاق والتعب والمشي دخلنا مستشفى ( القصاصين ) مكثنا بها ردحا من الزمن حتى شفينا ثم عدنا للإمداد والتموين (بالقصاصين) قيد مهام أخرى وبعدها كان النداء الشهير للمشير طنطاوي بالعودة إلى مواقعنا واستكمال المعدات والمهمات والأسلحة، تقدمنا إلى موقع (الطاسة) بدير العبد بشمال سيناء وبعد النصر عدنا إلى ثكناتنا بالتل الكبير ثم انتقلنا إلى مسكن فايد حتى أنهيت خدمتي في 1/1/1974.

 

وأختتم البطل وعيناه تغشاهما الدموع: سأظل ماحييت أفخر بمشاركتي في حرب العاشر من رمضان ولن أكل أو أمل من رواية تجربتي لأبنائي وأحفادي ليستعيدوا روح أكتوبر التي تاهت منا خلسة وسُرقت منا عنوة في بحر الحياة المتلاطم الأمواج لتفقد الفروع جذورها ليندثر الأصل ونغرق في بحر التيه فتضيع الهُوية لذلك لابد أن يعرف الأحفاد عظمة وطنهم وقوة وبسالة جيشهم ثم رفع بصره إلى السماء ودعا الله أن يحفظ مصر من كيد الكائدين وأن يحفظ خير أجناد الأرض من شر الأعداء الطامعين والحاسدين وأن تظل راية مصر مرتفعة صواريها إلى يوم الدين”.