أجرى الحوار: محمد حسن حمادة
الحكاية كما يرويها البطل: أنا محمد عبد المؤمن حسن دبور، بكالوريوس فيزياء جامعة عين شمس تدرجت في السلم الوظيفي من مدرس فيزياء ثم مدرس أول ثم موجه ثم موجه أول ثم مدير إدارة شئون الطلبة حتى وصلت لوكيل مديرية التربية والتعليم بالقليوبية.
التحقت بالقوات المسلحة في 6/ 10/ 1971 دخلت كلية ضباط الاحتياط وتخرجت فيها في 6/ 1972 برتبة ملازم تحت الاختبار، كان توزيعي بالجيش الثالث الميداني الفرقة السابعة مشاة، الكتيبة 607 إشارة، مكثت بكتيبة الإشارة حتى 6/ 1973 كنت ملازما أول وقائد سرية اللاسلكي بكتيبة الإشارة ولأول مرة ضابط احتياط يتقلد قائد سرية اللاسلكي في كتيبة الإشارة ثم وقع عليً الاختيار لأكون رئيسا لإشارة المدفعية الفرقة السابعة مشاة في 6/ 1973 تحت رئاسة العميد أحمد بدوي الذي سيعين لاحقا لواء وقائدا للجيش الثالث الميداني، وسط ساحة القتال نفسها، ثم وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة فيما بعد، كان قائد المدفعية آنذاك العقيد يحي العقبي ومعه المقدم كمال مدبولي رئيس هيئة عمليات المدفعية وأنا رئيس الإشارة دربت وحدات الإشارة في وحدات المدفعية داخل كتيبة المشاة السابعة، حتى أول رمضان 1973.
وعن أجواء ماقبل الحرب يروي البطل: محمد عبد المؤمن حسن دبور فيقول: وضعت خطة لرفع المستوى بحيث تكون إشارة المدفعية في منتهى الجاهزية لأي مناورات أو مشروعات،
فالإشارة هي عصب المعركة، فهي لسان وأذن القوات المسلحة، يتلخص دور سلاح الإشارة في الحرب: تأمين عملية بث واستقبال وإرسال الإشارة بين القيادات والضباط، وأيضا التصدي لشوشرة العدو الإسرائيلي على الترددات المصرية، وإعاقتها عن طريق المناورة بالترددات المختلفة، حان موعد إجازتي ولكني فوجئت بإيقاف الأجازات.
كلفت بإعداد مركز القيادة المتقدم السلكي واللاسلكي، قمت بالتجهيزات اللازمة، كل هذا والقيادة تؤكد لنا أننا نمارس مشروع حرب استراتيجي.
طلب مني العقيد يحي العقبي أن أذهب لإدارة التوريدات بقيادة الجيش الثالث الميداني لصرف مانحتاجه وهو يؤكد لي أن هذه المرة سيصرفون لنا مانريد وأنا لا أصدق فقد كنا عندما نطلب بطاريات للأجهزة (بيطلع عنينا) كنت أحتاج لفات مد سلك لجهاز اللاسلكي 105 للاتصال بالوحدات الأقل والجهاز 104 للاتصال بالوحدات الأعلى (قائد المدفعية) وبالفعل صرفت المطلوب.
صدرت لي الأوامر أن أوفر معي لفة سلك وجهاز 105 وعسكري وجهاز 104 وعسكري.
أوصيت رقيب متطوع رؤوف وكان حكمدارا للدبابة ( BTR-50) كانت هذه الدبابة عبارة عن ناقلة جنود مدرعة برمائية سوفيتية الصنع). قلت له: دبابتك ذات إمكانات عالية ونحن نحتل تبة مرتفعة ومحمية جيدا سترفع الهوائي عندما أتصل بقيادة الجيش لا تتدخل إلا إذا لم أسمعهم أو لم يسمعوني في هذه الحالة التقط الإشارة وعرفته كلمة التعارف وكن أنت حلقة الوصل بيننا، لو غفوت ثانية واحدة (حاضربك بالنار) اصطحبت معي إمباشي وعسكري للجهازين 105 و104 للاتصال بقيادة الجيش وعسكري آخر يدعى محمد عبد السميع الخلاوي لوحدات المدفعية داخل الفرقة وجميعنا في مركز القيادة المتقدم ننتظر الأوامر بالعبور، وفي خضم هذا الترقب والأعصاب مشدودة يقفز العسكري برسوم سعد مينا وكان معه جهاز 105 ويقطع حاجز الصمت “يافندم بعدما تمشوا مين حايلم الأجهزة دي؟”. فضربته أربعة أقلام ياابن ال……. ماشأنكَ هناك مختصون لهذا الأمر فعندما نعبر سيأتي خلفنا مركز القيادة الرئيسي وسيقوم هو أيضا بالعبور ثم سيأتي من سيجمع هذه الأجهزة فهي أجهزة بالملايين فقد كان كل شيء مرتبا له”.
ثم قلت له: تعالى هات (شدتك) (سترة مجهزة للعبور) ستعبر معنا وهو: خلاص سماح يافندم”. قلت له: حابص شمال وقبل مابص يمين تكون جبت الجهاز وجيت علشان تعبر معانا”.
الشاهد هنا أن القدر له حكمة من هذا الموقف سأخبركَ بها في حينها لنترك هذا الأمر الآن ولنعد للحظات العبور.
اتفقوا معنا عندما نصدر (تكة) إشارة معينة على الجهاز أوقف الإتصالات.
في تمام الساعة الثانية ظهرا صدرت لنا الإشارة بوقف الاتصالات تماما.
في الساعة الثانية وخمس دقائق عبر الطيران ونحن لا شعوريا هتفنا هتاف الحرب الشهير (الله أكبر، الله أكبر). حتى العميد أحمد بدوي قفز من مكانه وهتف معنا، ثم عبرت المشاة ثم سلاح المهندسين الذي صنع الحفر في الساتر الترابي بمضخات المياه، لكن كان التمهيد النيراني المكثف على العدو مشهدا من مشاهد يوم القيامة، أنهينا العبور في تمام الساعة الثالثة، بمجرد عبورنا هرب الصهاينة.
وعن أصعب مواقف الحرب يروي البطل:
بعدما عبرنا للضفة الأخرى اخترنا موقعا لقيادة الفرقة، صدرت الأوامر بأن كل فرد من أكبر رتبة للرتبة الأدنى يقوم بحفر مواقع حماية لنفسه وقد كان.
كانت هناك دبابة إسرائيلية ضبطت مدفعها على فتحة المعبر ومعهم أجهزة رؤية متقدمة جدا كلما عبرت دبابة مصرية تضربها وتسقطها في الماء بكامل طاقمها، تكرر هذا الموقف ثلاث مرات، صرخ اللواء أحمد بدوي أين النقيب بطرس؟ فطلب إحداثياتها ثم اتصلنا بالشرطة العسكرية، هنا تتجلى العبقرية المصرية في أبهى صورها (طلع عربة جيب تالفة فأسقتطها دبابة العدو، حددنا الإحداثيات عن طريق سرية استطلاع (ورب الكعبة جابوا الدبابة بكامل طاقمها متكتفين) ظفرنا بالدبابة وأخذنا طاقمها سلمناهم للشرطة العسكرية كأسرى حرب).
شيء يدعو للفخر ثم عبرت قواتنا بدون إعاقة.
ثم يسرد لي البطل موقفا آخر أشد صعوبة من الموقف السابق فيقول: في تمام الساعة السادسة تعطل الجهاز الذي يتصل بالوحدات حيث سقط المؤشر على الصفر فتذكرت مقولة اللواء أحمد بدوي قبل العبور عندما قال لي: يادبور لو الإشارة صح سننتصر في المعركة لو الإشارة خطأ سنهزم في المعركة”. فقلت له: لن تسقط الإشارة ثانية واحدة يافندم”. فتصببت عرقا، كان بجواري العقيد يحي العقبي ربت على كتفي وأخذ يهدئني وأعطاني سيجارة وأنا مندهش! “يافندم دول بينادوا” فقال لي: سيبهم ينادوا”. كان هذا الرجل يجيد عدة لغات كما كان يجيد التعامل النفسي فقد كان يعلم جيدا أنني لو ارتبكت سنفقد الإشارة وبالتالي سنخسر الحرب كل ذلك وقد نسيت العسكري برسوم سعد مينا “شوف ربك ربنا بعتهولي كده علشان أضربه فييجي معايا علشان الموقف ده، بصيت لقيت برسوم سعد مينا (بيكح) وكأنه ملاك ظهر في الوقت المناسب أخذت منه الجهاز واشتغلت) وعندما فتحت الجهاز وجدت (الدنيا خربانة) فقد كان هناك هجوم مركز على اللواء السابع من الجانب الأيسر بالدبابات ويحتاج لمعونة من مدفعية قيادة الفرقة، أخذت أردد الإشارة والإحداثيات بصوت عال، كما كنت أسجل الإشارة فقد يٌطلب مني إعادتها ثانية، والعقيد العرابي بيسمعه قال لي: هل انتهيت؟ يادبور هات لي اللواء 49 مدفعية العقيد الهجان قائد المدفعية وأخبره بالضرب فورا دون انتظار أوامر وأكد عليه أن ضرب المدفعية لن يُجدي”. فقلت له: أمال حانتعامل معاها إزاي يافندم؟ فقال لي: لديكم كتيبة مدفعية ذاتية الحركة (مدافع محمولة على دبابة) وبالفعل تم التعامل وتم التدمير وكالعادة هرب باقي الصهاينة كالفئران المذعورة”.
ثم يسترسل البطل ويحكي لي عن موقف آخر لا ينساه في اليوم الرابع من المعركة سرت إشاعة قوية بأن العدو عمل إبرار جوي على التبة المسحورة وبلاغات من القادة فقلت لقائدي كيف ستمر طائرات العدو من فوق رؤوسنا دون أن نراها؟ فقال لي: أنت جهة إرسال فقط أما خط سير المعركة فلا شأن لك به”. كانت المعضلة من سيقوم بتوصيل الرسالة؟ ولابد أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط أهمها معرفة الطريق جيدا، فضلا عن معرفة خريطة التبة المسحورة فهي عبارة عن متاهة كبيرة دخلتها من قبل (تهت فيها أكثر من ساعة) مزية سلاح الإشارة دماغهم خريطة فسأل اللواء أحمد بدوي من يعرف الطريق جيدا؟ فتم تكيلف الرائد كمال ضابط مشاة بمقابلة المقدم حلمي وإبلاغه: إن كان العدو قد قام بعملية إبرار جوي يتعامل معه”. لكن الرائد كمال لا يعرف الطريق إلى التبة المسحورة؟
فرد العقيد يحي العقبي قائد المدفعية: دبور يافندم يعرف الطريق إلى التبة المسحورة كما يعرف التبة المسحورة جيدا وبدون خريطة”. و(أنا ركبي بتخبط في بعضها). اتجهت بصحبة سائقي وكان برتبة (صول) وعلى بعد كيلو متر من التبة وقف السائق وقال لي: يافندم أنا متزوج وعندي عيال إنت بتسوق زي العفريت كمل حضرتك وأنا حستناك هنا”. قلت له: إحنا في حالة حرب حاضربك طلقة وأقول العدو ضرب علينا نار ومات سوق وامشي عدل”. وقد كان”.
كنت أكثر منه خوفا لكن ماباليد حيلة وقت الشدائد لابد أن نكون رجالا ونحن في حالة حرب نسترد وطن من عدو غاشم فإما أن نكون أو لا نكون! وفجأة وجدنا عربة جيب إسرائيلية والسائق: يانهار إسود روحنا بلاش مش قلت لك ياريتني ماسمعت كلامك يافندم”.
أصبحنا في مواجهة الجيب الإسرائيلي، بيننا وبينها متران “اثبت مكانك إنزل من العربية، إيدك على دماغك، أقدم رتبة يتقدم، فتقدمت بصيت لقيت ياابن ال…… يادبور، ياابن ال…… ياعباس، إيه اللي ركبك العربية دي؟
سيبت ركبي الله يسود بختك.
جيب إسرائيلي أسرناها من العدو”.
رايح فين؟ للمقدم كمال أبلغة بأن العدو قام بعملية إبرار جوي في التبة المسحورة.
إحنا اللواء السابع ومحتلين التبة المسحورة وما أمامها.
“سيبك من الكلام ده أنا جاي بإشارة رسمي”.
قابلت المقدم حلمي وأبلغته بالرسالة فقال لي:
دي إشاعة”.
وعن المواقف المؤلمة للحرب التي مازالت عالقة بذاكرته ولم يمحها الزمن؟
يتنهد البطل وبزفرة يعتصرها الحزن يقول: بعدما طورنا الهجوم ووصلنا لمنطقة المضايق، بعدها وجدنا الطيران الإسرائيلي كالناموس كلفني العقيد يحي العقبي بالذهاب لقائد اللواء 12 يوم الوقفة عصرا لإبلاغه برفع الروح المعنوية للقوات، موقف لا أحسد عليه فحتى أصل للواء 12 أولا الأرض مسطحة ثم مرتفعة ثم تنحدر ثم مساحة مستوية ثم تبة ثانية مرتفعة يسمونها (خور) بعد التبة الثانية قائد اللواء 12، في هذه المنطقة الواسعة سرية مدفعية مضادة للطيران، بعدما عبرت التبة الأولى وجدت طيران إسرائيلي على ارتفاعات شاهقة وهذا معناه أن العدو بيحضر لعملية فقلت في نفسي إن صعدت بالعربة سأكون هدفا سهلا فقررت أن أصعد زاحفا أنا والسائق وأترك العربة تصعد خلفنا وقد كانت عربة (أيونيك) ألماني حديثة “تديها الغيار تدوس وتقفز شوف العلم وكمان إيه مبتغرزش في الرمل، تطلع ببطء وتجيلك على فوق إن ضربوها فقد نجونا”. زحفت أنا والسائق وأخيرا وصلت لآخر التبة وجدت أمام عيني أربع طائرات للعدو على ارتفاع أقل من ارتفاع التبة أقسم بالله شاهدت الطيار الإسرائيلي وجها لوجه بشكل واضح يخيل لي أن شعر رأسي (حك) في واحدة من طائرات العدو”. من سوء الحظ أن بندقيتي الآلي كانت بالسيارة الألماني آه لو كانت معي بندقيتي لصوبت الرصاص على رؤوس الطيارين الصهاينة، دخلت سرية المدفعية المضادة للطيران لم أجد فيها شخصا واحدا على قيد الحياة! وأخيرا وصلت سيارتي تتهادى لكن بعد فوات الأوان! جمعت أكثر من عشرين طبنجة وأكثر من خمس عشرة بندقية ووجدت إثني عشر جنديا مازالوا على قيد الحياة! مشهد تقشعر له الأبدان وعلى الفور ذهبت للمستشفى الميداني، الجميع في الرمق الأخير وسائقي (يافندم أنا مغم عليا آهه) روح حضرتك الوحدة الطبية التابعة للواء فذهبت بهم بالفعل للوحدة الطبية فوجدتها مدمرة! ياإلهي ماذا أصنع؟ لابد أن أسعف هؤلاء الجرحى وهم ينازعون خلفي، فاتجهت للكتيبة الطبية التابعة لكتيبة الفرقة فلم أجد فيها إلا الشاش والقطن! كنت إسارع الزمن لإنقاذ زملائي فألهمني ربي بالعودة بهم للواء 12 وسلمتهم للواء 12″.
ثم بعد ذلك يبتسم لي البطل ويقول: سأحدثك عن موقف مغاير لتعرف مدى أخلاق المصريين في اليوم الثالث للمعركة حاولت طائرة إسرائيلية ضربنا فأسقطناها بصاروخ عند اللواء 49 مدفعية وأسرنا الطيار فطلب مني العقيد الهجان إبلاغ العقيد يحي العقبي بأمر الطيار الإسرائيلي، بعدها كلفني العقيد يحي العقبي بقيادة الدبابة وأحضار الأسير الإسرائيلي فأحضرته على ظهر الدبابة وقيدته (بسير) حتى لايهرب، طلب الأسير الماء وعلى الفور أمر اللواء أحمد بدوي بسقي الأسير، كان معنا الرائد صديق استشهد أخوه في الحرب فأصر على ضرب الأسير الإسرائيلي بالنار والثأر لأخيه فنهره اللواء أحمد بدوي وحمى الأسير الأعزل هذه هي أخلاق المصريين فهل عرفنا الفارق؟
في الثامن من رمضان طلبني قائد المدفعية، أبلغته بتمام مركز القيادة المتقدم فأخبرني بأن: قائد كتيبة الصواريخ سيفطر معنا في (الميز) بعدها ستذهب معه يادبور لموقع الكتيبة و(توصل له خط) ليكون على اتصال، بالفعل فطرنا معا ثم ذهبنا لآخر نطاق الفرقة السابعة كان معه صواريخ ضخمة وقال لي: لقد أتيت إلى هنا لمهمة محددة مدتها عشر دقائق سأطلق هذه الصواريخ على إحدى النقاط الحصينة للعدو ثم أعود أدراجي وقد كان نُفذت المهمة بنجاح ساحق.
في التاسع من رمضان كانت قواتنا تصل لخط القناة ثم تعود في آخر النهار، في نفس هذا اليوم صدرت لي الأوامر “خد سريتك وكل معداتك واطلع على مركز القيادة المتقدم”.
بعد العيد اقتحم الصهاينة مدينة السويس الباسلة لكن نحن والمقاومة الشعبية أحبطنا هجومهم وكبدتهم المقاومة الشعبية خسائر فادحة، كان الصهاينة على وشك تعيين محافظ إسرائيلي لمدينة السويس وكان معه ابنته وفي اتجاه مبنى المحافظة والجميع في انتظار جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني للتصوير ومن ثم الإعلان وقلب الحقائق لإظهار نصر مزيف أمام العالم، لكن الفرقة التاسعة عشرة بمعونة المقاومة الشعبية، حرقوا الدبابات الإسرائيلية بمن فيها وعلقوا الجميع على أعمدة النور، ثم قطعنا عنهم الماء من ترعة الإسماعيلية، وبعد ذلك كانت مباحثات الكيلو 101. على طريق القاهرة / السويس فى 28 أكتوبر 1973 بإشراف الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، دارت المفاوضات حول وضع الأسرى والجرحى من الطرفين، وتحديد المواقع التى يمكن أن ترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، ورسم خطوط 22 أكتوبر لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي، رقم 338 في هذا الصدد، والاتفاق على تزويد مدينة السويس الباسلة والجيش المصرى الثالث الميداني بالمواد الغذائية وماء الشرب، في هذه الأثناء هربوا لنا جهاز 151 داخل الأكل، الجهاز ده كان بيوصلنا للقاهرة وأسيوط، الجهاز 104 بيتصل بالقيادة الأعلى أما الجهاز 151 حيز تردده بعد كده وبعد عدة أيام جاءت الورقة بالتردد في علبة كرتونة من كراتين الأكل، رفعت الهوائي، لما كان بييجي عليا الدور أروح استلم كان هناك رائد إسرائيلي يتكلم العربية بطلاقة، سألني إنتوا بتاكلوا الأكل ده كله؟ فأجبته: إحنا مستعدين نسف الرمل مش الأكل بس وإللي يقف في وشنا حاننسفه”. عمل معايا اتفاقية قال لي: حاديك أربع جراكن بنزين وتبادلني بأربع جراكن ماء؟ قلت له لا بل ثلاث جراكن فقط، خدت الأربعة بنزين وإديته ثلاثة ماية، طلعت للعقيد يحي العقبي فسألني إيه الجراكن دي؟ فأخبرته بما حدث. فأصدر أمرا وقال: دبور ميطلعش تاني المعبر بيتكلم مع اليهود! قلت له يافندم ده طبيعي مش بنستلم منهم الأكل وإحنا محتاجين البنزين”. المهم جاءت التعليمات من المشير الجمسي رئيس الأركان بإرسال أكل وشرب وأدوية للواء 130 مشاة؟ واللواء أحمد بدوي حاضر يافندم!
فأخذوا يتناقشون العقيد يحي العقبي مع رئيس عمليات الفرقة مع قائد المدرعات فاتفقوا على القيام بالاستطلاع أولا لكن يطلع قائد المدرعات يقولك: الأول لازم نعمل مركز إشارة هناك ويروح هناك جهاز 105 بعسكري وضابط مشاة وضابط استطلاع ويوصلوا الجهاز ويمدوا سلك بتليفون على اللواء السابع”.
قائد المدرعات بيتشاور مع قائد الفرقة يختاروا مين؟ يختاروا دبور. ولقيت معايا الرائد كمال ونقيب آخر (لم يتذكر اسمه) قلت له:
يافندم حانمشي مسافة أد إيه؟”. فقسناها وضربناها في مقياس الرسم، طلعت 2 كيلو فقلت له: يافندم على حد علمي هنا حقل ألغام وهنا أيضا أين الطريق المؤمن إللي حانمشي عليه؟”. فتم الاتصال بقائد اللواء السابع ودلنا على طريق مؤمن، طلعنا إحنا الثلاثة قال لي الرائد كمال: روح مد الخط وأنا سأنتظرك هنا! فقلت له: نعم الأوامر بتقول إيه؟ حضرتك حانروح سوا وأنا حامدلك الخط وخلي بالك حانخدها زحف، وعلى ظهري كان فيه جهاز وفيه سلك حاربطه في التحويلة الخاصة باللواء السابع، وصلته بالتحويلة وأمنته تماما، ثم اتصلت بهم وجدت كله تمام.
اتصلت بالعقيد يحي العقبي بعدما مهدنا المكان.
في تمام الساعة العاشرة فوجئت بأن النقيب بطرس الذي تعامل مع الدبابة التي عطلت العبور ومعه أربع عساكر من سريته ومعه بنادق آلي خاصة وآربيجيهات قلت له: إيه إللي جابك هنا؟ فقال لي: أنا من سيتولي قيادة الدبابة إللي حاتوصل الأكل للكتيبة 130 مشاة.
وصلت الدبابة في تمام الساعة الحادية عشرة وثلاث قوارب، محملة بالأكل والشرب وحانمشي فين في وسط القوات الإسرائيلية! فوجئت بهذا النقيب يقول لي: هذه ساعتي وهذا كارنيهي ودي الفلوس إللي معايا وده جواب إن رجعت أعدهم لي ولو مرجعتش وصلهم لأمي في هذ العنوان! إديني عقلك لحظات لا تنسى فرد عليه العقيد يحي العقبي: متخافش حاتروح وحاترجع منتصر”.
العقيد يحي العقبي: دبور حضر لي المدفعية بتاعت الفرقة السابعة حضر وعمر والإحداثيات كذا وكذا”.
قائد المدرعات: يامحمد اتصل بجميع وحدات المدرعات، جميع دبابات الفرقة تعمر على كذا وكذا على هذه الإحداثيات وتجهز للاشتباك”. تحركت الدبابات ونحن على اتصال لمتابعة الموقف فقال لي: أنا أهاجم من ناحية الشمال ببنادق آلي”. هو يقول لي الموقف وأنا أذيع. فقال لي العقيد يحي العقبي: أغلق معه وحضر لي المدفعية، اضرب طلقات مضيئة خلينا الجبهة ظُهر والدبابات اشتغلت.
وصلت للواء 130 مشاة فرغت الماء حملت الجرحى معايا إديتهم الأدوية.
قائد اللواء كان يؤازر قائد الفرقة “شد حيلك إحنا معاك مش حانسيبك وحانجبلك أكل تاني”.
فقال لي: بدأت اتهاجم من ناحية الشمال”. اضرب تاني وبعدها بأسبوع أعدنا الكرة، أقسم بالله العظيم القوات الإسرائيلية في الناحية الغربية انسحبت أكثر من عشرة كم.
بعد ذلك صدرت لنا أوامر “إن عملوا لكم تفتيش على الأكل ارفضوا التفتيش ولو اشتبكوا معاكم اشتبكوا”. وبالفعل رفضنا التفتيش فرفض الصهاينة صرف الأكل من غير تفتيش فعاد ضباطنا من غير أكل وحسب التعليمات اشتبكنا معاهم ضربناهم حتة علقة لدرجة إنهم جهم يتحايلوا علينا ناخد الأكل!
بعدها قلت للنقيب بطرس “أدي ساعتك وأدي فلوسك وجوابك إديهم إنت لأمكَ”.
بعدما تم الإعلان عن فض الاشتباك ضربت إسرائيل طلقات مدفعية وبنادق آلي في السماء أد إللي أطلقتها وقت الحرب ابتهاجا بانتهاء الحرب.
وأخيرا ظفرت بالإجازة، استوقف لي العقيد يحي العقبي سيارة إشارة بعدما استخرج لي التصريح وأمر سائقها بتوصيلي حتى البيت، وصلت طنان بعد أذان الفجر بنصف ساعة طرقت الباب، رد أبي من الطارق؟
أنا محمد!
فتح الباب وتسمر مكانه ثم أخذ يقبلني بحرارة وما أن سمعت أمي صوتي حتى خرجت متلهفة وعندما رأتني أغشي عليها فقد تركها النساء لتوها فقد كن يواسينها بعدما عدوني ضمن عداد الأموات وفي لمح البصر وجدت الناحية قد استيقظت عن بكرة أبيها والجميع في بيتنا يهنئني أولا لسلامة الوصول فقد كنت من آواخر العائدين من الحرب وثانيا لتهنئتي بالنصر، لتصدق نبوءة الرئيس السادات رحمه الله عندما وقف أمام أعضاء مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر لعام 1973 قائلا: إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلا بالفحص، والدرس، أمام عملية يوم السادس من أكتوبر سنة 73، حين تمكنت القوات المسلحة من اقتحام مانع قناة السويس، واجتياح خط بارليف المنيع، وإقامة جسور لها على الضفة الشرقية من القناة، بعد أن أفقدت العدو توازنه فى ست ساعات……وربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكى نتفاخر ونتباهى، ولكن لكى نتذكر، وندرس، ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل قصة الكفاح ومشاقه، مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله.
التعليقات مغلقة.