مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتورة عفاف عبد المعطي تكتب عن رسالة الإمام عليّ كرّم الله وجهه وجماليات التّلقّي

15

رسالة الإمام

وجماليات التلقّى

بقلم/ د. عفاف عبد المعطي

لعل ما قدّم  العَالِم الجليل الدكتور أنس الفقى يُعدّ من جماليات التلقى فى شروح وتعليقات لـ ” مفتاح الرشاد فى سياسة العباد والبلاد ” الذى صدر عن مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ، والكتاب شرح لعهد الإمام على بن أبى طالب (رضى الله عنه) إلى مالك بن الحاث الأشتر حينما ولاه مصر، حيث  إن التلقى لمثل هذه الأسفار مهمة ليست سهلة فهى غير مقصورة فقط على مجرد الاستحسان أو الاستهجان، بل هي مهمة البحث والتنقيب وإعمال الفكر، وليس كل متلق يهتدي بفكره إلى وجه الكشف عما اشتملت عليه الصورة من معنى دقيق، بل يتطلب الأمر أن يكون المتلقي قادرا على إدراك العلاقات في مجال الصورة الشارحة لمثل هذا السِفر . فخبرة المتلقي ” ليست مقاييس هندسية حادة، تتعامل مع النص بحسابات جبرية فترفض هذا الشكل لوجود انحراف معين عن زواياه المحددة، أو تقبل غيره لتساوقه مع القياس  بل خبرته وذوقه الجمالي هي وسائل استكشاف لعناصر الجمال في النص”، وهذا ما فعله الدكتور أنس الفقى فى مفتاح الرشاد ، حيث يعد عهد الإمام على بن أبى طالب من أقدم الوثائق السياسية فى الإسلام ، فهو يشتمل على قواعد الإدارة والإصلاح السياسى والاقتصادى ومن ثم يتناول سُبل العلاقة والتواصل بين الحاكم والمحكوم (الشعب) فى ظل مبادىء الإسلام ، وهو عبارة عن وصية مطولة كتبها سيدنا على بن أبى طالب –رضى الله عنه- إلى مالك بن الحارث الأشتر حينما أرسله والياً على مصر .

أهم ما يميز هذا السفر المهم هو الشرح المستوفى الذى ضمته دفتى الكتاب حول المضامين الفكرية الواردة فى عهد الإمام عليّ والتى اشتملت على ثلاثين بنداً تم تقسيمها إلى ثلاثة محاور هى: ما يتعلق بتذكير الوالى أو الحاكم بمقتضيات الإيمان بالله ومن ثم التزام التقوى (تقوى الله تعالى ) فى الحكم وتطهير النفس من شهواتها وأطماعها وإصلاح النيّة وصدق التوجه وإخلاص العمل لله تعالى ، مما يورث مكارم الأخلاق ؛ ثم تحذير هذا الوالى من كل ما يخالف ذلك من الصفات الذميمة كالتكبر والغرور والطمع وما يترتب على ذلك من الظلم والتعدى على حقوق الناس.

ومن جماليات التلقى أيضا فى هذا السفر ومما يَسرّ النفس ويفرحها ويجعلها تتمنى التزام ذلك العهد حتى يسعد الحاكم والمحكوم على قاعدة من الحب والسلام تلك الوصايا الدقيقة المهمة التى يوصى بها الإمام على بن أبى طالب فيما يتعلق بمعاملة الرعية حيث الحرص على كسب مودتهم بالاستماع إليهم ، وعدم الاحتجاب عنهم وحُسن الظن بهم وتلبية مطالبهم المشروعة ، والتزام الشفافية والمصارحة معهم والتخفيف عنهم حتى ولو كان ذلك فى صلاة الجماعة . ثم التغاضى عن عيوب العامة والحرص على سترها وعدم التشهير بأهلها فضلا عن عدم الاسراع فى الانتقام والتروى قبل اتخاذ قرار العقوبة ، ثم عدم التفاخر بها إذا تم إقرارها ، والاهم عدم الندم على إسداء المعروف، لذلك فمن الضرورى بالنسبة للحاكم الاستبصار بطبيعة الرعية وتقدير رأيهم فى الحاكم وربط ذلك بتوفيق الله فضلا عن التحذير من الآثام التى يندرج أولها فى مخالفة شرع الله، ثم الترغيب فى العمل الصالح الذى أساسه تطهير الباطن ومحاسبة النفس مع التذكير بالمساواة على أساس الإنسانية والرحمة والمحبة والعفو عن الرعية فى إطار الحق .

إذا كانت نظرية التلقي تقوم على جوهَرٍ أساسي يقوم به القارىء فلقد خفف شرح وتعليق العالم الجليل الدكتور أنس عطيّة الفقى على القارىء حيث فصّل المعنى الحقيقى لرسالة الإمام علي عبر استيضاح  وتبيان المعنى الذي يتتطابق تماما مع قصد وصية الإمام علي، وما يبرز  قيمة النص واستيضاح المعنى المباشر له أو المعنى العام اللغوي الذى أراده الإمام بهذه الوصية . وبذلك يكون العهد المشروح في ضوء نظرية التلقي نتاج العلاقة التفاعلية بين النّص عينه وذخيرته التى تمثلها الشروح  المعرفية التي اكتسبها القارىء من فهم هذا السفر المهم ومن ثم  تأويله.

والنَّص لم يتطرق الى العلاقة بين الحاكم والمحكوم فحسب، بل أيضا إلى ما يتعلق بأفعال الفئة الحاكمة أى كبار المسؤولين تجاه الرعية ولذلك على الحاكم  اتباع ضوابط صادقة فى اختيار البطانة وأهل المشورة له وتحريهم جميعا للأمانة.  لذا، أوصى الإمام على بن أبى طالب بضوابط اختيار المسؤول بدقة حيث يتناسب مع المنصب الذى سيتولاه بما يؤول الى تقديم أفضل عمل فى صالح الرعية. ذلك، أن القيادة ينبغى ان تكون فاهمة رشيدة بما يحفظ حقوق الجميع والمساواة فى تلك الحقوق؛ فالقيادة العسكرية تختلف عن القيادة القضائية التى تختلف عن عمل التُجّار والصُنّاع وعمل كل هؤلاء فى مواقعهم يعدّ عملا لصالح العامة والأمة بما يؤول إلى مجتمع متحاب تسوده العدالة . والعامة الذين يمثلون أغلبية الشعب ما هم إلا عماد الدين وجماع المسلمين لأنهم أحرص على مجتمعهم ووطنهم وهم حُماته وعسكره الذين يدافعون عنه ضد أى اعتداء وليكن إنصات الحاكم لهم واهتمامه بهم وحرصه عليهم ومحبتهم له هى أساس العلاقة السوية بين الحاكم والمحكوم لاستمرار السياسة الداخلية الناجحة للأمة .

إن كتاب “مفتاح الرشاد فى سياسة العباد والبلاد” وهو عهد الإمام على بن أبى طالب إلى مالك بن الحارث الأشتر حينما ولاه مصر شرح وتعليق العالِم الجليل الدكتور أنس الفقى ينبغى تدريسه فى المؤسسات التعليمية المختلفة خاصة العسكرية والقضائية والتعليمية لأن بين دفتيه من مجامع الكلم ما يؤسس لحياة الأمم السديدة والعلاقة الرشيدة بين الحاكم وبطانته من الفئة الحاكمة وبين الرعية عامة.

 

 

اترك رد