الدنيا ساعة فاجعلها طاعة
بقلم: د. هند المتولي إبراهيم
هناك دراسة إحصائية عن عمر الإنسان وكيف يقضيه افترضت الدراسة أن متوسط عمر الإنسان 60 سنة تقريبًا وسوف تكون على النحو التالي: 6 سنوات من الطفولة، 4 سنوات من الدراسة المدرسية والجامعية على اعتبار أنه يقضي 6 ساعات في اليوم في الدراسة، 20 سنة من عمر الإنسان يقضيها في النوم على اعتبار أنه يقضي 8 ساعات نوم يوميًا أي ثلث عمره يقضيه وهو نائم، كما يقضي 16 سنة من عمره في العمل باعتباره يقضي 8 ساعات يوميًا في العمل (بإهمال سنوات الطفولة والمدرسة)، ولو قضى الإنسان ساعة من يومه في مشاهدة التلفزيون معنى ذلك أنه يقضي سنتين من عمره في المشاهدة المستمرة، ولو جلس على الانترنت ساعة واحدة يوميًا معنى ذلك أنه يقضي سنتين متواصلين من عمره على الانترنت، هذا بالإضافة إلى الوقت الذي يقضيه في المواصلات وزيارة الأهل والترفيه….وعندما نأتي للعبادة التي خُلق الإنسان من أجلها كما قال الله سبحانه وتعالى: ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ” الذاريات:56 . نجد أن أداء الصلوات الخمس لا يتجاوز الساعة في اليوم، مما يعني أن الإنسان يقضي حوالي سنتين من عمره في العبادات. في النهاية يتبين أن الإنسان يقضي 58 سنة من عمره في مشاغل الحياة وسنتين فقط في العبادة فكيف لنا أن نطبق مفهوم الآية ؟ يكون ذلك بالنية وتحويل العادات إلى عبادات. كل واحد منا ينام ويأكل ويشرب ويعمل ويلهو نستطيع بالنية أن نحول عمرنا كله في عبادة وطاعة الله كما قال تعالى: ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” الأنعام:162. فكيف يكون نومي عبادة ؟ نتوضأ قبل النوم، وننوي القيام لصلاة الفجر، وننوي قبل النوم أن يكون نومنا هذا حتى نتقوى على عبادة الله وعلى العمل ، كما كان يقول سيدنا معاذ رضى الله عنه: ” إني لأحتسب نومي كما أحتسب قومتي ” ، وكيف يكون الذهاب إلى الدراسة عبادة؟ أن ننوى التعلم كما أمرنا الله في كتابه العزيز: ” وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ” طه:114 ، ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ” المجادلة:11 ، ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ” الزمر:9 ، كما أن تناول الطعام نُؤجر عليه عندما لا نأكل من حرام بل نحرص على الحلال ، ونذكر اسم الله قبل الأكل ، ونحمد الله على ما رزقنا من طعام أو شراب وننوي بالطعام والشراب التقوي على عبادة الله سبحانه وتعالى. وكيف يكون العمل عبادة؟ عندما يكون العمل مباحًا، وألا يُشغلنا هذا العمل عن أداء الفرائض والواجبات، وأن ننوي بهذا العمل كسب المال الحلال لكي ننفق على أنفسنا وأهلنا وحتى نكون عونًا للمحتاجين، وأن ننوي بهذا العمل رفعة الوطن وتقدمه. كما أن النفقة على الأولاد تكون عبادة كما قال النبي صل الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: ” إنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله عز وجل إلا أُجرت بها حتى ما تجعل في فم امرأتك “. وكذلك في باقي تصرفاتنا اليومية كارتداء الملابس مثلًا لو نوينا ستر العورة، وأن الله جميل يحب الجمال تكون عبادة وهكذا..
وفي النهاية نجد أن العبادة يمكن أن تشمل جميع نواحي الحياة، وبإمكان المسلم أن يُحول حياته كلها إلى عبادة إذا استصحب النية الصالحة في أعماله اليومية بأن يقصد بكل عمل يؤديه وجه الله تعالى فالنية هى المحول العجيب الذي يُحول الأعمال العادية التي تزول بمجرد الانتهاء منها إلى أعمال خالدة باقية.
كما أنه من فضل الله علينا وتوسعته علينا حتى نُدرك من الأجور الكثير بلا مشقة وتعب أنه شرع لنا عبادات متنوعة فهناك ذكر الله بالتسبيح والتهليل وقراءة القرآن والصلوات والنوافل والصدقات والصيام والحج والعمرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الأرحام.. وكما قال تعالى: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ” العنكبوت:69
التعليقات مغلقة.