مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الخير ليس صورة… بل حياة تُصنع في القرى

بقلم د :  إبتسام عمر عبد الرازق 

لم تكن قصة الطفلة هايدي التي أعطت رجلًا عجوزًا خمس جنيهات مجرد لحظة عابرة، بل رسالة بليغة: أن الخير لا يُقاس بحجمه المادي، بل بصدق النية وصفاء القلب.

فقد تنازلت عن متعتها الصغيرة (كيس شيبسي كانت ستشتريه) لتُسعد قلب إنسان محتاج، فهزّت قلوب الناس جميعًا, لكن الخير الحقيقي لا يقف عند صورة تنتشر على مواقع التواصل… الخير يُصنع كل يوم، في صمت القرى، بعيدًا عن العيون.

أطفال يحفظون القرآن على مقاعد خشبية متواضعة، ليحملوا في صدورهم كلام الله.

طلاب يكافحون بين العمل والدراسة، يسيرون كيلومترات إلى مدارسهم، ويذاكرون على ضوء المصابيح البسيطة.

بنات يساعدن أمهاتهن في البيت ثم يتفوّقن في التعليم.

رجال ونساء بسطاء يوزّعون الخبز، ويكفلون الأيتام، ويطهون طعامهم ليُشاركوا جيرانهم الفقراء… كل ذلك في الخفاء.

قال تعالى: ﴿وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا﴾(المزمل20) , هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين يستحقون أن نلتفت إليهم، وأن نُقدّر جهدهم، لأنهم يصنعون حياة عامرة بالإيمان والكرامة والأمل, الخير ليس صورة عابرة على الشاشة… بل حياة كاملة تُصنع في القرى، بصمت وإخلاص، ليبقى الوطن عامرًا برجاله ونسائه وأطفاله

قد يهمك ايضاً:

د. منال عوض: التعاون مع اليونسكو لإعلان أول محمية جيولوجية…

لتقليل النفقات.. الحزاوي تنصح بجرد ما تبقى من الأعوام…

وليس فقط أطفالنا في القرى اليوم من يستحقون التقدير والاحتفاء… بل إن التاريخ القريب يعج بنماذج حية تتحدث بصمتها عن معدن الخير والإيمان:

• أحمد كريم بحيري من قرية القشيش (شبين القناطر، القليوبية): بدأ حفظ القرآن الكريم مبكرًا في سن السادسة، وأكمله في الثانية عشرة تحت إشراف والده المحفظ الأزهري. لم يتوقف عند الحفظ، بل حصل على إجازة في القراءات العشر، وفاز بجوائز محلية ودولية، منها مسابقة “سواقي العرب الدولية” ومسابقة “أفضل تلاوة” بمشاركة أكثر من 20 دولة عربية

• عبد الله عمار محمد السيد من قرية تل الجراد (بلبيس، الشرقية): رغم أنه فقد بصره في سن مبكرة، حفظ القرآن كاملاً في حوالي 100 يوم وهو في الثامنة من عمره. تفوّق في مسابقات محلية ودولية، أُوحت به إلى شيخ الأزهر ومنحه جمعية الأزهر كذلك، وكرّمه الرئيس عبد الفتاح السيسي مرتين خلال احتفالات الأسبوع الأول من رمضان

هؤلاء هم — حالهم حال الطفلة التى قدمت خمس جنيهات — أبطال حقيقيون لا نراهم على شاشات التلفاز، لكن القرآن يسكنهم، والأمة تفخر بهم.

 

إن قصة الطفلة هايدي درس جميل ومُلهم، لكنها مجرد نافذة تذكّرنا بآلاف القصص الأعظم في قُرانا: حفّاظ القرآن، الطلاب المجتهدون، الأمهات الصابرات، والشباب الذين يعملون ليضيئوا بيوتهم بالعلم والكرامة.

واجبنا أن نسلّط الضوء عليهم، أن ندعمهم بالعلم والرعاية، وأن نروي قصصهم، لأنهم الأمل الحقيقي لهذا الوطن.

إنهم أبطال الخير المنسيون… الذين يعملون في صمت، ويدّخرون أجرهم عند الله.

التعليقات مغلقة.