بقلم – محمد البنا:
يرتكز منهاجي النقدي عند تناولي لأي نص سردي، شعرًا كان أم قصة، على مرتكزين رئيسين، ألا وهما المتعة والذهنية، ويتفرع المرتكزان إلى عدة محاور، سأتناولها تباعًا فيما يلي :
1- سلاسة السرد وانسيابيته :
السرد السلس المتناغم مع روح الفكرة وطرق معالجتها، يجذب المتلقي ناقدًا كان أم قارئًا، ويمزجه مع النص ككيانٍ واحد محققًا المتعة الوجدانية والحسية في آنٍ واحد .
تتابع الجمل السردية الرشيقة عاملٌ مهم في انفتاح المتلقي على فحوى النص، وسهولة هضمها، ففي الشعر مثلًا ..الصور البسيطة المستحدثة تُشكل دافعًا قويًا يدفع المتلقي إلى براح التخيل الممتد جماليًا بلا حدود، وتساهم مجتمعةً في تكوين الصورة الكلية للقصيدة، بينما الصور المركبة بإيغالٍ في الرمزية، تستوقف ذهنية المتلقي عندها منشغلًا بفك رموزها، واستخراج دررها الكامنة في أعماقها، مما يخرج به تلقائيًا عن مجريات الحدث الكلي ولو لبرهة من الوقت، والإيغال في تضمينها داخل إطار القصيدة الواحدة، سيكون حتمًا مرهقًا للذهن مما يدفع المتلقي للإنفصال عن النص، أو تركه جانبًا، كذلك في القص، فإن الإيغال في الترميز اللغوي، والتركيب اللغوية المبالغ في صياغتها، ستنحو بالمتلقي إلى نفس النتيجة السابقة .
2- التدقيق في اختيار الكلمات الدالة لهو أمرٌ في غاية الأهمية، فلغتنا العربية من أقوى اللغات الحالية في عالمنا المعاصر، بما تحويه بين دفتيها من كلمات دقيقة الدلالة، تعبر عن المراد بكفاءةٍ لا تباريها في ذلك أي لغة أخرى .
استسهال الكاتب باستخدامه مرادفات لغوية، أحيانًا يستقيم المعنى في ذهنية المتلقي العادي لإتفاق الموضوع، وأحيانًا ينحو به إلى غايةٍ أخرى، لا يقصدها الكاتب، وإنما ترتبط إرتباطًا وثيقًا بالمعنى الدقيق للكلمة ودلالتها المقيدة للمعنى، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر.. أمعن النظر، وأنعم النظر..الكلمتان موضوعهما الرؤية، ولكن شتان الفارق في دلالتهما اللغوية الدقيقة، فالأولى تفيد النظر للتأكد والتفحص للمنظور له، بينما الأخرى تفيد الحب والود والتمتع بما نحن ناظريه، فإن استخدم الكاتب الكلمة الأولى وفي معيّته أنها أدت الغرض منها ألا وهو الرؤية، فقد أخطأ خطأً شديدًا، لأن دلالة الكلمة تشي بالشك والرغبة في تبين حقيقة الرؤية، وليس مجرد النظر إليه فقط، قس على ذلك كل كلمة من كلمات لغتنا الجميلة .
3- الإلتزام بما تواتر واستقر من عناصر النوع السردي موضوع النص..قصًا كان أم قصيدة، فليس مقبولًا بحال أن نكتب نصًا ومن ثم ننعته بأنه قصة، بينما لا حدث فيه
4- الإستهلال يعد من أهم متطلبات النص، ومعيارًا أوليًا وهامًا يُبنى عليه ما هو لاحق، وينبغي أن يتحقق فيه ما يجذب المتلقي وجدانيًا أو ذهنيًا، ويدفعه إلى استكمال القراءة .
5- إحكام الحبكة الحدثية، ببراعة الدخول للحدث الرئيس، ومهارة تسويق مبرراته أو دوافعه، ومن ثم إحسان الخاتمة، بحيث لا يجد المتلقي أو الناقد تعارضًا أو ضعفًا في الدوافع، أو خاتمة لا تفضي إلى شئ .
6- المشهدية أو الصورة الكلية للنص..ينبغي أن تكون واضحة ومكتملة ومشبعة للمتلقي، ويتأتى ذلك عن طريق الجمل البلاغية السلسة السهلة دون تعقيد، وبالصور الشعرية البسيطة المستحدثة الخادمة للصورة الكلية للنص .
من كتابي ” نظرية القوة الناعمة للفن السردي ”