تحليل- د.صبري زمزم:
عنوان الديوان مثير للشجن فإذا كان العنوان “غيمة من شجن” فإن الغيمة لا ينتظر منها إلا أن تمطر حزنا وأسى يشجينا وبيكينا، وهو ما حدث فى القصائد الأولى من الديوان حيث كانت معبرة عن فجيعتها فى عزيزة لديها، بعد معاناة طويلة مع المرض والألم، فبكت عليها وأبكتنا معها فى أكثر من قصيدة، استعرضت من خلالها بعض مشاهد تنم عن الآلام والمعاناة التى كانت تعيشها بين كرسى متحرك وطبيب نفسي وأدوية مرة، وما جمعها بها من ذكريات ثم تعيش آلام الفقد و مغالبة مشاعرها بالحزن ومحاولة التجلد بالصبر واحتساب الفقيدة عند الله، وبقدر ما أبكتنا فى القصائد الأولى بقدر ما شفت صدورنا في قصيدة “على حافة الكوثر”، حين تخيلت فقيدتها تنعم بجنات ربها على ضفاف نهر الكوثر جزاء وفاقا لصبرها على الآلام والمرض المزمن الذى أصابها والعجز عن التنعم فى الدنيا فكان هذا الجزاء خير تعويض لها وخير عاقبة لرحلة الأحزان، فكانت هذه القصيدة بمثابة منديل كفكف دموعها على فقيدتها، وكفكف دموعنا أيضا على من فقدناهم من أقرب الناس إلينا بعد أن أججت حزننا عليهم من خلال قصائدها الافتتاحية.
تقول في قصيدة
* على حافة الكوثر
عاد الربيع
يا بهجة الورد الندي
وشهر كريم بفضله
بنوره علي الكون هل
فهل تعرفين ؟
أراك بوجدان قلبي الشجي
تختالين بالسندس النوري
علي حافة الكوثر
تنثرين عبيرك الفضي
يظل سناك
عطر الملائكة
همس التسابيح
وجني الجنة بين يديك
هنيئا لك
هل تعلمين ؟
غدت الليالي باردة
بلا دفء صوتك
مازلت أمكث في قوقعة الصبر
أصبح فؤادي يتيما فارغا
يناديك يامنية الروح
صبحا وليلا
هل تسمعين ؟
يقولون ان العيد اقترب
كيف بدونك يضيء الهلال
تصفو الحياة ينأي التعب
لكن لا عليك أطمئني
الآن صرت أقوي
أسمع أغنية ( البنات )
أردد مع صوت منير
لا أنفطر
تداهمني لحظات انكسارك
أراني قليلا ما أبتئس
تدميني الذكريات بقسوة
لا تهزني ولا محض يأس
المعني التحمل
أعيش أختبارا مريرا
أرسم فوق وجهي ابتسامة زيف
تراها العيون فرح وبشر
*وما إن فرغت من رثاء ابنتها واحتسبتها عند الله في جنات النعيم حتى ترثى ذكرى صديقتها صباح السعيد، فتوحي لنا أن غيمة الشجن ستخيم على قصائد الديوان وأن الرثاء هو موضوع الديوان كله، خصوصا مع رثاء زملاء وأصدقاء رحلوا في قصيدة الدائرة، ولكن بمطالعة بقية القصائد نكتشف انتقالها إلى أغراض أخرى فانتقلت إلى الرومانسية، و بالبرغم من ذلك ظلت غيمة الشجن تهيمن على القصائد، فكانت رومانسية
مغلفة بغلالة من حزن وأسى، من خلال معانى الحب المحفوف بأمراض العشق من صبابة وفراق واشتياق ومعاناة الهجر والخداع والغدر، فأضفت على الرومانسية عمقا إنسانيا جعلنا نتعاطف مع الشاعرة من أول قصيدة حتى آخر قصيدة .
*اختارت الشاعرة الشعر الحر أو شعر التفعيلة وسيلة للتعبير عن مشاعرها وآلامها وآمالها و معاناتها وتسليمها بإرادة الله متحررة من ربقة القافية وقيودها فجاءت جملها انسيابية متنوعة بين الطول والقصر مفعمة بالمشاعر فأصابت أهدافها من خلال قلوبنا التي أوجعها الشحن بقدر ما أمتعها فكان الديوان في مجمله مزيجا من المتعة والألم وحسبه هذا ليكون ديوانا ناجحا.
ولكن وآه من لكن .. وقع الديوان فى كثير من الأخطاء اللغوية التى أفسدت هذه المتعة ، فلم تقتصر على الأخطاء الإملائية التي يعزى سببها إلى المراجعة أو المطبعة، ولكن أكثر ما آلمنى هو الأخطاء النحوية المتكررة خصوصا فى الأفعال المجزومة لم تحذف منها حروف العلة، فبقيت الحروف التي أصابت الشعر بالاعتلال ، فأهم شروط صحة الشعر صحة اللغة، فإذا كانت هناك ضرورة شعرية، فانها غير مقبولة إذا تكررت كثيرا فالقليل منها مقبول والكثير منها يفسد الشعر.
*هناك فى قصيدة (الدائرة )
استخدام لألفاظ مقتبسة بعناية من القرآن الكريم تم توظيفها لخدمة القصيدة فتقول فيها :
فصاحباتى اللاتى
فتحت قلبى لهن نوافذ
قد أغلقتها عمدا
ولم أستطع لها نقبا. .
قطعن أيديهن
من أجل مشاعر صدئة
وكل الذين أشعلت لهم
مصابيح روحي
رأوا قلبي
يريد أن ينقض
ففروا هزوا
فكلمات لم أستطع لها نقبا، قطعن أيديهن، يريد أن ينقض، هزوا
ألفاظ قرآنية رصعت بها نظم كلماتها في القصيدة وتكررت هذه الظاهرة في أكثر من قصيدة مما ينم عن ثقافة الشاعرة الإسلامية وروحها الدينية.
*يتميز الديوان بلغة سهلة بسيطة أقرب إلى السهل الممتنع، عبرت عن مشاعر الشاعرة كأم رءوم ترثي بنتها الفقيدة، وتعتز بابنها الذي يمثل لها شعاع الأمل النادر، وتدعو له دعوات أم يرفرف قلبها طمعا وخوفا ثم نجدها
كصديقة مخلصة، وكحبيبة تعاني الحب بورده وأشواكه، فعبرت عن الحنين والشوق والشك والغيرة والغدر، في صور شعرية متكاملة العناصر ضفرت فيها الشاعرة أمل عامر الصوت بالصورة باللون بالحركة بالرائحة أيضا، وسبكت نسيجا من الحداثة باستخدام كلمات مستحدثة مثل البيتزا والماريونيت والنسكافيه والإيميل، فأضفت روحا عصرية على الشعر.
التعليقات مغلقة.