مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

لغط حول انهيار أسعار البترول الصخري الأمريكي فى زمن كورونا

3

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

فيروس كورونا دمر اقتصاد العالم، حيث انتشر الوباء بسرعة جدا مثل انتشار النار فى الهشيم. ونتيجة تفشى وباء كورونا فى أكثر من 184 دولة، انخفض الطلب على البترول بنسبة 30%، فقد كانت الدول المنتجة للبترول تنتج 100 مليون برميل يوميا، وأصبحت بعد كورونا تنتج 70 مليون برميل. هذا الانخفاض جاء نتيجة توقف معظم الشركات والمصانع، وتوقف حركة الطيران العالمية، وتعطل التجارة العالمية بنسبة كبيرة، والتوقف الشبه كامل للحياة.

البترول الخام التقليدى يتم استخراجه من باطن الأرض، فهو متواجد فى صخور حبيباتها خشنة نسبيا وقابلة للاختراق، وكذا فى الصخور الرسوبية المسامية مثل الحجر الرملى والحجر الجيرى. ووقوع البترول تحت الضغط الطبيعى لطبقات الأرض، يدفعه إلى الخروج من باطن الأرض، وكذا من خلال الآبار التي يتم حفرها رأسيا. وفى حالة وجود مشاكل تمنع خروج البترول تستخدم بعض التقنيات مثل سحب وضخ البترول من الآبار أوتوماتيكياً.

أما البترول الصخرى، هو بترول خام تقليدى، ولكنه محاصر داخل تكوينات أو تشكيلات صخرية رسوبية ذات مسامية ونفاذية منخفضة للغاية، والبترول -بالقطع- لا يكون قادراً على الهجرة ويظل حبيس هذه التشكيلات الصخرية، كما أنه لا يمكن أن يتدفق إلى السطح بسهولة، مما يجعل من الصعب استخراجه بالطرق التقليدية. واستخراج البترول الصخرى يتطلب استخدام تقنيات غير تقليدية، حيث تستخدم تقنيات حفر حديثة ومعقدة وباهظة الثمن، لم تكن مستخدمة من قبل، مثل التكسير الهيدروليكى والحفر الأفقى، وقد تكون هناك حاجة لاستخدام مواد كيميائية لإضفاء مزيد من السيولة للبترول في حالة البترول عالى اللزوجة.

ولاستخراج هذا البترول يجب تكسير التكوينات الصخرية التى تحتوى على طبقات البترول. ولذلك، تقوم شركات البترول بحفر بئر فى أماكن تواجد البترول الصخرى، وذلك بالحفر العمودى على سطح الأرض فى الطبقات الصخرية، وبعد حفر البئر العمودى، ينحرفون بزاوية 90 درجة، ويتم الحفر أفقياً.

هذه التكنولوجيا تسمى “الحفر الأفقى والتكسير الهيدروليكى”. تسمح هذه التكنولوجيا بالوصول إلى 3000 متر من صخر الخزان أفقيا، ثم يتم ضخ دفعات من الماء والرمال والمواد الكيميائية تحت ضغط عالى، لكسر الصخور التى تختزن البترول، ويتم تحرير البترول وينطلق ويتجمع ويتسرب إلى البئر.

هناك نوعان من البترول الخام، هما علامات مرجعية لأسعار البترول الأخرى، بترول غرب تكساس الوسيط وبترول برنت بحر الشمال. يأتى بترول غرب تكساس الوسيط من أمريكا وهو المعيار لأسعار البترول الأمريكية. ويأتى بترول برنت بحر الشمال من شمال غرب أوروبا، وهو المعيار لأسعار البترول العالمية.

البترول الصخرى الأمريكى أحدث طفرة فى إنتاج البترول الخام الأمريكى. ونتيجة لذلك، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للبترول الخام فى العالم. وقد رفع إنتاج البترول الأمريكى من 8.8 مليون برميل يومياً فى 2014 إلى مستوى قياسى 12.2 مليون برميل يومياً فى 2019. وفى نهاية عام 2019  بلغ الإنتاج الأمريكى من البترول إلى ما يقرب من 13 مليون برميل – وهى السنة الثالثة من الزيادات التي سمحت للولايات المتحدة، بمفردها، بتلبية إجمالى الاحتياجات السنوية الإضافية من البترول للاقتصاد العالمى الآخذ فى التوسع.

نتيجة انخفاض الطلب على البترول بسبب تفشى وباء كورونا فى دول العالم، فإنه من المتوقع أن ينخفض الإنتاج ​​إلى 11 مليون برميل فى اليوم بحلول عام 2021. وسيكون ذلك بمثابة ضربة قوية لصناعة البترول الأمريكية، التى أعلن عنها ترامب في خطاب حالة الاتحاد فى يناير 2020، بأن تكون أمريكا “مستقلة فى الطاقة”. ومن المتوقع أن تعود الولايات المتحدة إلى كونها مستورداً للبترول الخام والمنتجات البترولية فى الربع الثالث من عام 2020.

قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

فترة ازدهار البترول الصخرى فى أمريكا كانت من عام 2011 إلى عام 2014. وذلك بسبب أن متوسط أسعار البترول كانت أعلى من 90 دولاراً، وكان ذلك كافيا للسماح باستكشاف وإنتاج البترول الصخرى وبأن يكون مربحاً. كما أن أسعار الفائدة المنخفضة فى البنوك ولحملة الأسهم الخاصة أعطت حافزاً قوياً لإقراض شركات البترول، حيث بلغ إجمالى القروض فى عام 2014 حوالى 250 مليار دولار.

كان هناك لغط حول انهيار أسعار البترول الصخرى الأمريكى، ففى يوم الإثنين 20 أبريل 2020، ومع اقتراب انتهاء صلاحية “عقود مايو الآجلة” لبترول غرب تكساس الوسيط، كان التجار فى حالة من الذعر حيث حاولوا تجنب استلام براميل البترول لعدم وجود مشتر وعدم توفر أماكن لتخزين البترول. ونتيجة ذلك فقد شاهد العالم انخفاض أسعار البترول الصخرى الأمريكى للمرة الأولى فى التاريخ، من أعلى مستوى فى يوم التداول السابق عند 18 دولاراً، إلى أدنى مستوى غير مسبوق وهو بالسالب 37.63 دولاراً، بمعنى أنك تأخذ البترول وتأخذ مكافأة فى المقابل، وهى مقابل مادى مقداره 37.63 دولار على كل برميل. جاء الانهيار المفاجئ لعدم وجود أماكن لتخزين البترول فى أماكن مثل مدينة كوشينج، فى ولاية أوكلاهوما، حيث يتم تحديد أسعار خام بترول غرب تكساس الوسيط.

عقود البترول الآجلة، هى أحد طرق الشراء فى سوق البترول، يقوم بها المضاربون لتحقيق مكاسب كبيرة، وتعتمد على انتهاز فرصة انخفاض سعر البترول، فى زمن ما وشراء كميات منه، على أن يتم استلامها فى تاريخ لاحق، تحسباً لارتفاع سعر البترول فى هذا التاريخ، وذلك اعتمادا على حسابات ودراسات دقيقة يقوم بها متخصصون.

لكن مع انخفاض الطلب على البترول نتيجة انتشار وباء كورونا الغير متوقع، فإن ما حدث  من انهيار عقود تسليم شهر مايو، كان نتيجة امتلاء المخازن فى أمريكا. وبذلك فالمضارب لن يستطيع بيع البترول، لعدم وجود مشتر، وكذا لن يستطيع استلام البترول وتخزينه، لعدم وجود أماكن متاحة لتخزينه.

اللغط حول هذه العملية، كان على عقود بترول آجلة لشهر مايو فقط، وللبترول الصخرى لغرب تكساس الوسيط. وهبوط الأسعار إلى سالب 37.63 دولار للبرميل، سببت خسارة للمضاربين، لكنها لم تؤثر على أسعار عقود البترول الآجلة لشهر يونيو ولنفس البترول “غرب تكساس الوسيط”، والمحدد لها 22 دولار للبرميل.

إذا استمرت ظروف تخزين البترول  فى أمريكا على ماهى عليه، نتيجة تراجع الطلب على البترول جراء أزمة وباء كورونا، والتى أدت إلى امتلاء مستودعات التخزين والتكرير، فهذه الانتكاسة فى أسعار بترول غرب تكساس الوسيط، ممكن أن تتكرر مرة أخرى فى عقود شهر يونيو عندما يقترب موعد انتهاء صلاحية العقود.

اسعار البترول فى 30 ديسمبر 2019 كانت 64 دولار للبرميل، ونتيجة انتشار وباء كورونا انهارت اسعار البترول، ووصل سعر البرميل إلى 36 دولار يوم 6 مارس 2020. وارتفاع أسعار البترول لأكثر من 60 دولار للبرميل هى فى صالح شركات البترول الصخرى الأمريكى، وهى فرصة مواتية لهذه الشركات فى التوسع.

التوقعات لأسعار البترول الخام عام 2020 وعام 2021، تقول أن متوسط أسعار البترول الخام فى جميع أنحاء العالم ستبلغ 33 دولاراً للبرميل فى عام 2020، و46 دولاراً للبرميل فى عام 2021. وذلك ووفقاً لتوقعات الطاقة قصيرة المدى من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، والتى توقعت أن أسعار البترول ستبلغ 23 دولاراً للبرميل فى الربع الثانى من عام 2020، لكنها ستزيد إلى 30 دولاراً للبرميل فى النصف الثانى من العام. مع ملاحظة أن متوسط  سعر برميل البترول فى 2019، كان 64 دولاراً.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد