مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

مستقبل الطاقة فى العالم

12

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

حتى الآن، الوقود الأحفورى يلبى احتياجاتنا من الطاقة بكفاءة عالية، ولكنه أيضا غير متجدد ويستنفد بسرعة. كما ساهمت مصادر الوقود الأحفورى بشكل كبير فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والتلوث. لقد حان الوقت لإيجاد بدائل مناسبة وأفضل من الوقود الأحفورى.

البشرية تناضل من أجل تحسين مستوى معيشتها، فهى تعتمد بشكل ثابت على كميات هائلة من الطاقة الكهربائية. يبحث العلماء باستمرار عن مصادر طاقة متجددة والتى لها تأثير محدود على البيئة، وتقلل من مساهمتها فى الاحتباس الحرارى، والذى يعتقد أنه ناتج عن إطلاق ثانى أكسيد الكربون أثناء حرق الوقود الأحفورى.

هناك مسار طموح وضع للقضاء على ظاهرة انبعاثات ثانى أوكسيد الكربون، بهدف الوصول للحالة الصفرية الصافية،  وحدد لها تاريخ وهو عام 2050، إلا أن الصين أعلنت مؤخراً عن موعد 2060 للوصول للحالة الصفرية الصافية من الكربون.

فى العقود القادمة، سيواجه قطاع الطاقة مزيدا من التعقيد نتيجة التحديات المتشابكة “الاقتصادية والجيوسياسية والتكنولوجية والبيئية”. مع استمرار زيادة التنمية فى بلدان العالم النامى، يجب تلبية احتياجات الطاقة لمليارات الأشخاص فى المناطق الريفية. وفى الوقت نفسه، من المتوقع أن تنخفض إمدادات النفط التقليدى والغاز الطبيعى التقليدى فى المستقبل غير البعيد، بحيث يتركز البترول بشكل متزايد فى الشرق الأوسط، والغاز الطبيعى فى دول مثل روسيا وإيران. من شبه المؤكد أن هناك قيدا إضافيا على استخدام موارد الطاقة التقليدية، بما فى ذلك الفحم، حيث يتم وضع قيود صارمة بشكل متزايد على الكمية الإجمالية للغازات الدفيئة التى يمكن إطلاقها فى الغلاف الجوى، وهذا القيد سيؤدى بدوره إلى زيادة الاهتمام بمصادر وتقنيات الطاقة البديلة.

سوف تتطلب مواجهة هذه التحديات فترات زمنية طويلة للغاية. فى الواقع، قد يستغرق تجديد الأنماط الحالية لإنتاج واستهلاك الطاقة  “النقل والبنية التحتية، وتخطيط المدن، والتكنولوجيات الحالية، وما إلى ذلك”، ما يصل إلى خمسين عاما أو أكثر.

على الرغم من أن أوجه عدم اليقين كبيرة، إلا أن هناك درجة معقولة من الإجماع على توقعات الطاقة للسنوات العشرين القادمة، ربما يكون السبب الرئيسى هو أنه لا يتوقع أن تخضع اتجاهات الطاقة طويلة الأجل لتغييرات جذرية خلال هذه المدة الزمنية. معدل دوران رأس المال منخفض فى توليد الطاقة، وسيستغل معظم رأس المال خلال العشر سنوات القادمة التكنولوجيات الحالية أو السابقة.

خلال العشر سنوات القادمة، سيظل الوقود الأحفورى يهيمن على استخدام الطاقة. سيكون استهلاك البترول مدفوعا بشكل أساسى باحتياجات وسائل النقل، وحقيقة أن البترول سيظل الطاقة البديلة، أى تلك التى تملأ الفجوة عندما لا تتوفر الطاقات الأخرى بدرجة كافية. مع زيادة االاكتشافات الجديدة فى الغاز الطبيعى، سوف يزداد استخدام الغاز بسرعة، باعتباره الوقود المفضل فى التدفئة، واستخدامه فى توليد الطاقة الكهربائية، وسيستمر الاعتماد على استخدام الفحم، وإن كان بوتيرة أبطأ فى قطاع توليد الطاقة الكهربائية، حيث لا يتوفر الغاز أو يكون أكثر تكلفة من الفحم. المصادر الرئيسية غير الأحفورية “الانشطار النووى، الطاقة المائية، الكتلة الحيوية” من المحتمل أن تشهد انخفاضا فى حصتها في العرض الإجمالى.

كان لانتشار وباء Covid‑19 تأثير على قطاع الكهرباء على مستوى العالم. ، ففى الربع الأول من عام 2020، انخفض الطلب على الكهرباء بنسبة 6.5%. ونتيجة للإجراءات الصارمة التى نفذت خلال مراحل احتواء وباء Covid‑19، أدت إجراءات الإغلاق الكامل إلى خفض الطلب على الكهرباء بنسبة 20٪ أو أكثر، مع تأثيرات أقل لعمليات الإغلاق الجزئى. وفى بعض الدول مثل إيطاليا، انخفض الطلب على الكهرباء بأكثر من 25٪. كان من المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة الكهربائية بنسبة 12٪ بين عامى 2019 و 2030، ولكن النمو على الطلب وصل الآن إلى 9٪.

إن عدم اليقين بشأن مدة بقاء الوباء وآثاره الاقتصادية والاجتماعية، واستجابات السياسة تفتح مجموعة من السيناريوهات عن مستقبل الطاقة. من خلال النظر فى السيناريوهات المختلفة حول هذا المجهول. هناك سيناريو يفترض أنه بالإمكان السيطرة على Covid-19 تدريجيا فى عام 2021، ويعود الاقتصاد العالمى إلى مستويات ما قبل الأزمة فى نفس العام. وهناك سيناريو يفترض التعافى المتأخر، بمعنى أن الوباء ستطول مدته، مما يسبب ضررا دائما للآفاق الاقتصادية. ثم يعود الاقتصاد العالمى إلى حجمه الذى كان عليه قبل الأزمة فقط فى عام 2023 أو يتأخر حتى عام 2025، ويظل الطلب على الطاقة لفترة عقد من الزمان بأدنى معدل نمو.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

الطلب على الفحم لن يعود إلى مستويات ما قبل أزمة وباء Covid‑19، وستنخفض حصته فى مزيج الطاقة لعام 2040 إلى أقل من 20٪ لأول مرة منذ الثورة الصناعية. أدت سياسات التخلص التدريجى من الفحم، وظهور مصادر الطاقة المتجددة والمنافسة من الغاز الطبيعى إلى سحب 275 جيجاوات من الطاقة التى تعمل بالفحم فى جميع أنحاء العالم بحلول عام 2025، أى حوالى 13٪ من إجمالى عام 2019. وستنخفض حصة الفحم فى مزيج توليد الطاقة العالمى من 37٪ فى 2019 إلى 28٪ فى 2030.

أما عن مستقبل الطاقة الكهربائية، فنجد أن الطاقة الكهربائية تتطور بسرعة، وهناك تغييرات كبيرة فى مستقبل هذه الطاقة، حيث تشير اتجاهات السوق إلى مستقبل طاقة كهربائية منخفضة الكربون. هذا التحول مدفوع بالاتجاهات التى يسميها خبراء الصناعة “العناصر الثلاثة”، أى إزالة الكربون والرقمنة واللامركزية. تؤثر هذه الاتجاهات الثلاثة على شبكة الطاقة، وستثير تغييرات توفر طاقة كهربائية ذات موثوقية عالية.

النمو فى الطاقة المتجددة سريع جدا، وتعتبر الطاقة الشمسية فى مركز هذه الكوكبة الجديدة من تكنولوجيات توليد الكهرباء. مع التخفيضات الحادة فى التكاليف على مدى العقد الماضى، أصبحت الطاقة الشمسية الكهروضوئية أرخص من محطات الطاقة الجديدة التى تعمل بالفحم أو الغاز فى معظم الدول، وأصبحت مشاريع الطاقة الشمسية الآن تقدم بعضا من الكهرباء الأقل تكلفة على الإطلاق. ومن المنتظر أن تلبى مصادر الطاقة المتجددة 80٪ من النمو فى الطلب العالمى على الكهرباء حتى عام 2030.

مع أن الطاقة الكهرومائية أكبر مصدر متجدد للكهرباء، لكن الطاقة الشمسية هى المحرك الرئيسى للنمو، حيث تسجل أرقاما قياسية جديدة، تليها طاقة الرياح على الشاطئ وطاقة الرياح داخل البحار والمحيطات.

تعتبر مصادر الطاقة المتجددة، والطاقة الشمسية على وجه الخصوص، وكذلك الطاقة النووية، هى مستقبل الطاقة على مستوى العالم. كما سيلعب تخزين الطاقة الكهربائية دورا حيويا متزايدا فى مستقبل الطاقة الكهربائية، وخاصة فى مجال الطاقة المتجددة، لضمان التشغيل المرن لأنظمة الطاقة المتجددة ووفائها باحتياجات التنمية المستدامة.

فى كثير من الأحيان تكون شبكات الكهرباء هى الحلقة الضعيفة فى تطوير قطاع الطاقة الكهربائية،

مع الآثار المترتبة على موثوقية وأمن إمدادات الكهرباء. ومن المنتظر يكون النمو فى شبكات النقل والتوزيع الجديدة فى جميع أنحاء العالم حوالى 80 ٪ خلال العقد المقبل، أكثر من التوسع الذى شوهد على مدى السنوات العشر الماضية. ورغم أن هناك تفاوتا فى العديد من البلدان بين الإنفاق المطلوب لشبكات الكهرباء الذكية والرقمية والمرنة، إلا أن شبكات نقل الكهرباء القوية ستلعب دورا رئيسيا فى زيادة الموثوقية فى حالات الربط الكهربى بين الدول.

الشبكات الصغيرة Microgrids هى مثال على تقارب العناصر الثلاثة. حيث يمكن التحكم فى الطاقة من موارد الطاقة الموزعة من خلال تركيب مجموعة منها على شبكة صغيرة. الموارد الموزعة يمكن أن تشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات وخلايا الوقود وأكثر من ذلك. يمكن دمج هذه الموارد لتشكيل شبكة صغيرة، مما يمنح المشتركين القدرة على عزل أنفسهم عن الشبكة الكهربائية الموحدة.

إذا تعطلت شبكة الطاقة الكهربائية الموحدة لأى سبب من الأسباب، تستطيع الشبكات الصغيرة الاستمرارية فى توفير الطاقة الكهربائية وخدمة الجمهور. عند تصميم الشبكات الصغيرة بشكل صحيح، يمكن أن تحافظ على عمل المرافق والمنشآت الهامة، ويمكنها أن توفر طاقة كهربائية فعالة من حيث التكلفة والموثوقية العالية والنظيفة نسبيا. هذه الصفات مهمة للغاية للمرافق التى يجب أن تعمل على مدار الساعة، مثل المستشفيات ومراكز الاتصالات والمعلومات والمطارات والمصانع ووحدات معالجة مياه الصرف الصحى، وخلافه.

مستقبل الطاقة الآمن والمستدام لدينا هو خيار للمستهلكين والمستثمرين والصناعات، ولكن الأهم من ذلك كله، للحكومات.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد