مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“مصر البلد” تحاور البطل أحمد إدريس صاحب فكرة الشفرة النوبية التي أطلقت عليها إسرائيل الشفرة الشيطانية”

18

أجري الحوار-  محمد حسن حمادة:

إدريس : هددني السادات لو أفشيت هذا السر العسكرى بالإعدام ..كتمت السر لمدة أربعين عاما .. ووردتني رسائل تهديد بالموت من الصهاينة.

منذ أن هاتفني عمي الحاج ربيع أبوحمد يدعوني لزيارته للاحتفال بانتصارات أكتوبر وسط أهالينا بعزبة شرف الدين التي تتبع الوحدة المحلية بطنان قليوب قليوبية علي شرف البطل أحمد إدريس صاحب فكرة الشفرة النوبية التي أطلقت عليها إسرائيل الشفرة الشيطانية وفشلت في اختراقها لمدة أربعين عاما وظل بطلنا المجند أحمد إدريس يحمل هذا السر بين ضلوعة حتي أعواما قليلة ماضية.

لم أتمالك نفسي بعد هذه المكالمة وأنا في غاية الشوق للقاء البطل فقد كان أحد الشخصيات الأسطورية لحرب أكتوبر التي حلمت بلقائها وإجراء حوار معها فهو النموذج الأمثل للجندي المصري.

فرغم مرور 47 عاما علي حرب أكتوبر المجيدة رويدا رويدا يزاح الستار عن أسرار هذه الحرب لنتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن كلمة السر في هذه المعركة هو الجندي المصري الذي صنع الفارق وقهر الجيش الذي لايقهر ولقن العدو المتغطرس درسا قاسيا لن ينساه.

توهم الصهاينة أن ميزان القوة في صالحهم وأن إمكانات جيش الدفاع الإسرائيلي العسكرية تفوق إمكانات الجيش المصري بمراحل وقد كان كذلك بالفعل، لكن لم يضع العدو في حساباته، الجندي المصري الذي يحمل خليطا من جينات القوة والإرادة والإيمان وحب الوطن والعبقرية بأفكار لاتخطر حتي علي بال الأبالسة.

اعتمد الرئيس السادات في خطته الحربية علي فكرة الخداع الإستراتيجي للعدو لكن كانت هناك معضلة كبري قد تطيح بفكرة الحرب فإسرائيل تفك شفرات الجيش المصري فلابد من البحث عن حل لهذه المعضلة وإيجاد شفرة جديدة آمنة يستخدمها الجيش المصري في التواصل وإبلاغ التعليمات والأوامر للضباط والجنود في مواقع العمليات علاوة علي ذلك تفشل أجهزة العدو الصهيوني في حلها.

كان المجند أحمد إدريس المجند بسلاح حرس الحدود آنذاك متطوعا منذ عام 1954 كمجند بقوات حرس الحدود.

يعتبر إدريس أقدم مساعد في القوات المسلحة، حيث ولد في شهر يوليو عام 1938، بقرية توماس وعافية النوبية الواقعة بمدينة إسنا جنوب الأقصر، ثم تطوع في سلاح حرس حدود رقيب أول بالجيش المصري عام 1952 وحتى عام 1994، بعد حصوله على الشهادة الابتدائية الأزهرية.

وفي عام 1971  دخلت مصر عهدا جديدا بتولي الرئيس محمد أنور السادات رئاسة مصر.

حرب الاستنزاف علي أشدها تكبد العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات والأموال وحتي تدخل مصر أجواء الحرب الحقيقية الرسمية كان لابد من التغلب علي كل الصعاب والعقبات فالعقبة الوحيدة لم تكن خط بارليف فقط بل أيضا الشفرة التي سيستخدمها الجيش وقت الحرب فطلب الرئيس السادات من قيادات الجيش إيجاد شفرة جديدة لايخترقها العدو.

في ذلك الوقت كان عم أحمد إدريس منتدبا مع رئيس الأركان أحمد محمد أحمد تحسين شنن، وسمع الحديث الذي دار بينه وبين العقيد عادل سوكة فتبسم وبكل بساطة قال وجدتها وجدتها فتعجب رئيس الأركان وقال له بلهفة المحارب الذي يبحث عن الخلاص من هذه المتاهة هاتِ ماعندك!

البطل بكل هدوء وثقة اللغة النوبية هي الحل يافندم لأنها تنطق ولا تكتب ولن يستطيع أحد فك الشفرة نظرًا لخلو اللغة من الحروف الأبجدية”.

وأخذ يستطرد ويشرح لقادته عن اللغة النوبية وأقسامها وأن اللغة النوبية تنقسم إلى لهجتين لهجة نوبة (الكنوز) ولهجة نوبة (الفديكا) ويعود أصل (الكنزية) إلى اللهجة (الدنقلاوية) نسبة إلى دنقلة في السودان، بينما يعود أصل (الفديكا) إلى اللهجة (المحسية) التي كان يتحدث بها سكان شمال السودان.

وجد القادة ضالتهم في هذه الفكرة وتنفسوا الصعداء فأمر قائد اللواء 15 مدرعات باستدعائي، وقام بإبلاغ قائد الجيش الثاني بهذه المعلومة، وعرضوها على الرئيس السادات الذي أمر باستدعائي.

يحكي البطل أحمد إدريس لـ”مصر البلد الإخبارية” تفاصيل اللقاء وهو يثني علي الرئيس السادات ويترحم علي بطل الحرب والسلام من قلبه:

قد يهمك ايضاً:

” العسومي” يثمن مواقف روسيا الداعمة للقضية…

تم اقتيادي إلى قصر الاتحادية حيث قابلت أحد كبار الضباط الذي قام بتقديم خطابا إلى العلاقات العامة برئاسة الجمهورية، ثم اصطحبني مندوب من الاتحادية إلى قصر رئيس الجمهورية بالجيزة كنت خائفا مرتعشا وخاصة أنهم وضعوني في الأصفاد فأخذت أقلب في رأسي ماذا صنعت ياويلي يبدو أن الأمر جلل لم يقطع عليً حبل أفكاري إلا دخول الرئيس السادات فأسقط في يدي وعندما لاحظ الرئيس السادات مدي وجلي وتوتري ربت علي كتفي وقام بتهدئتي ثم جلس علي المكتب وقال لي راقت لي فكرة الشفرة النوبية ولكن كيف ننفذها؟.

 

هنا عادت لي روحي يبتسم لنا البطل وكأن الموقف قد حدث الآن، وعندما وجدنا مشدوهين بعدما نقلنا إلي أجواء الحرب والمعركة ونقل لنا بعدسته لقائه  بالرئيس السادات تنفس مليا فضج الحضور حتي يسترسل البطل عن هذا اللقاء الأسطوري بالرئيس السادات.

فعاد البطل للروي: قلت للرئيس السادات لابد من جنود يتحدثون النوبية وهؤلاء موجودون في النوبة وعليه أن يستعين بأبناء النوبة القديمة وليس بأهل نوبة  1964، الذين نزحوا بعد البدء في بناء السد العالي لأنهم لا يجيدون اللغة وهم متوفرون بقوات حرس الحدود”.

ابتسم السادات وقال: بالفعل ألا تعلم أنني  كنت قائد إشارة بقوات حرس الحدود وأعرف أنهم كانوا جنودا بهذا السلاح؟

بعد عودتي لمقر خدمتي العسكرية كان عدد المجندين 35 فردا حتي وصل  عددهم حوالي 300 مجند من حرس الحدود لإرسال واستقبال الشفرات، وتم تدريب الجميع، وذهبنا  لمهمتنا الأساسية خلف الخطوط لتبليغ الرسائل بداية من عام 1971 وحتى حرب 1973″.

يستطرد البطل أحمد إدريس عن أهم العمليات الاستطلاعية التي شارك فيها فيقول: في أحد الأيام في حوالي الساعة الثانية ظهرًا كنا نمكث في الأبيار فسمعنا تحركات شديدة وصوت الدبابات فوق الأبيار فذبنا خوفا وتقينا بأننا قضي علينا كانت لحظات مرعبة واستمر هذا الصوت على مدار ساعتين وعندما شعرنا بالهدوء من هذه الأصوات تسللنا لمعرفة المصدر، فوجدنا أكثر من مائتي (تريللة) تحمل علي ظهر كل واحدة منها دبابة جديدة إسرائيلية في طريقهم من العريش إلى الخط الأوسط، فقمنا بإبلاغ ما شاهدناه للقيادة على الفور فقام اللواء مدكور أبوالعز قائد الطيران آنذاك بإرسال طائرات وقامت بضرب هذه (التريللات) في الحال (بالنابالم) واحترقت وتفحمت بالكامل.

طالبني السادات بعدم إفشاء هذا السر الحربي وهددني بالإعدام إن أخبرت أحدا.

وبوفاء معهود لم ينس بطلنا شكر أهالينا بسيناء علي بطولاتهم وتضحياتهم وماجادوا به من نفس ونفيس فداءً للوطن فهم نبتة أصيلة من شجرة مباركة.

وفي نهاية اللقاء طلب الحضور من البطل الإشارة لأهم الكلمات النوبية التي استخدمها الجيش المصري في الحرب؟

فتحدث البطل ببعض الكلمات النوبية القديمة (أوشريا) وتعني (اضرب) وجملة (ساع آوي) وتعني (الساعة الثانية) وبمجرد أن تلقت كل وحدات الجيش المصري كلمة (أوشريا) بدأت ساعة الصفر

وانطلق جند الله أبطال الجيش المصري

لاسترداد الأرض والعرض والوطن والشرفِ والكرامةِ لتحصد مصر النصر في ملحمة أسطورية ُسطرت بدماء الشهداء وبعزيمة وإرادة الأبطال الذين صنعوا المعجزة وقهروا الجيش الذي لايقهر وعبروا أكبر مانع مائي في العالم، ودمروا خط بارليف الحصين في ست ساعات (!)

وينهار خط بارليف بزخات المياه(!)؟

الذي كانت تنظر له إسرائيل علي أنه رمز القوة التي لاتقهر!

وتنهار أقوى التحصينات وأحدث الدبابات والمدافع وترسانة الأسلحة الإسرائيلية وتحترق مركبات العدو بالقذائف الخفيفة والقنابل اليدوية؟

أما ماهو أغربُ من الخيال ويعجزُ العقلُ عن تصديقه أن ثمانية آلاف مقاتل مصري من قوات الصاعقة والمشاة يدحرون أكثر من خمسين ألف صهيوني في ست ساعات(!) ويقتلون ويأسرون كل من تحصن في الدشم والمواقع الإسرائيلية الحصينة المنتشرة على طول شرق القناة؟

ناهيك عن حالة الرعب التي دبت في قلوب الصهاينة بمجرد أن سمعوا صيحات “الله أكبر” التي زلزلت الأرض من تحت أقدامهم وخلعت قلوبهم فكانوا يهرولون كالفئران المذعورة ويصرخون كالنساء بينما الجندي المصري يتسلق خطهم “المنيع”، وبيسر وسهولة يحصد رؤسهم في حصونهم وأبراجهم المشيدة فقد توهمت إسرائيل أن الغرف الحصينة ستعصمهم من غضبة الجندي المصري عندما يثأر لكرامته، في تلك السويعات تغير طعم التاريخ.

اترك رد