مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

د. أحمد علي سليمان: التربية على حب رسول الله من أهمّ أسس التربية الإيمانية الصحيحة

8

كتب: عبد الرحمن هاشم

قد يهمك ايضاً:

غالي يوجه الشكر إلى السفير المصري في تنزانيا

د. أحمد علي سليمان: انبثقت من بيت النبي حضارة إنسانية علَّمت الدنيا حقوق الإنسان والحيوان والنبات وحتى الجماد
أسس النبي حضارة شامخة أنارت جنبات الدنيا وربطت الأرض بالسماء وجعلت من المسلمين العالم الأول عندما طبقوا مقوماتها
من بيته المتواضع انتشرت سلوكيات الرشد الحضاري المبكر لحضارة الإسلام التي أرساها رسولنا الكريم
الاقتداء بالنبي في معاملته لزوجاته كفيل بعلاج مشكلاتنا الاجتماعية وعلى رأسها مشكلة الطلاق
الرسول الكريم أرسى حضارة الرحمة بمعناها الشامل ومنها الرحمة بالحيوان الذي حُقَّ له أن ينعم بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان
فلسفة طعام النبي والآداب التي سنَّها في هذا المجال تعد سبقًا حضاريًّا لإقرار قواعد الطب الوقائي قبل العالم بـ 14 قرنا

أكد الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن الميلاد الحقيقي لحقوق الإنسان وحقوق الحيوان والنبات وحتى الجماد، كان ببعثة النبي سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان منارةً يهتدي بها النّاسُ في ظلمات الحياة، وأعدّه لرسالة عالمية خاتمة للدنيا كلها؛ لذلك شاءت إرادةُ اللهِ (عز وجل) أن تكون حياته صفحةً مفتوحة للجميع، ولقد سجلت السُّنةُ الشريفةُ جميعَ وقائعِ حياته، وجميعَ أفعاله وأقواله وأسفاره وأخلاقه وعاداته وشكلَ لباسه، وخطوطَ وجهه وكيفيةَ تكلمِه، كما سجلت مشيته وأكله وشـربه ونومـه وتبسمه وعشرته لأهل بيتـه وأصدقائه وأعدائه؛ حتى نتعلم منها العبادات والمعاملات والأخلاقيات التي جاء بها لإعمار النفس وإصلاح الكون والحياة.
وأشار في الحلقة التي حملت عنوان: (جولة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم) في برنامج (الإسلام والحياة) والتي أذيعت على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من القاهرة، في الثالثة والنصف من عصر الاثنين 26 نوفمبر 2018م، وقدَّمها المذيع/ فؤاد حسان، وأخرجتها المخرجة/ أميرة بدوي، ومن الهندسة الإذاعية/ محمد لطفي، وأشرف على التنفيذ الأستاذ/ عادل عبد القادر، أشار إلى أن شخصية النبي انطوت على جوانب العظمة، والكمالات الإنسانية كلها، التي يستحيل أن تتجمع في شخصية غيره (صلى الله عليه وسلم).
فقه الزهد الصحيح:
وقال الدكتور/ أحمد علي سليمان من الأهمية في هذا المقام أن نُعرِّف الزهد تعريفًا صحيحًا؛ لأنَّ بعض الناس يظنون أن الزهد هو الانصراف عن الدنيا برُمَّتها، والانقطاع التام للعبادات، ومن ثم تضييع الحقوق والواجبات المنوطة بالمكلف في هذه الحياة، ومِنهم مَن يظن أن الزهد تقشف وإزراء النفس، وجعلها بعيدةً عن التمتع بنعم الله تعالى، وهذا خطأ آخر في مفهوم الزهد، وأكد أن معنى الزهد في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم)، هو الانصراف عن كل ما لا ينفع في الآخرة، مع قيامه بالحقوق كلها؛ وهي: حق الله، وحق الناس، وحق الأهل، وحق النفس، وجعل هذه الحياة مسخرة للآخرة، وهكذا لابد أن نؤكد أن الإنسان إذا أخذ شيئًا من متاع الدنيا المباح، واستعان به على طاعة الله، كان ذلك مما يُؤجر عليه، ولا ينافي الزهد.
مظاهر الاعتدال في عباداته وحياته:
كان النبي عليه الصلاة والسلام معتدلا في عباداته، فكان يصلي باعتدال، فيقوم الليل حتّى تتفطر قدماه، ويأخذ قسطًا من الراحة، ويصومُ بعضَ الأيامِ، ويُفطِرُ بقيةَ الأيام، وكان يتزوج النساء، ويختارُ الأيسرَ من الأمور وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت: (ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين أمريْن قطُّ إلا أخذَ أيْسرَهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناسِ منه…)(رواه البخاري)، وكان يتوضأ باعتدال؛ فلم يكن يُسرف في استخدام الماء وكأنه ينظر إلى قومه وصحابته والأجيال المتواترة عبر الدهور والعصور؛ ليعلِّم العالم كيف تكون الحياة.
بيت النبي من الداخل.. وقيم الرضا والوصال مع الله:
وقدم الدكتور/ أحمد علي سليمان وصفًا تفصيليًّا لبيت النبي عليه الصلاة والسلام من الداخل، من حيث الحجرات، والأثاث، والفراش، وخزائن المعيشة…إلخ، مشيرا إلى أن بيته كان متواضعًا؛ ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لَمَّا بنى مسجده بالمدينة، بنى غرفتين بجانبه، الأولى لزوجته السيدة سودة بنت زمعة، والثانية أُعدت للسيدة عائشة وكان قد عقَد عليها، أما بقية الحجرات فلم تُبْنَ إلا عند الحاجة إليها، فكان (صلى الله عليه وسلم) إذا أحدث زواجًا -وزيجاته كانت لأمور تشريعة بأمر الله- بنى غرفة، وكانت هذه البيوت من اللَّبِن، وسقفها من الجريد، ولم تكن واسعة، ولم يكن سقفها مرتفعا، بل كان ممن يمكن تناوله باليد، أما أثاث بيته فقل ما شئت عنه زهدًا وتواضعًا.
ولن ينسى التاريخ بكاء عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما دخل على النبي (صلى الله عليه وسلم)، ورأى حاله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (..ما يُبكيكَ يا ابنَ الخطَّابِ قُلْتُ: يا نبيَّ اللهِ وما ليَ لا أبكي وهذا الحصيرُ قد أثَّر في جنبِك وهذه خزانتُك ولا أرى فيها إلَّا ما أرى وذلك قيصرُ وكِسرى في الثِّمارِ والأنهارِ وأنتَ رسولُ اللهِ وصفوتُه وهذه خزانتُك قال: يا ابنَ الخطَّابِ ألا ترضى أنْ تكونَ لنا الآخرةُ ولهم الدُّنيا ؟ قُلْتُ: بلى…) (صحيح ابن حبان).
وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام سعيدا بحاله وراضيا تمام الرضى. أما حالنا الآن ونحن نتمرغ في خيرات الله وفي نعمه، ولا نقنع بها، ولا نؤدي شكرها، وهي تتنزل علينا تترا.. وللأسف نجد كثيرًا من الناس يقارن نفسه بالآخرين، فينظر إلى ما أُعطوا ثم يلوم الخالق، ويعاتب ربه أنه لم يعطه مثل ما أعطى فلانًا!! ولا شك أن اعتراض العبد على عطايا الله، مصيبةٌ كبرى، ونكران لنعم الله التي أعطاها له ولم يعطها لغيره..
أما المطعومات في بيته عليه الصلاة والسلام فنتأملها من قول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لعروة بن الزبير، ابن أختها: (إن كنا لننظُرُ إلى الهلالِ ثلاثةَ أهِلَّةٍ في شهرينِ، وما أوقِدَتْ في أبياتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نارٌ، فقلتُ : ما كان يُعِيشُكم ؟ قالتْ : الأسوَدانِ التمرُ والماءُ..) (رواه البخاري)، وقد عرض الله تعالى عليه أن يكون غنيا، قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا)، ولكنه كان يقول: (اللَّهمَّ أحيني مسْكينًا، وأمتني مسْكينًا، واحشرني في زمرةِ المساكين) (صحيح ابن ماجة).
آداب طعامه.. سبق حضاري لإقرار قواعد الطب الوقائي:
أما فيما يتعلق بفلسفة طعامه فقال د. أحمد سليمان: إن فلسفة طعامه والآداب التي سنَّها في هذا المجال تعد سبقًا حضاريا لإقرار قواعد الطب الوقائي قبل العالم بـ 14 قرنا، فكان (صلى الله عليه وسلم) يأكل عندما يجوع ويتيسر الطعام.. يغسل يديه قبل الطعام وبعده، وكان يأكل بيمينه ويحذر من مخالفة ذلك؛ لأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، وكان يجثو على ركبتيه عند الأكل، أو يَنصِبُ رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، ويأكل مما يليه.. يأكل أحيانا قبل الظهر وأحيانا بعده، وكان يشرب الحليب بالليل، ولم يكن من عادته أن يأكل نوعًا واحدًا من الأغذية على طول الخط، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدا.. ولعل القاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها في قوله: (ما ملَأَ آدميٌّ وِعاءً شرًّا مِن بطنِه، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإنْ كان لا بدَّ فاعِلًا فثُلُثٌ لِطعامِه، وثُلُثٌ لِشرابِه، وثُلُثٌ لِنفَسِه) (مدارج السالكين)، هي أصل في الطب الوقائي؛ لأن الفائدة من الطعام -كما يقول الأطباء- لا تتحقق إلا بتمثله تمثلا صحيحًا، ولا يكون الهضم والتمثيل الغذائي صحيحين إلا إذا انهمرت العُصارات الهاضمة على الطعام انهمارًا، وهذه العُصارات لا تنهمر إلا في حالة الجوع؛ لذلك حرص النبي الكريم على تطبيق ذلك في بيته، فلم يكن يكثر من تناول الطعام؛ بل كانت تمرّ عليه الأيام دون أن يُطبخ في بيوت نسائه شيء، ويكتفي بالخبز فقط. وكان (صلى الله عليه وسلم) يأكل على الأرض ولا يتّخذ مائدة، ولا يأكل متكئاً -أي معتمدًا على وِسادة- ولا يأكل منبطحاً -أي مستلقيًا على بطنه ووجهه، فقد جاء النهي عن ذلك- وكان يُسمِّي الله تعالى في أول طعامه ويَحمده في آخره، ويقول عند الفراغ من الطعام: (الحمدُ للهِ الَّذي أطعَمَنا وسقانا وجعَلَنا مُسلِمِينَ) (سنن أبي داود)، وكان يقول: (اللهمَّ إنَّكَ أطعمتَ و سقيتَ، و أغنيتَ و أقنيتَ، هديتَ و اجتبيتَ، اللهمَّ فلكَ الحمدُ على ما أعطيتَ) (الجامع الصغير للسيوطي)، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (من أكلَ طعاما فقال الحمدُ للهِ الذي أطعمنِي هذا ورزقنيهِ من غيرِ حولٍ مني ولا قوةٍ غُفِرَ لهُ ما تقدّمَ من ذنبهِ) (سنن الترمذي)، ولم يكن متكلفا فأكل الحلوى والعسل، وأكل الرُّطب والتمر، وشرب اللبن خالصا ومخلوطاً بغيره والسويق – وهو طعام يُصنع من الحنطة والشعير، وأكل الأقِط وهو اللبن المجفف، وأكل التمر بالخبز، والخبز بالخل أو الزيت، وكان يحبّ الثريد بشكلٍ خاص، وكان يحب البقل والقثّاء، والدُّبَّاء (وهو القرع)، وبالجملة فإنه (صلى الله عليه وسلم) لم يعب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه، غير أن هناك أطعمة كان لا يألفها وهي لحم الضبّ، وصحّ عنه كراهيّته لأكل الثوم؛ وذلك لأجل ريحه فقط، ولم يكن يأنف من تناول الطعام مع أيّ شخص، مهما كان عمره أو وضعه الاجتماعي، تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام، واحتراما لإنسانية الإنسان.
شرابه.. واعتبارات صحية وأخلاقية وقيمية:
وأما عن شراب النبي، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يشرب بيده اليمنى، ويشرب على ثلاث دفعات، يتنفس بينها، وكان يبعد الإناء عن فيه -فمه- وعن نَفسه، وكان ينهى عن التنفس في الإناء، وكان يشرب جالسًا وكان قليلاً ما يشرب قائمًا، وعند اجتماع جمع من الناس فإن ساقي القوم هو آخر من يشرب، وأن يكون تقديم الشراب للناس باعتبار الجهة، لا باعتبار السنّ والمكانة؛ لذلك قال لسيدنا أنس (رضي الله عنه): (الأيمن فالأيمن)، وأكثر ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحبّ شربه: اللبن، وكان يخصّص له من الشكر ما ليس لغيره من الأطعمة، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ أَنْ يَشْرَبَ عَلَى طَعَامِهِ فَيُفْسِدَهُ، وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وفى هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء.
نوم النبي من أعدل النوم وأنفعه:
أما فيما يتعلق بنومه فقد كان ينام مبكرا، ونومه من أعدل النوم وأنفعه، حيث كان ينام ما يعادل ثماني ساعات يوميًّا وهي ثلث الليل والنهار، وهي أفضل النوم عند الأطباء، كما ثبت عنه حرصه على نوم القيلولة، والقيلولة هي النوم وسط النهار، وكان ينام على الفراش تارة، وعلى بساط من الجلد تارة، وعلى الحصير أحيانًا، وعلى الأرض أحيانًا أخرى، وثبت عنه أنّه نام على السرير، وأحيانًا أخرى على كساء أسود، وكان يتدثر باللحاف، وكان فراشه من أدم وهو الجلد المدبوغ، وكان محشوا بالليف..!!، وكان عليه الصلاة والسلام ينام على هيئة تجعله بعيدًاعن الاستغراق في النوم؛ لذلك كان ينام في أول الليل، وكان إذا آوَى إلى فراشِه وضع يدَه اليمنَى تحت خدِّه ثمَّ قال: (اللهم قِنِي عذابَك يوم تَجمعُ أو تَبعثُ عِبادَك) (سنن الترمذي)، وكان النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم) إذا أَراد أنْ يَنامَ قال: (بِاسمِك اللَّهمَّ أَموتُ وأَحيا، وإذا استَيقَظَ مِن مَنامِه قال: الحَمدُ للهِ الَّذي أَحْيانا بعدَما أَماتَنا وإليهِ النُّشورُ) (رواه البخاري)، وعن عائشة أم المؤمنين (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا آوى إلى فراشِه كلَّ ليلةٍ، جمع كفَّيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ من جسدِه، يبدأُ بهما على رأسِه ووجهِه، وما أقبل من جسدِه، يفعل ذلك ثلاثَ مراتٍ) (رواه البخاري)، والنفث هو نفخ بلا ريق أو رزاز من الفم، وقد حرص نبينا الكريم على تلك السنة في سائر أحواله وفي صحته ومرضه؛ ليعلِّم أصحابه والمسلمين ذلك ويجعلهم في حرز من الشياطين.
لباسه:
وأما عن لباسه فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يلبس ما يتيسر من اللباس الذي كان معروفًا في قومه، والأصل في اللباس الحل، إلا ما ورد الشرع بتحريمه على الرجال كالحرير، وكان لا يتميز بملابس معينة دون الناس، وكان إذا لبس شيئًا من الثياب بدأ بالأيمن، وإذا نزع بدأ بالأيسر، ولا يرتدي من الثياب إلا أحسنها وأجملها وأليقها له، من غير خُيلاء ولا إسراف ولا تكبُّر، فقد ثبت عنه أنه لبس: البرود اليمانية، ولبس القميص -وهو كالجلباب المعاصر- ولبس الجُبَّةَ مثل اللباس الأزهري، والرداء والإزار وهو مثل اللباس الذي يلبسه الناس في الإحرام، ولبس العِمامة، وكان يلبَس القلنسُوة بغير عمامة، ويلبَسُ العِمامة بغير قلنسُوة، ولبس الخاتم والبيضة وهي الخوذة، ولبس الدرع، وكان له بردان أخضران، وهكذا كان هديه في اللباس أن يلبس ما تيسر مِنَ اللباس، من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة… وكان النَّبي (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) إذا استجَدَّ ثوبًا سمَّاه باسمِه فقال: (اللَّهمَّ أنتَ كسَوْتَني هذا فلَك الحمدُ، أسأَلُك مِن خيرِه وخيرِ ما صُنِع له، وأعوذُ بك مِن شرِّه وشرِّ ما صُنِع له) (صحيح ابن حبان).
عطره:
كان مِن شأنِ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) التَّطيُّبُ، وهو مِن الأمورِ الَّتي حُبِّبَت إليه مِن الدُّنيا، وأما عن نوع العطر الذي كان يتعطر به (صلى الله عليه وسلم)، فقد ورد أنه كان يتطيب بالمسك والعود والزعفران، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذا أراد أن يُحرِمَ، يتطيَّبُ بأطيبِ ما يَجِدُ . ثم أرى وبيصَ الدُّهنِ في رأسِه ولِحيتِه، بعد ذلك) (رواه مسلم)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كانت للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ سُكَّةٌ يتطيَّبُ منْها) (أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية) ومعنى: سُكَّةٌ أي نوعٌ مِن أنواعِ العُطورِ ذاتِ الرَّوائحِ الطَّيِّبةِ، وقيل: السُّكَّة: ما يُوضَعُ فيه العِطرُ، ويُؤخَذُ مِنه عندَ الحاجةِ.
حقوق الحيوان.. إرساء الحقوق ومثالية التطبيق:
وأشار الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إلى أن الحيوان كان له شأن كبير عند العرب؛ وكان من مكونات حياتهم الأساسية؛ فهو وسيلةَ ركوبهم في السفر والرحال، والحرث والزراعة، والحروب والصيد، وكانوا أيضا يتسابقون عليه، وعلى الرغم من الأهمية البالغة للحيوان في حياتهم، فإنهم كانوا يسيؤون التعامل معه.
ولما جاء الرسول الكريم أرسى حضارة الرحمة بمعناها الشامل ومنها الرحمة بالحيوان، يظهر ذلك من دعواته المتكررة التي لا تتوقف بالرحمة بالحيوان بكل أصنافه وأنواعه، وأيضا من تطبيقاته الشخصية مع الحيوانات التي كان يمتلكها؛ حيث كانت له ناقة تسمى القصواء -وهي التي هاجر عليها من مكة إلى المدينة- كما كان له ناقتان أخريان تسميان العضباء والجدعاء، وكانت ناقته العضباء لا تُسْبَق، وكان له بغلة يقال لها دُلْدُلُ، وحمار يقال له عُفَير وكان أشهب، أهداهما له المقوقس ملك القبط.
ومن مظاهر رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) بالحيوان أنه أمر بالإحسان إليه والرفق به، وقد ركِبتْ السيدة عائشة (رضي الله عنها) بعيرًا . فكانت فيه صعوبةٌ . فجعلت تُردِّدُه. وربما قست عليه، فوجهها النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفق بقوله: (إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلَّا زانه . ولا يُنزعُ من شيءٍ إلَّا شانه) (رواه مسلم)، وقصَّ على أمته قصة الرجل الذي أحسن إلى الكلب وسقاه، فشكرَ اللَّهُ لهُ فغفرَ لهُ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها فشرِبَ، ثمَّ خرجَ فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ فقالَ الرَّجُلُ لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي فنزلَ البئرَ فملأ خفَّهُ ثم أمسَكهُ بفيهِ فسقى الكلبَ فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ فقالَ: في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ) (رواه البخاري).
كما دعى النبي إلى الإحسان إلى الحيوان في السفر، حيث كان الحيوان يمثل وسيلة السفر لدى العرب آنذاك، لذا أكَّد النبي على عدم إرهاقه والإساءة إليه، وأكَّد على وجوب مَن يركب الدابة في السفر أن يحسن إليها، ومن مظاهر ذلك الإحسان أنه علَّم أصحابه إذا نزلوا في السفر ألا ينشغلوا بالصلاة، حتى يُنْزِلُوا الرحالَ والأحمال عن الدوابّ فأية عظمة هذه وأية حضارة عظيمة هذه التي أرساها رسول الإنسانية!!.
ولأن الدواب التي تسير في الصحراء وغيرها كانت تتغذى من الطريق، فقد أمر (صلى الله عليه وسلم) مَن يركبونها بأن يراعوا ذلك، وكانت أوامره واضحة أنه حين يسيرون في طريق خصب فلا يُسرعوا؛ حتى تأخذ الدابة حقها من الطعام، وحين يسيرون في طريق مجدبة لا تجد فيها الدابة ما تأكله، فعليهم أن يسرعوا في المسير حتى لا تجوع الدواب وحتى يصلوا إلى أماكن أخرى للطعام، فأية عظمة أعظم من هذا الرشد الحضاري الذي أرساه معلم البشرية الذي جاء لإصلاح الكون والحياة!.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد شدد في النهى عن إيذاء الحيوان، ونهي عن التمثيل به، ونهي عن وسم الحيوان في وجهه، وحرَّم حبسه وتجويعه، ونهى أيضا عن اتخاذ الحيوان هدفًا للرمي حين يتعلمون الرماية بتصويب السهام والنبال وغيرها على الحيوانات، ونهى بشكل مطلق عن اتخاذ ظهر الدابة منبرًا فيخطبون عليه، أو يتناشدون الشعر وهم على ظهرها وكان ذلك ديدنهم وقتذاك في منتدياتهم وتجمعاتهم فنهاهم (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، ونهى عن تجويع الحيوان أو الإثقال عليه،
وبلغ النبي في رعاية الحيوان والاهتمام بعاطفة الأبوة والبنوة حتى لدى الحيوان أنه نهى عن التفريق بين الأم وفراخها، كما حرم حرق الحيوان بالنار، فعن عبد اللَّه بن مسعود قالَ: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ (صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ) في سَفَرٍ، فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَرةً معَها فرخانِ فأخذنا فَرخَيها، فجاءتِ الحُمَرةُ فجعلت تفرِشُ، فجاءَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: (من فجعَ هذِهِ بولدِها؟ ردُّوا ولدَها إليها) ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها فقالَ: (مَن حرَّقَ هذِهِ؟) قُلنا: نحنُ، قالَ: (إنَّهُ لا ينبَغي أن يعذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ) (أخرجه الألباني في صحيح أبي داود).
فأية حضارة تلك التي جعلت الرحمة والإحسان ومراعاة نفسية الحيوان الأعجم مطلبًا دينيًّا يحاسبون عليه!!، وإن الدعوة الصريحة بالإحسان إلى الحيوان واحترام مشاعره عند ذبحه، والبعد عن تعذيبه جسديًّا بسوء اقتياده للذبح, أو برداءة آلة الذبح، أو كان التعذيب نفسيًّا برؤية المدية -السكين-، لمن أبرز تجليات رحمة الحضارة الإنسانية التي أسسها رسول الإنسانية الذي قال: (إنَّ اللهَ كتَب الإحسانَ على كلِّ شيءٍ… وإذا ذبَحْتُم فأحسِنوا الذَّبْحَ ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه ولْيُرِحْ ذبيحتَه) (صحيح ابن حبان)، وببعثته الشريفة (صلى الله عليه وسلم) حُقَّ للحيوان أن ينعم بالأمن والأمان، والراحة والاطمئنان، ولمَ لا وهو الذي جاء لإصلاح الكون والحياة.
حقوق الخدم:
كان في بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) خدم، وكان أشفق عليهم من أنفسهم، بل إنه أبلغ في الإحسان إليهم ومراعاة مشاعرهم، يقول (صلى الله عليه وسلم): (إخوانُكم خَوَلُكم، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديِكم، فمن كان أخوه تحتَ يدِه، فلْيُطعِمْه مما يأكُلُ، وليُلْبِسه مما يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم) (أخرجه البخاري)، ولقد عامل خدَمه أرقى معاملةٍ، فجعلهم يشعرون بإنسانيتهم وكرامتهم ومكانتهم بعد أن عانوا كثيرًا من الذل والهوان قبل الإسلام.. كان حليمًا (صلى الله عليه وسلم) بهم فيوّجه من أخطأ منهم ولا يعاقبه.. ويشفع لمن استشفعه منهم.. ويرحم من يمرض منهم ويزوره في بيته.. وكان يقبل عملهم مهما كان.. ويعفو عنهم ويدعو للصفح عنهم، ويعظ من يضرب خادمه ويحذره من عقاب الله، فعن سيدنا أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: (خدَمتُ النَّبيَّ عشرَ سنينَ فما قالَ لي: أفٍّ قطُّ أو قالَ: ولا قالَ لِشيءٍ قطُّ صنعتُهُ : لِمَ صنعتَهُ ؟ ولا قالَ لشيءٍ ترَكْتُهُ : لِمَ ترَكْتَهُ ؟ وَكانَ أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا…) (رواه البخاري).. عشر سنين لم يصدر فيها –ولا في غيرها- كلمة أف -ولا غيرها- وهي أقل كلمات الضجر.. ولاغرو في ذلك فهو المعصوم (صلى الله عليه وسلم).
الإبداع في معاملة الجيران والإحسان إليهم:
وضع النبي الكريم أسسا ومبادئ للرشد الحضاري، ولقد كانت حقوق الجيران في منهج النبي من أسمى الحقوق؛ لأنه يعلم ما يترتب على هذه الجيرة من عيشة هنية أو تعيسة، فكم تشتكي العائلات في حياتنا المعاصرة من مشكلات الجيرة وأذى الجيران؟؛ وكم من جار سيئ أسهم في تهجير كثير من الأسر؟. إن أمل النّاس أن يعيشوا في منطقةٍ تخلو من مشكلات الجيران؛ لذلك أكّد النبي الكريم على حسن الجوار، وجعل من شروط دخول الجنّة أن يبتعد المسلم عن إيذاء جاره (لا يَدخُلُ الجنَّةَ مَن لا يَأمَنُ جارُه بوائقَه) (أخرجه مسلم) وبوائقه أي شروره ومهالكه، بل إنه جعل من شروط الإيمان وصحّته أن يحسن المسلم إلى جاره، وأقسم النبي الكريم على ذلك ثلاث مرات؛ ليؤكد للعالمين أن هذا الأمر من الخطورة بمكان، فقال: (واللَّه لا يؤمِنُ، واللَّه لا يؤمنُ، واللَّه لا يؤمنُ . قيلَ : ومن يا رسولَ اللَّه ؟ قالَ : الَّذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه) (أخرجه البخاري).
ولعظم أمر الجيرة فقد أرسل الله تعالى سيدنا جبريل عليه السّلام إلى نبينا الكريم ليوصيه بالجار أكثر من مرّة حتّى ظنّ النّبي أنّه سيورّثه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما زالَ جِبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ يورِّثُهُ) (أخرجه البخاري).
لذلك فإن من وجوه الإحسان إلى الجار من واقع تطبيق النبي لها، أن يتذكّر المسلم جاره في كلّ مناسبة، وأن يحفظ جاره في أهله وزوجته وماله كما يحرص على حفظ أهله وخاصة بيّته، وقد عدّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام من بين أعظم المنكرات من الأعمال أن يزني المرء بحليلة جاره، فعن المقداد بن الأسود قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِهِ (ما تقولون في الزنا قالوا: حرامٌ حرَّمَهُ اللهُ ورسولُهُ فهو حرامٌ إلى يومِ القيامَةِ، قال: فقالَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) لأصحابِهِ: لَأَنْ يزْنِيَ الرجلُ بعشرِ نسوةٍ أيسَرُ عليه من أنْ يزْنِيَ بامرأةِ جارِهِ، قال: فقال ما تقولونَ في السرقَةِ قالوا: حرَّمَها اللهُ ورسولُهُ فهيَ حرامٌ قال لَأَنْ يسرِقَ الرجلُ من عشرةِ أبياتٍ أيسرُ عليه من أنْ يسرِقَ من جارِهِ) (أخرجه الإمام أحمد).
ويحفظ التاريخ قصة الجار اليهودي الذي كان يعيش بجوار النبي وكان يؤذي النبي ويضع القاذورات أمام بيته، فلما استفقد النبيُّ هذا اليهوديَّ قام بزيارته، فإذا هو مريض يشكو علّةً في جسده، فقال له اليهودي كيف علمت أنّي مريض، فحدّثه النّبي أنه استفقد ما كان يجد من أذاه، فاستحيا اليهودي منه (صلى الله عليه وسلم) ونطق بالشّهادتين ليموت على الإسلام، وهكذا رسخ النبي الكريم قاعدة سلوكية مهمة وهي قاعدة: (الدِّينُ المعاملةُ).
معاملة أولاده وأحفاده وأطفال المسلمين والتربية المثالية:
أما أبوة النبي عليه الصلاة والسلام فكانت تحمل كل معاني الرحمة والعطف والحنان والرعاية والحب، فكان يفرح جدا بقدوم المولود، وكان يذهب الى بيت فاطمة (رضي الله عنها) ويسأل عن ولدها الحسن ويعانقه ويقبّله.. ولما سأله الصحابة عن إطالته السجود قال ابني -أي حفيدي- ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.. وكان يُقبِّل الأطفال، ويمسح على رؤوسهم، وفي ذات مرة قبَّل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحسنَ بنَ عليٍّ وعِندَه الأقرَعُ بنُ حابسٍ التميميُّ جالسًا، فقال الأقرَعُ : إن لي عشَرةً من الولَدِ ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظَر إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم قال: مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ) (أخرجه البخاري).
وكان عليه الصّلاة والسّلام يحبّ أولاده ومن بينهم السّيدة فاطمة (رضي الله عنها) تقول عائشة رضي الله عنها: (كانت فاطمةُ رضِيَ اللهُ عنها إذا دخل إليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قامت إليه فأخذت بيدِه وقبَّلته وأجلسته في مَجلسِها, وإذا دخلت عليه قام إليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخذ بيدِها وقبَّلها وأجلسَها في مجلسِه) (أخرجه أبو داود والترمذي).
وكان يسعد برؤية الحسن والحسين حفيديه ويحتضنهم ويقبّلهم ليس في البيت فقط، بل حتّى وهو يلقي خطبته على المنبر، حيث نزل من على المنبر وحملَهما ليعلم المسلمين الرحمة بالأطفال، وأن الطفل هو اللَّبِنة الأولى في المجتمع، وأنّ على عاتق الوالدين، والمعلمين، والمُربين، والمجتمع مسؤولية كبيرة جدا تجاه هذا الطِّفل من التَّربية، والتنشئة، والتعليم والتعلم، والتَّقويم المستمر؛ لذلك أكد النبي على مجموعة من القواعد ومنها: أنه كان يتعامل مع الأطفال بالرِّفق واللِّين، ويُحسن إليهم ويحملهم معه على دابّته ويعلمهم كما فعل مع عبد الله بن عباس، ويحرص على مجالسة الأطفال في مجالس الكبار؛ ليتعلموا منها الحكمة، وكيفيّة التَّصرف في المواقف ومشاركةُ الأطفال ألعابهم، واهتماماتهم، ومشكلاتهم، ومخاوفهم، وكان يساوي بينهم في المعاملة والعطاء، والرَّأفةُ بحالهم، وحملهم إنْ عجزوا عن السَّير، وسؤالُ الطفل عن حاله، وعن احتياجاته دون تعنيفٍ أو إهمالٍ لما يقول، والسماحُ له بممارسة حقه في اللهو واللعب؛ فتلك فطرة جُبِلَ عليها، ويحرص على السلام على الأطفال، وأيضا مناداة الطفل بالكنية حيث كان يُسمّي الطفل بأبي فلان؛ وذلك من شأنه إشعار الطفل بأنه كبير وله شخصيته ومن ثم يربي فيه معالم الرجولة بمعناها الشامل حتى يُمكن الاعتماد عليه، كما دعا إلى تَجنب ضرب الطِّفل، وخاصّة على الوجه، ونهى الوالدين عن الكذب على أطفالهما.
الجوانب العاطفية في حياة النبي مع زوجاته:
وعن الجوانب العاطفية في حياة النبي مع زوجاته يقول الدكتور أحمد علي سليمان استطاع النبي الكريم بسمو أخلاقه أن يأسر قلوبَ كلّ مَن تعامل معه، فكان على الرغم من التزاماته الكثيرة، ومشاغله الكبيرة، وعلى الرغم من أنّه كان قائدًا للدولة، ومبلغًا للرسالة، وقائدًا للجيش، ومعلّمًا للنّاس، فإنّه كان حريصًا على الوفاء التام بحقوق زوجاته، وأهل بيته.. فكان هينًا لينًا.. حنونًا رحيمًا يعطف على أزواجه.. ويهتمّ باقل حقوقهنّ، وكان يتجمّل لهنّ، ويحرص على استعمال السواك بصورة دائمة؛ حتى لا تظهر رائحة أكله لزوجاته، ولمّا سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن حال النبي في بيته، أجابت: (كان في مِهْنَةِ أهلهِ، فإذا حضرتِ الصلاةُ قامَ إلى الصلاةِ) (أخرجه البخاري)، ولقد رسخ النبي الشورى في بيت النبوة، وكان من ثمراتها شورى أم سلمة التي نجت المسلمين من فتنة في صلح الحديبية.
ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) مثالا في تواضعه ورحمته وبره وعطفه ووفائه وعدله مع زوجاته وأهل بيته.. لقد توغل النبي في فهم شخصية المرأة وفي أعماقها الرقيقة.. يناجيها بدفء العاطفة، ويعينها على العمل لدينها ودنياها.. فاستطاعت المرأة بتوجيهاته الجليلة، أن تصلح ما بينها وما بين ربها، فأصلح الله أمر دينهم ودنياهم، وتؤكد السيدة عائشة (رضي الله عنها) هذه المعاني بقولها: (ما ضرَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيدِه شيئًا قطُّ إلَّا أنْ يُجاهِدَ في سبيلِ اللهِ، وما ضرَب امرأةً قطُّ ولا خادمًا له قطُّ) (صحيح ابن حبان).. وكان (صلى الله عليه وسلم) يوصي بالنساء خيرا فيقول: (خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأهلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي) (أخرجه الترمذي).. لقد كان النبي زوجا وأخا وأبا وصديقا لكل زوجاته، وكان يقابل إساءتهن بالإحسان، ويحث أتباعه على الرفق بهن، وورد أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في سفَرٍ، وكان غُلامٌ يَحدو بهنَّ يُقالُ له أنجَشَةُ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (رُوَيدَك يا أنجَشَةُ سَوقَك بالقَواريرِ) (أخرجه البخاري)، والمعنى رفقا بالقوارير، فما أعظم وما أبلغ هذا التعبير النبوي الراقي!! حيث شبه النساء في رقتهن وخلقتهن بالزجاج الرقيق في إشارة منه إلى ضرورة معاملتهن بالرفق واللين..
فكان يحنو على زوجاته أيما حنو، ويرحمهم أيما رحمة، ويخفف آلامهم وهمومهم وأتعابهم ويعلمهم ويساعدهم في شتى الأعمال.. ولم يدخر وسعا في ذلك، والنبي (صلى الله عليه وسلم) على جلالة قدره وعلو منـزلته عند ربه – سبحانه وتعالى -، كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويساعد زوجاته.. ويعمل في شؤون بيته، وكان دائما ما يدعو إلى الفهم الصحيح لطبيعة النساء بقوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ النساءَ شقائقُ الرجالِ) (أخرجه الترمذي في سننه) ومن ثم لا تصح الحياة أبدا بشق دون آخر. بل جعل الذي يكرم النساء بأي صورة من صور الكرم- كريمًا، وكانت حياته سهلة ويسيرة وبعيدة كل البعد عن التعقيد والجمود، كما كانت حياته مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأهل بيته نموذجا متكاملا يجمع بين الجلال والوقار واللين والدلال والمداعبة، وكان يحرص على الملاطفة والدلال والعاطفة في حياته الزوجية، ومن ذلك نداء الزوجة بأحب الأسماء إليها.. أو تصغير اسمها للتلميح والتليين والرفق، فعلى سبيل المثال كان (صلى الله عليه وسلم) يقول لعائشة (رضي الله عنها): (يا عائشُ، هذا جبريلُ يقرئكِ السَّلامَ . فقلتُ : وعليهِ السَّلامُ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُهُ)(أخرجه البخاري).
تجاوز القواعد والبوح بمكنوناته:
سألت السيدةُ عائشة النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) قائلة: كيف حبك لي؟ فقال: “كعقدة الحبل” ثم سألته: كيف العقدة، فقال: “على حالها” أي لم تتغير أي أن الحب ما يزال مربوطًا في قلبه (صلى الله عليه وسلم).
للرجل طبيعته الخاصة في التعبير عن مشاعره بخلاف المرأة؛ فالمرأة إذا أرادت أن تعبر عن حبها لزوجها تقول له: (بحبك.. اشتقت إليك…..) بخلاف الرجل؛ فإذا أراد أن يعبر عن حبه لزوجته، يأتي لها بهدية أو يجلب لها بعض المأكولات والمشروبات.. وهكذا..
ومع ذلك فقد تجاوز النبي (صلى الله عليه وسلم) هذه القاعدة وأباح بحبه وعاطفته لعائشة (رضي الله عنها).. ولهذا روى ابن عساكر عن السيدة عائشة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لها: (ما أبالي بالموت، وقد علمت أنك زوجتي في الجنة).
وإن المدقق في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) في بيته ومع زوجاته يجد أن هناك معان كثيرة نحن بأمس الحاجة إليها في واقعنا المعاصر ولو استلهمنا معانيها وطبقناها لأسهمت في استقرار حياتنا وبيوتنا.. ولعالجت قضايا كثيرة جدا ومن بينها قضايا: (الطلاق، والعنوسة، والعنف الأسري، والخيانات الزوجية، وسوء التربية… وغيرها كثير).
وفي نهاية الحلقة أكد على أهمية الاقتداء بالنبي عليه السلام، ذلك لأنّ التربية على حبه من أهمّ أسس التربية التي لها دورٌ كبيرٌ في تكوين الشخصيَّة الإيمانيّة الصحيحة، التي تنثر الخير وتبذره في كل مكان، ومن ثم يتحقق فينا قول الله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..) (آل عمران: 110).

اترك رد