مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

آدم خضر يكتب : آدم خضــر يكتب : فقط أرواحهم هي المقدسة

44

 

كلما وددت أن أكتب عن غزة، تسلل إلى قلبي شعورٌ بالخجل والاستحياء، وأبت أناملي أن تواصل التدوين، ماذا ستفعل الكتابة في حضرة الإبادة الدائمة للأطفال، ماذا سأجني من فصاحتي وبياني، وهل سيضاهي مداد قلمي دماء الأبرياء التي طافت في طرقات المستشفى المعمداني والمستشفى الأندونيسي؟!، كلا والله …
لكنني أحاول أن أكون جنديًا من جنود المقاومة، حتى وإن لم أتمكن من حمل السلاح والتوغل في ساحة المعركة.

قد يهمك ايضاً:

محمد حسن حمادة يكتب: الإسلام ليس دينا هشا لنخشى عليه من هذه…

حقائق المرحلة الثانية في حرب تحرير فلسطين

ما زال صوت أم يوسف يدوي في رأسي وهي تفتش عن ابنها وتصفه في تيهةٍ وذهول ” شعره كيرلي وأبيضاني وحلو” وثمة أطفال غير يوسف كثيرون، منهم من كتب وصيته ولقى حتفه، ومنهم من ينطق الشهادة متأهبـًا لعملية قصفٍ قادمة ”هيك الحياة في فلسطين ” هذا ما أدلى به أحد الأطفال عندما سأله المذيع عن أحلامه في الكبر فرد عليه في إحباط وأسى “احنا في فلسطين ما نكبرش، احنا في أي لحظة ممكن ننطخ؛ ممكن نموت، واحنا ماشيين نلاقي حالنا مطخوخين، وهذا هو الهدف القذر الذي يبتغيه الاحتلال البغيض، وهو إعداد جيل مشوه نفسيًا بسبب ما يراه من أحداث وحروب دموية، فكيف لطفل رأى والديه في الأكفان أن يكمل حياته سالمـًا سويـًا؟! والطفل الذي علم أن مدرسته قد قصفت بالأمس، كيف ستخبره في الصباح أن العلم نور؟ هل سيقتنع؟

لا شك أن هذا العالم قاس ومتحجر وعديم الإحساس، وهذا ما جعل الطفل الفلسطيني يتذوق طعم الخذلان مبكرًا، عندما اصطدم بالواقع المرير وشعر أن الجميع تركه وحده في منتصف الطريق، شعر أنه طفل على ورق فقط، ليس ككل أطفال العالم الحالمين بحياة تذخر بالسلام، وتيقن تماماً أن كل شيء حوله زائف ومغشوش، فصفعة الحياة على وجهة البريء كانت مدوية، فقد كان يشاهد المشاهير في التلفاز آملًا أن يلتقط صورة مع أحدهم يومـًا، كان يبتسم ويشرد بخياله، يحلم أنه يعانق أحدهم، لكن حلمه تحول إلى كابوس، عندما أخبر، أن منهم من رقص إبان تأوهه تحت الأنقاض، ومنهم من أغدق بالمال على جيش الاحتلال ليساعده في جلب المزيد من الصواريخ لعمليات القصف، حتى الذي كانوا ينتظرون منه المؤازرة والغوث ظهر ليخبر العالم أن كل الأرواح مقدسة.

ورغم أنف هذا وذاك، تظل قدسية الأرواح في فلسطين لها طابعٌ خاص وحالة منفردة، قدسية أيدها الله وشهد عليها أنبياؤه، قدسية لا يعرفها القانون الدولي، ولم تصل بعد إلى الصحف العالمية، وستبقى هذه القدسية محفورة في قلب كل عربي حر لا يجد من دون الله ملتحدا.

التعليقات مغلقة.