مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انور ابو الخير يكتب: المتاجرون بالوطنية

 

قد يهمك ايضاً:

منصة إلكترونية لمكافحة الاحتيال والنصب على السياح في المغرب…

الغدر الذي يدمر أسرة

حين تسرق الأوطان تصبح مزرعة للصوص والإرهابيين ويزداد الغني غنى والفقير فقرا ويوقر السفيه ويسفه الشريف ويرتفع المفسد ويهان الكريم ويحتقر المعلم والمتعلم ويهان العلم ويعلو شأن الجاهل والبلطجي وأرباب السجون ويقرب المنافق ويكافأ المسيء ويتسلط الوضيع وتقمع النوايا وتخترق القوانين ويصبح الفساد عرفا والسرقة فنا والمفسدون جزءا من الوطن وتصبح الرشوة مصدرا للرزق ويكون الحرام حلالا والحلال حراما وهنا تضيع الأوطان وحين تسرق العقول وتهمش الكفاءات وتداس الكرامات وتتحول الثورة إلى ثروة ويتحول الوطن إلى سجن كبير والمنادي بالحرية مارقا والحر عبدا في وطنه والمجرم طليقا والسجان مسجونا ويكون المشعوذون أكثر من الحكماء والدهماء منظرون وكل من أطلق لحيته إماما وقدوة وكل فاجر بطلا وكل مصلح خائنا وعميلا وحين يصبح الوطن مستباحا وخزائنه منهوبة تضيع الأوطان وحين يصبح البلطجي وخريجي السجون والموظف الفقير ثريا بين يوم وليلة تصاغ القوانين لخدمة المتنفذين ويتحكم التجار في لقمة الفقراء وتصبح ثروات الوطن بأيدي اللصوص ويتحول الدين إلى سلعة والمذهبية شعارا والغريب مقربا والمواطن مطاردا والمثقف متهما والصحافة سخافة والإعلام مضللا وحين ترتفع راية الباطل ويصبح الاحتيال شطارة والنفاق طهارة وعند ذلك تضيع الحقوق وتسقط الأوطان
وهؤلاء اللصوص رغم نذالتهم وفحش مبادئهم لكننا بسببهم تعلمنا أن الثقة المطلقة بالبشر بلاهة وأن المجاهرة بالأحلام حماقة لذلك عندما تواجههم أمامك حلان إما أن تتهيأ وتحشد شجاعتك وتسن نصل جسارتك وتمتزج بالصبر لتعيد مكانك إلى غمدك أو أن تختار الهروب لتصوغ بداية جديدة هذه البداية تحتاج أن تكون صنديدا وأن تؤمن أن الهمم تخمد الهزائم عليك أن تآلف لغة اللامبالاة وأن تروض إحساس الفقد الذي سيعتلي أوقاتك استقوي باليقين بأنك ستظفر بمكان باهر ولا تفقد شهية رسم علاقات جديدة ولا تمارس التشكي لأنه من شيم الخائرين ولا تكترث بجعجعة الشامتين وتعلم فن حسن اختيار المحيطين بك واحرص أن لا ترشد لصوص الأوطان على عنوان مكانك الجديد ولكن  لصوص الزمن الحاضر لا يهدفون من وراء هذه العبارة إلى إبعاد الشبهة عنهم كما كانوا في زمن محفوظ وإنما هم على قناعة بأن موهبتهم في السرقة هي هبة من الله وهذه هي المصيبة الأعظم
ولا يقف الأمر عند أولئك ممن ارتكبوا جرائم اقتصادية في حق الشعب يحملون صفة رجل أعمال وهم في الواقع سماسرة وبلطجية وأرباب سجون استولوا على أموال الشعب فقد برز كماً هائلاً من الشخصيات الهلامية والكرتونية إذا صح التعبير في الساحة وطفت على السطح وتصدرت المشهد من الجنوب إلي الشمال ومن الشرق إلي الغرب بل ووصلت إلى مراكز قيادية مسطرين تاريخ لأنفسهم بالدراما الوطنية الكاذبة التي نراهم يمثلونها أمام عدسات كاميرات الإعلام ونجاحهم في استقطاب تعاطف الرأي العام أحياناً لم يأت إلا من باب الفراغ الذي تركه تقصيرنا بحق أولئك الذين سطروا تاريخهم من زهرات أعمارهم ودمائهم وصمودهم الأسطوري في ساحات النزال المختلفة وأولئك يمثلون صنفاً جديداً من أصناف اللصوص الذين يسرقون صورة البطل والوطني الحقيقي من مخيلة العامة
ولعل أولئك هم أخطر أنواع اللصوص علي الوطن إلا أن لصوص الفكر ومدعي الدين هم  أشدهم كفراً فهم يعملون على الوصول إلى غايتهم من خلال الدين كوسيلة فيفسرونه بحسب أهوائهم ورغباتهم ويسرقون عقول العامة والجماهير ليضعونها في أماكن ونواحي أخرى نتاجها دمار المجتمعات وهلاكها الحتمي
إن لصوص هذا الزمان ينامون الليل الطويل وهم يقنعون أنفسهم بحجج تجعل ضمائرهم مرتاحة فيخاطب الواحد فيهم نفسه بقوله “أنا لست لصاً أنا شخص عادي جداً أقوم بما يقوم به الجميع وكل هذا مرده إلى تحول مفهوم القائد العظيم في زماننا هذا ليصبح هو ذاك من يخلق حوله أتباعاً وليس قادة وهكذا أصبحت اللصوصية نهجاً قويماً في هذا الزمان وهناك مثقفين من أتباع هذا النهج الذين لا يفصلون بين التكريم والتدجين فأصبحوا لصوصاً للثقافة يمتدحون السلطة ويكررون ما تقوله في قالب ثقافي دون الانغماس في مشاكل المجتمع ومعضلات الجماهير وهناك ضباط أمن أيضاً ينظرون إلى جثث ال المغدورين على أيدي مجهولين ويقولون لو ظللنا نبحث طوال حياتنا فلن يمكننا من القبض على من فعل ذلك فهم في ذمة الله
هؤلاء لصوص الثقافة والعدالة ينامون بضمير مرتاح وهم يرددون لأنفسهم في نهاية المطاف ستأتي الأشياء من تلقاء نفسها دون أي جهد
وإن صاحب الأداء الحكومي السيء لهو لص وصاحب الاختيارات الخاطئة للمؤديين السيئين هو لص أيضاً ولن يندثر نهج اللصوصية إلا عندما تقتنع المنظومة السلطوية بنجاعة منهج تغيير العقول لا الوجوه
وبعد تصحيح هذا المسار فقط يمكن خلق جيل متجدد وتحولات جذرية ونناقش آليات حماية المجتمع من الفساد والجريمة وغيرها من الآفات وإذا تعذر ذلك يبقى الأمل

التعليقات مغلقة.