مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قصة قصيرة ..”الحارس والكرة “

4

بقلم – عبد السادة جبار:

قد يهمك ايضاً:

مهرجان دبي للكوميديا 2024 يستضيف مجموعة جديدة من نجوم…

تعاون استثنائي بين “دو” و”شاهد”…

تمكن الجندي المسلح باسلحة حديثة متنوعة اختراق حاجز الاسلاك المكهربة..اذ كان يمتلك مجسات الكترونية حديثة تمكنه من تجاوز عقبات العدو المزروعة ..كما انه مجهز بناظور ليلي يتمكن ان يرى من خلاله ابعد نقطة.. لم اتعرف على جنسيته ولا على الارض التي تدور فيها المعارك ..حرائق مخازن ومصفحات مدمرة مقلوبة وبنايات مهدمة ..فجاة يلمح الجندي عبر منظاره حارسا يحمل سلاحه ويقف بجانب خزانات للزيت..يطلق الجندي رصاصة واحدة من بعد نراها تمضي ببطء كانها صاروخ صغير تصل الى الحارس تخترق خوذته وتهشم جمجمته ويسقط فاغرا فاه مضرجا بدمه..رايت وجهه وهو ينازع ..ثم اختفى ليبدا الجندي المهاجم بالتقدم..لكن انقطاع التيار الكهربائي الغى الصورة من التلفاز واوقف تلك اللعبة التي كان يحبذها ولدي الاصغر ” عادل” ..بعد اعادة التيار الكهربائي اعاد ولدي مهزلة قتل الحارس وبالطريقة نفسها لينتقل الى مرحلة اخرى ويقتل اخرين ..في الليل رأيت هذا الحارس في منامي يحدق بي بحزن وعتاب..
– اوقف ياعادل هذه اللعبة يزعجني ضجيجها.
– كدت اكمل المرحلة ..لاصل الى المخبأ يا ابي.
– لتقتل المزيد..؟ دع الامر لوقت آخر..
بعد يومين عاد الحارس مرتديا لباس البحر يحمل بيده كرة وبجانبه ولده بعمر عادل.
نظر الي بابتسامة عريضة ودعاني بيده لالعب معه ..اعتذرت منه متذرعا باني ساحضر مأتما .ودعني واحتضن ولده الصغير متجها نحو البحر ..بقيت اتاملهما وهما يلعبان بالكرة ..وسالت نفسي ..اين زوجته..؟
قلت لعادل بعد القيلولة وهو منشغل باللعب
– لم لا نلعب معا بالكرة بدلا من هذه اللعبة ؟
– رمى من يده ذراع الجهاز ونهض مسرورا
– نعم لدي كرة ..لنلعب بالمتنزه المجاور..
ارتدى ملابسه الرياضية واحتضن كرته وامسك بيدي وسار مسرعا يقودني إلى الساحة القريبه . اجتمعت الالوان والارقام حولي ،سيقان واذرع نحيفة وبدينة وعيون تتطلع لي فاصبحنا فريقين ..الكبار يتفرجون تحدوهم رغبة عاصفة للاشتراك..حين عدنا الى البيت لم يقترب عادل من جهاز اللعب بل انشغل يحكي لامه ولاخيه الكبير تفاصيل الاهداف التي حققها فريقه ..امضى عادل ليلته يخطط لغد..اما انا فكنت منشغلا بابتسامة الحارس في لقطة قريبة جدا ..في اليوم الثاني انشغل عادل بترتيب اللعب مع فريقه..وكيف يخططون لفوز ساحق على الفريق الآخر ..بعض الاولاد لم تمنعهم الظهيرة القائضة من اللعب تحت سخونة شمس حزيران ..هل كنت سببا في تحريك شهوة اللعب ؟ ..
ارتدى عادل ملابسه الرياضية مبكرا وتناول وجبة الغداء بلا شهية ..وظل يتامل عقارب الساعة ليحين موعد يقظتي من قيلولتي ..الا ان الحارس كان ينتظرني هذه المرة مع زوجته ..لم ار ولده .. يرتديان الابيض ويجلسان في باب المنتزه المغلق.. لم يسمحا لاحد بالدخول ..صحت به
– افتح الباب ..نريد ان نلعب ,,
لم يجبني.. ابتسم بوجهي وهز راسه رافضا .. ازعج رفضه عادل واخرج من جيبه ذراع اللعب ليطلق عليه تلك الرصاصة ..الا ان الحارس كان حذرا صدها بكفه ..حاول عادل مرة اخرى ..لكن عبارة (Game over )كانت اسرع من رصاصته..اسودت الشاشة تماما ..وايقظتني يد عادل
– استيقظ يا ابي الفريق ينتظرنا ..
مضيت معه صاغرا..كان عادل يجر جسدي الذي لم يزل مخدرا ..رايت عن بعد ان المنتزه قد امتلأ بالالوان والارقام والمتفرجين
– ارايت يا ابي ..لقد تاخرنا ..لن نجد مكانا ..المتنزه ممتليء
لماذا اغلق الحارس باب المتنزه ..؟مالذي تفعله زوجته معه ؟..لماذا يرتديان الابيض ..اين ابنهما ؟..لماذا..؟
في لحظة لا اعرف كيف اتت سقط عادل على الارض قبل يهزني صوت لم اسمعه ولم اتخيله طوال حياتي ..رايت الاشجار تطير في الفضاء وهي تحمل قمصان الاولاد وبعض اذرعهم او اقدامهم.. كتلة سوداء بقلب من نار تتوالد اعلى المتنزه ..يندفع. من رحمها وحش بلا ملامح يمضي لالتهام البيوت القريبة ..لم اتحرك من مكاني سقطت فوق عادل كخيمة تهاوت فجاة فوق الرصيف ..كل الموجودات الحية وغير الحية كانت تركض باتجاهات متعددة.. اولاد..رجال ..نساء ..قطط . فئران ..طيور .اغصان اشجار علب بلاستيكية .بعضهم محترق ويركض ..رايت مشهدا للرعب ..والخراب لم ار نظيرا له حتى في الافلام الامريكية ..حملت عادل وركضت الى البيت بساقين لم اشعربهما الا ان امه تلقفته مني ومضت به الى الطابق الثاني.. عدت راكضا الى المتنزه دون ان اعرف مالذي سافعله .. داهمت الكتل المتراكمة لابحث عن الاجساد الغضة ..لم اصغ لاوامر المنع والنهي ..ثم جلست حافيا على الرصيف ..انتهى كل شيء. انجز الوحش مهمته ومضى .
في الليل كان الحارس وزوجته يقفان امام القبور التي دفنت فيها الضحايا في المتنزه ..ووضعت عليها صور الاولاد وارقام القمصان الملونة وكرات اللعب ..كان من بين تلك الصور صورة ولده وهو يحتضن الكرة ..بدا لي ان المنتزه هو ذات المكان الذي صمم في تلك اللعبة ..وقد استبدلت خزانات الزيت بقبور الضحايا..قادني الحارس من يدي واخرجني من المكان .
حضرت مجالس المآتم على مضض اذ ان بعض وجوه ذوي الضحايا كانت تنظر لي بشكِ واتهام ..ما شغلني ان الحارس قد اختفى تماما ..وان عادل لم يشغل تلك اللعبة..اشترى العابا جديدة .. العابا ليس فيها حراس او جنود..بل وحوش من نوع آخر..

 

اترك رد