مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

كورونا والبكاء على اللبن المسكوب

5

بقلم – الدكتور أحمد عيسى:

حزنت كثيرا أثناء متابعتى لتطور الوضع فى الصين بعد معرفتى بوفاة الطبيب الشاب الذى يعتبر أول من أكتشف فيروس كورونا وحذر منه وما زاد حزنى هو معرفتى  بتلك الإجراءات القمعية التى أنتهجها بعض رجال شرطة ووهان نتيجة تقديرات خاطئة منهم للموقف  مع الطبيب الشاب لى وين ليانغ والذى يبلغ من العمر 34 عاما ظنا منهم أنه يروج الشائعات ويقصد إفتعال أزمة إعلامية، وقامت بإعتقاله بعد ثلاثة أيام من إرساله رسالة لبعض أصدقائه الأطباء يحذرهم فيها من ظهور مرض غريب على إحدى الحالات فى ووهان وكان يظن الطبيب أنه فيروس سارس وذلك فى ديسمبر المنصرم .

وتعتبر الشرطة الصينية من أكثر الأجهزة القمعية على مستوى العالم ووفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز فإن الولايات المتحدة والعديد من الدول تستخدم تقنيات الماسحات الضوئية وقواعد بيانات الوجه وبصمات الأصابع وغيرها كأدوات لتتبع الإرهابيين أو تجار المخدرات ، لكن المدن الصينية تستخدمها كلها لتعقب الجميع وليس فئة المجرمين فقط ، بما يعنى إختفاء مبدأ الخصوصية الشخصية .

وفى مدينة ووهان على وجه الخصوص قالت الشرطة فى وثيقة مشتريات إنها تريد أنظمة تعقب يمكنها أن (تجمع بشكل شامل هوية جميع مستخدمى الإنترنت فى الأماكن العامة ،وسلوكهم على الإنترنت ومواقعهم ،وحركتهم ،وتحديد معلومات حول هواتفهم ) .

ويبدو أن المجتمع الصينى أصبح معتادا على هذا التشدد ،فلم يندهش السكان عندما أخبروا أنهم سيصبحون تحت نظام مراقبة متطور .

وكان الطبيب ليانغ وهو طبيب عيون قام بعمل عملية إزالة الجلوكوما من إمراة صينية وأثناء قيامه بالعملية لاحظ أعراض إرتفاع درجة الحرارة للمريضة والرشح والعطس والسعال ، مما جعله يرسل رسالة تحذيرية لزملائه بأنه يشتبه بحالة سارس لإمرأة تعالج عنده ، وهو ما تتبعته شرطة ووهان وقامت على إثرها بإقتحام منزله ليلا هو وكل من تلقى الرسالة التحذيرية من زملائه الأطباء .

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

ووجهت لهم تهمة نشر شائعات تضر بأمن وسلامة البلاد ، وقامت الشرطة بإخضاعه هو وزملائه للتحقيقات وأخذ إقرار عليهم بأنهم قاموا بنشر أخبار كاذبة ثم أطلقت سراحهم ، وبعدها كان أى طبيب يشتبه فى حالة سارس لا يتحدث أو يبلغ أو حتى يتخذ إجراءات وقائية خوفا من تعرضه للإعتقال مثل الطبيب لى وزملائه .

وما هى إلا أيام حتى أصبح الأمر كارثى وتم إكتشاف الحقيقة بأن الوباء ليس سارس ولكنه كورونا ، وكان الطبيب قد أصيب دون أن يعلم من تلك السيدة التى قام بعمل عملية الجلوكوما لها .

والأن وبعد وفاة الطبيب الذى يعد أول من حذر من كورونا والذى لاحظ أعراضه على مريضته ، تجتاح الصين موجات إحتجاج وسخط من هذه الطريقة القمعية التى تعاملت بها الشرطة الصينية مع الطبيب وزملائه .

وكانت المحكمة العليا فى الصين الأسبوع الماضى طبقا لتقرير جريدة  Mirrorقد أنتقدت شرطة ووهان لمعاقبتها الطبيب وزملائه والتى أطلقت عليهم (المشاغبين ) ، وقال حكم المحكمة ” ربما كان من حسن الحظ إحتواء فيروس كورونا الجديد ، إذا كنا أستمعنا إلى هذه الشائعات ،فى ذلك الوقت ،وإعتماد تدابير مثل إرتداء الأقنعة ،والتطهير الصارم وتجنب الذهاب إلى سوق الحياة البرية ” .

والأن أعزائى القراء أعتقد أن مقدار الحزن الذى أصابنى قد أصابكم أيضا بعد الإضطلاع على هذه الحقائق المزعجة والتى جعلتنى أحمد الله أننى نعيش فى بلادنا العربية فى ظل أنظمة شرطية تتمتع بقدر عالى من الإنسانية خاصة بعد إستحداث قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية وتمكين هذا القطاع فى مراقبة كل ما يجرى من إجراءات مع المواطنين .

وأحمد الله ثانية على نعمة كوننا فى بلادنا العربية نتمتع بلحمة قوية بين الشعوب وأجهزة الشرطة فى مختلف الدول خاصة بعد الشعور بقيمة الشرطة أثناء غياب الأمن فى ظل الإضطرابات السياسية التى طالت العديد من بلادنا العربية .

وأوجه رسالة إلى كافة الدول لأخذ العبرة من قصة الطبيب لى وتعامل شرطة ووهان معه بهذا الشكل الذى أضر بالعالم أجمع حتى لا نبكى على اللبن المسكوب .

وإلى اللقاء فى مقال جديد .

اترك رد