مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قرض استثماري.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح

8

قرض استثماري!!

قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح

تحدثنا فيما سبق عن مشروع استثماري يقوم به صاحب المال وحده إذا كان قادرا على القيام بالمشروع وحده أو بمشاركة غيره حين يكون ما يملكه من مال لا يكفي للقيام بالمشروع منفردا، واليوم نحدثكم عن إنسان لا يملك شيئا من المال يعينه على القيام بهذا المشروع أو غيره، وهذا الإنسان من واقع حبه للخير يسعى إلى طلب قرض استثماري، بأن يكون العمل والجهد من جانبه، والمال ممن يملك المال ولا يحتاج إليه الآن، فيقرض أخاه المسلم قرضا حسنا يعيده إليه بعد مدة من الزمن، والوسيط بين صاحب المال (المُقْرِض) والمقترض هو الله تعالى، الذي سوف يكون شهيدًا ووكيلا على هذه المعاملة المباركة، يقول تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم» (الحديد: 11).

الدراسة (دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع) التي يتقدم بها طالب القرض الذي يسعى إلى الخير له ولمن ييسر له إقامة مثل هذا المشروع، هذه الدراسة تبين وتؤكد نجاح المشروع، وأن هذا المشروع فوق ما يحققه من نجاح ومن أرباح وعوائد فإنه مضمون السداد؛ لأن الضامن هو صاحب المال الحقيقي الذي يملك خزائن الدنيا والآخرة، ولقد حرص أصحاب هذا المشروع على أن يضعوا في أعلى صفحة في الدراسة الآية الكريمة: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون» (البقرة: 245).

إنه استفتاح خير وبركة جاءت الإشارة إلى الأرباح بأساليب كثيرة ومشجعة في قوله تعالى: «فيضاعف له» و«أضعافا كثيرة» المضاعفة لا تقف عند حد، فيكفي أن يقول الحق سبحانه وتعالى: «فيضاعف له» حتى يطمئن المشاركون في هذا المشروع إلى ضمان نجاحه، بل وتفوقه على المشاريع الأخرى التي لا يكون الله تعالى هو الوسيط والضامن لنجاحها، إنه مشروع ناجح بلا ريب، بل يفوق في أرباحه وفي ضمان رأس ماله غيره من المشاريع.

لقد وصف الحق سبحانه وتعالى وهو الوسيط في هذا المشروع الأرباح المتحققة من هذا المشروع بأنها أضعاف ووصفها أيضا بأنها كثيرة، ولننظر إلى تنامي الخير في هذا المشروع، فأهل اللغة يقولون إنه عندما تنَكّر الكلمة تفيد الكثرة، فإذا وصفت هذه الأضعاف بأنها كثيرة، ونلاحظ هنا تنكير كلمة كثيرة، فسوف نجد ضخامة العوائد، فكلمة الضعف منكرة وفي صيغة الجمع، وجاءت كلمة كثيرة منكرة أيضا، فهل هناك عطاء أعظم من هذا العطاء، ونجاح وتوفيق أرجى من هذا التوفيق وذاك النجاح؟ وهذا يشجع اصحاب المشروع، سواء المقرضون أو المقترضون، على الدخول في مشاريع جديدة، حيث يقوم المال بوظيفته الحقيقية، ويتم دورته التي وجد من أجلها ولم تتعطل هذه الوظيفة باكتنازه في الخزائن. ولقد حذر الحق سبحانه وتعالى وهو الرزاق وصاحب المال الأصيل من الاكتناز، وتوعد من يفعل ذلك بالعذاب الشديد، قال سبحانه وتعالى: «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)» (التوبة).

فالحذر الحذر من اكتناز المال، وتعطيل حركته ودورته في الحياة ضنا به على النفس قبل أن يكون على الآخرين، فالذين يكنزون الأموال في الخزائن ولا يتمتعون بها يعيشون عيشة الفقراء، ويحاسبون يوم القيامة حساب الأغنياء، لأن الله تعالى إذا وهب حاسب، وإذا سلب ما وهب أسقط ما وجب، فلا يفرح الإنسان بالمال حين يأتيه ولكن يفرح حين يوفقه الله تعالى إلى استعماله في وجوه الخير.

والسؤال: كم من المشاريع التي تستطيع أن تحققها بالقرض الحسن مع ضمان عودة رأس المال إليك؟ والجواب هو: المشاريع التي من الممكن أن نحققها بالقرض الحسن كثيرة مع احتفاظك بمالك، وبعدد المرات التي تقرض فيها القرض الحسن يكون عدد المشاريع، وعدد فرص العمل التي توفرها لطلاب العمل، ومن ثم تتحقق وتتكامل وظيفة المال ويتم دورته في المجتمع بنجاح.

والخلاصة التي ننتهي إليها بعد هذا العرض الموجز حول المشاريع الناجحة المضمونة الربح، ورأس المال، والمشاريع المضمونة الخسارة وما يلحق صاحبها من عقوبة مشددة يوم القيامة، والإنسان خلق مختارا بين هذا وذاك وسوف يحاسب بحسب اختياره، فإن كسب ناله من حلال وأنفقه في وجوه الخير فإنه سوف يدخل الجنة وينعم بنعيمها، وإن كان مكسبه من حرام وإنفاقه في الحرام فسوف يخسر خسرانا كبيرا، ونعوذ بالله تعالى من أن نكون من الفريق الثاني، ونسأله جل جلاله أن يحشرنا مع الفريق الأول أصحاب الجنة، لنكون مع الصحبة المباركة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

اترك رد