مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتورة سهير صفوت تكتب لمصر البلد الإخبارية: القوامة مفهوم اغترب عن مقصده

القوامة مفهوم اغترب عن مقصده

بقلم/ د. سهير صفوت

            أستاذ علم الاجتماع المساعد-كلية التربية –جامعة عين شمس

        في نظرة متفحصة لبنية المشروع الحضاري الإسلامي نجد أن الأسرة تمثل أهم مرتكزاته ، وإذا تصورنا المجتمع المسلم كبناء فإن المرأة والرجل هما أعمدة هذا البناء ، ولذلك فإن صلاح المجتمع لا يتم إلا بصلاحهما ومن أجل الحفاظ على البناء في أبهى صوره ، كان الزواج الذي يُعد من أسمى العلاقات الإنسانية التي يتحقق في ظلها الإشباع الحسي والنفسي والمادي والمعنوي والاستقرار العاطفي الذي يتحقق به استقرار المجتمع وصلاحه ويساهم في إنتاج أجيال تحقق العمران وتحمل مسئولية الخلافة في الأرض ومن أجل ذلك كان لابد من الاهتمام بالمرأة على وجه الخصوص.

لماذا المرأة؟ لأنها المسئولة عن صناعة الإنسان ، والصنعة إذا ما توفرت لها الظروف الملائمة أتقنت وخلفت إنتاجاً وفيراً يسر الناظرين ولكن كيف نهيئ الظروف البيئية الملائمة لصناعة الإنسان والإجابة تكمن في كلمة واحدة هي الأمن ، فالصناعة كي تزدهر يلزمها بيئة آمنة نفسياً ، واقتصادياً ، واجتماعياً ، وإذا كانت المرأة مسئولة عن الصناعة – فمن المسئول عن تأمين الصنعة .. إنه الرجل الطرف الثاني أو العمود الثاني في البناء وهو لكي يؤمنها نفسياً واقتصادياً واجتماعياً خصه الله سبحانه وتعالى وكلفه بالقوامة والتي فيها سعادة المرأة وهدوئها ، فالقوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة على الرجل والمرأة وما ينتج عنها من نسل طيب وما يستتبعه من تبعات.

إذ كيف تُنشئ المرأة أجيال وهي مهزومة نفسياً أو تعاني من شظف العيش أو الضغوط الاجتماعية والاقتصادية ، لذا قالت القاعدة ((الفاعلية تكون أقوى في الوسط الذي ينتج أقوى الدوافع وأنشط الحركات وأقوم التوجيهات )) وهذا لن يتوفر إلا إذا هُيئت الظروف ، من أجل ذلك ارتقى الإسلام بالمرأة نظرياً وتطبيقياً فجعل لها قواماً على أمرها فالقوامة تنطوي على معنيين أحدهما أن يأخذ الرجل على عاتقه توفير الحاجات المادية والمعنوية بصورة تكفل لها الإشباع المناسب لرغباتها وتشعرها بالطمأنينة والسكن وهذا قمة الكرم ، والثاني أن يوفر لها الحماية والرعاية ويسوس الأسرة بالعدل ، إذن فالقوامة هي قوامة رعاية ، وإدارة لا قوامة هيمنة وتسلط ، والأفضلية في التناسب المصلحي مع الوظيفة التي يجب النهوض بأعبائها .. لذلك كان من مستلزمات القوامة أن يوفر الرجل للمرأة كفاية الرزق ونعمة الأمن ، فالقوامة مسألة ذات شقين حق للرجل وواجب عليه فهي ليست امتيازاً ولا تشرفاً له بل تكليفاً يتبعه شدة محاسبة الله جل وعلا .

ولكن ماذا عن القوامة واقعياً ؟ إنه مفهوم مثير للجدل حائر بين دعاة التغريب وحضارة تحررية أحادية البعد تهدف إلى تسليع المرأة ، وبين حماة الانغلاق ودعوة تقليدية متخلفة تبتعد عن الدين والفهم الصحيح له وترجع بالمرأة إلى الجاهلية وهو ما جعل المفهوم يدور بين إفراط وتفريط أما دعاة التغريب فقد أثاروا شبهات حول القوامة مرددين لماذا القوامة للرجل وليس للمرأة ، هل تنتقص المرأة في شيء لتصبح تابعة .. ألم ينته عصر الاستعباد ؟ ، ألم تصبح المرأة عالمة ووزيرة ؟ ، ما الحاجة إلى الرجل ، القوامة الآن لا مبرر لها لأن المرأة استقلت اقتصادياً.

وما الوجه الآخر للاغتراب فكان الإساءة لمفهوم القوامة فاستخدمه البعض للتسلط ، والتعنت وراحوا يضيقون على المرأة ويستعبدونها مقدمين لصورة مشوهة للعلاقة بين الرجل والمرأة محولين العلاقة إلى سيد وعبد ، وقاهر ومقهور وإذا ما فندنا حجج الفئة الأولى المعارضة للقوامة ما العلة من قوامة الرجل ؟ قال تعالى ((الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم)) النساء من الآية (34)

لماذا قال الله تعالى الرجال وليس النساء ؟ ولماذا كان لفظ الرجل وليس الذكر؟ الأسرة مؤسسة شأنها شأن المؤسسات الموجودة في المجتمع بل ومن أعظم المؤسسات والقوامة إما أن تكون في يد المرأة باستمرار وإما أن يكون كل من الرجل والمرأة متساوياً على سبيل الشراكة وإما أن يتناوبا القوامة وفق فترة زمنية وإما أن يتقاسما بأن يكون لكل منهما اختصاصات يكون هو القيم فيها وفي ذلك قول المغيرة رضي الله عنه قال النساء أربع ، والرجال أربعة في أمر القوامة

  • رجل مذكر وامرأة مؤنثة فهو قوام عليها وهو الطبيعي
  • رجل مؤنث وامرأة مذكرة فهي قوامة عليه
  • رجل مؤنث وامرأة مؤنثة فهما لا يأتيان بخير ولا يفلحان
  • رجل مذكر وامرأة مذكرة فهما كالوعلين يتنطاحان (الأغاني 4/277).
قد يهمك ايضاً:

الجهاز المركزي للمحاسبات يعتمد تعديلات جديدة على معيار…

لقد راعى الإسلام الفروق الفردية في المهمات ولذلك رفع عن المرأة عبء تأمين الدخل لأن تحميل المرأة مسئولية نفقتها وتأمين دخلها ويشكل قيداً قاسياً يؤثر على أولويتها الاجتماعية المتعلقة بحفظ البيت ورعاية الأطفال وقد أشارت الدراسات إلى زيادة الانحرافات عند أبناء الأسرة الأمومية حيث وجد الباحثون علاقة بين قوامة الزوجة والخلل في نمو شخصية الأولاد والبنات على حد السواء مما يجعل الأسرة الأمومية أسرة غير صالحة تولد الفصام والعصاب والجناح عند أبنائها- ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) سورة الملك آية (14) لذلك فالمرأة التي توضع في موضع القوامة لسفر الزوج ، أو لضعفه ، أو مرضه أو وفاته أو لأي سبب تخلى فيه الزوج عن دوره ، تلجأ إلى ممارسة الدور بشكل اضطراري وهي أن فلحت فإنه يتم بجهد قاسٍ يخالف فطرتها ويخرجها من أنوثتها لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الساعي مع الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)) لأن الساعي في هذه الحالة يغطي جزء من مهام القوامة فيرد المرأة إلى جزء من فطرتها لذلك فإسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما وهو يؤدي حتماً إلى اختلال ونقص في نظام الحياة الاجتماعية لما فيه من عكس لطبائع الأشياء. فمكلف الأشياء ضد طبيعتها ، متطلب وجود الماء في النار. وأما الشراكة في القوامة فإنها ستؤدي حتماً إلى الفوضى والتنازع ورغبة كل فريق أن يعلو على الآخر ويستبد برأيه لأن السفينة ليست لها إلا ربان واحد ، فلم يبق إلا أن تكون القوامة للرجل خاصة وإن المسئول في نظام الإسلام عن الإنفاق هو الرجل وهو المسئول عن تأمين حياة الأسرة التي تقضي القيادة العاقلة لمواجهة أحداث الحياة ، والمرأة مهما كانت ذات عقل فإنها بحكم فطرتها تغلبها عاطفتها لأن النساء بمقتضى ما هن مؤهلات له من إيناس للزوج وأمومة وصبر لتربية الأطفال فترجح لديهن العاطفة على العقل.

والتفضل للرجل هنا ليس دحضاً لحرية المرأة أو تقليل منها ، فالتفضيل للرجال ليس معناه أن كل رجل أفضل من كل امرأة عند الله  بميزان التقوي والآخرة كلا ، فالتقوى هنا تتعلق بمراتب الجنة في ميزان الآخرة فقد تفوق المرأة زوجها بالتقوى وقد تكون أحب منه وأقرب إلى الله إنما الأفضلية هنا في قضية تتعلق بميزان الدنيا والسيادة العائلية ، فسيادة الرجل وحمايته وكفايته للمرأة مهم جداً في القيام بوظائفها الأسرية كي تتفرغ ذهنياً وجسمياً لمهامها ((كل خُلق لما يُسر له)).

وإذا كلف الرجل بالقوامة فإن قيامه بمهام مسئولياته يتطلب مقومات عقلية ومعرفية وذهنية وعاطفية لابد أن تتوفر فيه وأي خلل يؤدي إلى فشل الحياة الزوجية لذلك قال الله تعالى الرجال وليس الذكور فحينما أكد الله على القوامة للرجل إنما ركز على دور الرجل كوظيفة اجتماعية لا الذكر كوظيفة بيولوجية أي التركيز على الدور الاجتماعي لا النوع فالقوامة ترتبط بدور الرجل وأفعاله وتصرفاته ، والفهم العميق لنفسية المرأة وطبيعتها وتقدير مشاعرها ، باختصار كلمة رجل بالنسبة للمرأة تعني الحضور القوي والوجود في الحياة الاجتماعية ، هذا الحضور القوى يعني تفهم مشاعرها – رغبتها الدائمة في الاحتواء كيف يُطري عليها كيف يعاملها ، فالزوجة تحب القوة من زوجها مادياً ومعنوياً حتى تشعر بالأمان ، وإذا اتفقنا جدلاً مع دعاوى التغريب أن المرأة قد استقلت اقتصادياً فإننا نكون أمام أمرين ؛ أولهما أية امرأة استقلت هل كل الشرائح ، هل كل الطبقات ؟ وإذا كانت المرأة قد استقلت اقتصادياً فهل استغنت عن احتياجاتها الفطرية لمن يخاطبه بما تحب أن تسمعه وأن تشعر بأنوثتها؟.

فالقوامة ليست إنفاقاً فحسب بل تعني المسئولية بمفهومها الشامل أن يكون للرجل حضور فعال بين أفراد أسرته وإذا قام بمسئوليته كاملة لحفظ الأسرة من أسباب التفرق والتقاطع ونشأ الأبناء نشأة سوية في ظل أب يغدق الحنان والعطف ويتعامل بالقسوة إذا تطلب الأمر ، فمسئولية الرجل للقوامة هي فهم عميق لمتطلبات دوره في قيادة سفينة الأسرة والوصول بها إلى مرفأ الأمان.

والقوامة لا تعني إلغاء شخصية المرأة إنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة وصيانتها ووجود القيم في المؤسسة لا يلغي حقوق الشركاء لذا فهي ليست تسلطاً أو هيمنة وليست استعلاء واستبداداً وتحكماً إنما هي رعاية ومسئولية وقيادة منطقية وعادلة ولذلك فإن اغتراب المفهوم عن مقصده يجعل من الأسرة الأبوية نموذجاً للتسلط والقهر ينعكس على المرأة بالاحباط والدونية والظلم ويجعلها تتفاعل معه تفاعلاً سلبياً أو تخضع له خضوع المقهور أو تناصبه العداء لذلك فقد حدد الشرع ضوابط للقوامة حفاظاً على سلامة الأسرة وصحتها النفسية ، وحدود لها – أما الحدود فقد حددها الفقهاء في ثلاثة :

  • جعل الطلاق بيد الرجل ما لا لم تشترط الزوجة غير ذلك أثناء العقد.
  • أن تطيعه وتطمئنه أنه لا تخونه بالغيب.
  • أن لا تخرج من البيت إلا بإذنه

أما الضوابط فهم اثنان ؛ أما الأول فتتعلق بأداء الزوج لواجباته التي تبدأ بالمهر ثم الإنفاق على الزوجة ، والمعاشرة بالمعروف ، ولاشك أن المعاشرة لفظ عام يشمل جميع جوانب الحياة الأسرية والتعاملات الزوجية وبناء عليه فإن الزوج مطالب بأن يحسن حديثه إلى زوجته ، والتأدب معها وعدم تحميلها بما لا تطيق ، وأن يُدخل على نفسها البهجة فجزء كبير من قوامة الرجل يتعلق بدوره في معاملة زوجته الذي لو أتقنه لسارت بيوت المسلمين جنة ، فالعلاقة الزوجية تتضمن أبعاداً اجتماعية وبيولوجية ونفسية ولكي تنمو نمواً صحيحاً وتحقق أهدافها النفسية والاجتماعية ينبغي أن يسود الأمن بين جنبات الأسرة فالشعور بالأمان حاجة نفسية تستلزم الإشباع وهذا يتوقف على قدرة الشخص في التصريح بالحب الذي يعبر عنه باللفظ والسلوك وتعتبر العلاقة الزوجية تعبيراً حياً وواقعاً عن تلك الحاجة التي تتعلق الأمان العاطفي على اعتبار أن الزواج يلغي كل القيود الدينية والاجتماعية التي تلبي حاجة المرء إلى وجود أنيس من الجنس الآخر يشبع حاجته للحب ليصل إلى درجة التوافق النفسي المرغوب فيه وهو ما نجد له تطبيقاً في الشرع فيفسر ابن كثير قوله تعالى ((عاشروهن بالمعروف)) أي طيبوا أقوالكم لهن وحسن أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت لها وقال ابن عباس رضي الله عنه إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي.

وقال صلى الله عليه وسلم ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) فكان صلى الله عليه وسلم جميل العشرة دائم البشر يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة ويضاحك نساءه ، وأما الضابط الثاني فيتعلق بالعدل والإنصاف في استخدام هذه الوظيفة فهي ليست سيفاً مسلطاً على رقبة المرأة بل ينبغي مراعاتها ومعرفة معنى دوره ومقوماته ويعلم حرمة الاعتداء على المرأة معنوياً ومادياً لذلك فهو لا يتعامل بمنطق أن النساء ناقصات عقل ودين ذلك لأن نقص المرأة يتضمن الكمال في ذاته فوراء هذه المقولة يكمن معنى يشتمل على الكمال فهي إن كانت ناقصة عقل لأن بفطرتها عاطفية فإنه لولا العاطفة ما صبرت على طفلها ولا حاكتها ولا كانت سكن لزوجها وأما ناقصات دين بسبب ما جبلن عليه من ظروف تعوق الصلاة والصيام وهذا نقص في الدين ولكنه لكمال أيضاً فبدون ذلك لن تحمل المرأة ولن تنجب أطفالاً فكله يصب في مصلحة الأسرة .

إن سوء فهم القوامة يرجع إلى الثقافة المجتمعية وترسيمها لملامح الدور الاجتماعي الذي يصطبغ فيه دور المرأة بصيغة تميزية ودونية لا يقرها الشرع وتتأكد من خلال تنشئة الأبناء الذكور والإناث وانعدام القدوة الصالحة ، والتقصير في تبصيرهم بأدوارهم كما ينبغي من الشرع ، ووسائل الإعلام بتأكيدها على النظرة الدونية للمرأة وتقبلها للعنف بكل أشكاله مما يجنح بالمفهوم عن مقصده.

فالقوامة هي الاحتواء والاحتضان والتشاور وعدم الاستبداد فالقوامة التي دعى إليها الإسلام قوامة رحيمة تقوم على التفاهم والتشاور ، فالحقوق بينهما متبادلة أنهما كفئان فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله في جنسه فهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور فكلاها بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه وقلب يحب ما يلائمه فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين في الآخر ويتخذه عبداً يستذله ولاسيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين للآخر والقيام بمسئولياته ، ولذا فالقوامة هي في حقيقتها تقسيم للعمل تحدد الخبرة والكفاءة ميادين الاختصاص. وكلكم راع ومسئول عن رعيته وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم مسئولية كل راع وفقاً لعمله واختصاصه فقال صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم ، وهو مسئول عنهم ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) رواه البخاري والإمام أحمد .

اترك رد