مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حتى تصبح المحنة منحة

4

كتب د. أحمد عيسى :

عزيزى القارئ أعود إليك من جديد وكلى أمل فى أن يسعى كل منا لتحويل المحنة إلى منحة .
ولكن هل يمكن فعلا تحقيق ذلك ؟
بالطبع يمكن تحقيق ذلك ، وينبغى أن نحدث أنفسنا بذلك ، لأن الله تعالى عند ظن العبد به ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ،
ولكن لن تتحول المحنة إلى منحة فقط بإحسان الظن والتمنى ، فإن ذلك لا يقول به عاقل .
إن الأمنيات وحدها والظن الحسن ونحن مكتوفى الأيدى ممصمصى الشفاة لن تغنى ولن تسمن من جوع مالم يتبعها عمل جاد واعى بخطوات مدروسة .
لن تتحول المحنة إلى منحة ونحن جالسون جلسة المغلوبين على أمرهم ، وهذا ما دعانى للتأمل والتفكير العميق ، فقمت بكتابة محنة ومنحة فى ورقة ووضعتها أمامى وتأملتها طويلا حتى خرجت بأربعة شروط ينبغى إتباعها ممن أراد تحويل أى محنة ألمت به إلى منحة .
وهذه الشروط الأربعة هى :
1-    مراجعة دقيقة:  لكل الإجراءات والأسباب التى قدمت لهذه المحنة من وجهة نظرك ، وتدبر معى قول الحق تعالى (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) سورة السجدة أية 21 ،وكما قال بن عباس ، نذيقنهم من مصائب الدنيا ، لعلهم يرجعون أى يتوبون ، والتوبة فى حد ذاتها لا تتم إلا بمراجعة العبد لنفسه عن فترته السابقة وما قد يكون أرتكبه من أسباب كانت مقدمات لما حل به من بلاء .
قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

2-    ندم على أى تقصير : يعتبر هذا الشرط متمم ومؤكد للشرط الأول ، إذا أن المراجعة وحدها دون الشعور بالندم ، لا يمكن أن تحجز الشخص عن تكرار ما أقترفته يداه من قبل ، فلذلك تجد الندم بمثابة الحاجز الفولاذى الذى يقوم الشخص ببناءه بينه وبين الأسباب التى دفعته للتقصير فيما مضى ، وبدون الندم فإن القلب يظل متأرجحا بين الصواب والخطأ ويحوم حول الخطأ ويوشك أن يقع فيه مرات ومرات .
3-    حلول جذرية : بعد المراجعة والندم ، ينبغى على الشخص أن يخرج بحلول جذرية تجعله يتعافى سريعا من كبوته ، إذ أنه لا قيمة للمراجعة مالم يخرج الشخص بحلول جذرية تحول بينه وبين الوقوع فى أخطاءه السابقة ، وكلمة حلول هنا مقصودة ، إذ أنه ينبغى على الشخص أن يخرج بثلاثة حلول على الأقل تكون سببا للخروج من محنته معافى ، إذ أن المحنة التى ليس لها إلا حل واحد فهى محنة عقيمة كما ذكر علماء الإدارة .
4-    تضرع إلى الله : الشرط الرابع والأخير حتى تحول محنتك إلى منحة هو التضرع إلى الله حتى يجبر كسرك ، لأنه بدون دعم الله لك لن تنجح أى حلول جذرية ، وفى إفتقار الشخص لربه قوة وعزة تحول بينه وبين العجب الذى لا يصيب شخص إلا وهلك ، وهنا يحضرنى حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه (ثلاث مهلكات ، شح مطاع وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ) ، ففى التضرع إلى الله وقاية للشخص من الوقوع فى مهلكة العجب بالنفس وبتلك الحلول التى إبتكرها الشخص ليخرج من محنته ، وبدون التضرع قد يخرج الشخص من محنته ، ولكن سيخرج منها إلى مهلكته العجب بالنفس ، فما هى إلا فترة وجيزة وسيخسف به الأرض ، وهل كانت مهلكة قارون إلا لحظة عجب بالنفس !
وبهذه الشروط الأربعة يمكن للشخص أن يحول محنته إلى منحة ، والمدهش أنك لو أخذت الحرف الأول من كل شرط ستكتشف الأتى ، الشرط الأول بدأ بحرف (م) فى كلمة مراجعة ، والشرط الثانى بدأ بحرف (ن)  فى كلمة ندم ، والشرط الثالث بدأ بحرف (ح)  فى كلمة حلول ، والشرط الرابع بدأ بحرف (ت)  فى كلمة تضرع ، وفى ترتيبها ستجدها كونت كلمة (منحة ) ، وكأن كلمة منحة قد أفشت لنا أسرارها وحوت بين طياتها مفاتيح الفرج .
وإلى اللقاء فى مقال قادم إن شاء الله فى ظل منحة بعد محنة.
اترك رد