مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

عمد القدرة الإلهية.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح

0

عَمَدُ القدرة!!

قد يهمك ايضاً:

تعرف على فضل صيام الـ 6 البيض من شهر شوال

حكم صيام الست من شوال متتالية وجمعها مع نية القضاء 

بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح

عندما قال الحق سبحانه وتعالى: «وفي الأرض آيات للموقنين(20) وفي أنفسكم أفلا تبصرون(21)» الذاريات.

هذه دعوة مباركة للنظر في آفاق الأرض وآياتها نظرًا عقليًّا وليس نظرًا بصريًّا، لأن النظر البصري لا يكاد يرى إلا ظواهر الآيات المبثوثة في الآفاق، أما النظر العقلي الراشد، فهو يتجاوز المظهر إلى الجوهر، ويغوص في أعماق المشهد ليصل من خلال ذلك إلى حقيقة الوجود، ويكتشف سنن الله تعالى في الخلق، وإذا كان عقل الإنسان قاصرًا عن إدراك الآيات في الأرض، فعليه أن يحاول إدراكها في نفسه، فينتقل من المشهد الخارجي للوجود إلى المشهد الداخلي في جسده، ويرى الآيات التي أودعها الله تعالى هذا الإهاب، وهي تعمل بانتظام ورتابة من دون أن يكلف الإنسان نفسه عناء إدارتها ورعايتها، فهي تبدأ عملها منذ نفخ الروح في الإنسان ولا تتوقف إلا بالموت.

ولو تأملنا الوجود من حولنا تأمل تدبر، ومحاولة الإحاطة ببعض أسراره لأدركنا عظمة الخالق سبحانه، وطلاقة قدرته جل جلاله، فحين ننظر إلى السماء ونحاول أن نجيب عن السؤال الذي طرحه القرآن في قوله تعالى: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت(17) وإلى السماء كيف رفعت(18) وإلى الجبال كيف نصبت(19) وإلى الأرض كيف سطحت(20)» الغاشية، والذي يعنينا من هذه الأسئلة سؤال: وإلى السماء كيف رفعت؟ إن من ينظر إلى السماء يتعجب أشد العجب، هذه القبة الزرقاء التي لا حدود لحجمها، ولا حدَّ لاتساعها كيف رفعت على هذه الهيئة؟ وهل لها عَمَدْ ترفعها وتمنعها عن السقوط على الأرض، يقول سبحانه للإجابة عن هذا السؤال: «خلق السماوات بغير عَمَد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماءً فأنبتنا فيها من كل زوج كريم» لقمان/10.

وصفحة السماء كتاب مفتوح تتداعى فصوله أمامنا لتؤكد على عظمة الخالق سبحانه، وعظمة ما أبدعه في هذا الكون، ومن يحسن قراءة فصول هذا الكتاب من العلماء، والمفكرين، وأصحاب العقول الراشدة يدرك الحكمة من وراء هذا الكون البديع، يقول سبحانه وتعالى: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب(190) الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار(191)» آل عمران.

إن تقليب النظر في صفحات هذا الكتاب بعين البصيرة لا البصر يكشف للإنسان بعض حقائق الوجود: بداياته ونهاياته، والغاية من خلقه على هذه الهيئة.

نعود مرة أخرى إلى حديث القرآن الكريم عن آية السماء التي يقول الله سبحانه وتعالى عنها: «الله الذي رفع السماوات بغير عَمَدٍ ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون» الرعد/2.

الآية الجليلة تشير إلى الغاية من النظر في الكون والبحث بحثًا عقليًّا في بدايات هذا الوجود، ونهاياته، فهل السماوات مرفوعة بغير عمد حقًّا أم هي مرفوعة بعمد نحن لا نراها بعين البصر، ولكن من الممكن إدراكها بعين البصيرة، وهذه العَمَدُ هي عمد القدرة الإلهية التي يشير الله تعالى إليها في آيات أخرى، وذلك في قوله سبحانه: «ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم» (الحج/65)، وقوله جل جلاله: «إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورًا» (فاطر/41).

هذه الرعاية، وهذه العناية لولا انه سبحانه حليم غفور لأرسل علينا النيازك والشهب أو أسقط علينا السماء كسفًا كما فعل سبحانه بالأمم السابقة التي عصت أمره، بل وبارزته بالمعاصي.

وليحذر الإنسان من غضب ملك الملوك، فهو رحيم غفور للتائبين المنيبين إليه، ولكنه شديد العذاب لمن عصى أمره، وأكل خيره وعبد غيره، واحذر أيها الإنسان العاصي، فإنك رغمًا عنك عبد لإله لا شريك له في ملكه، ولا معقب له في حكمه، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب فيستشفع به، وإنما هي أعمالك التي تنجيك أو ترديك!

اترك رد