مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

عدالة السماء

6

بقلم : حياة الحفيان ، تونس:

قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

قد تسيطر الفكرة الماكيافلية التي تقر بأن الإنسان جاحد وشرير وغبي وربما منافق وطماع على الواقع اليومي الذي لا يخلو من الرتابة القاتلة والتي بتنا نقف أمامها مستسلمي ومهزومي الإرادة فكيف لهذا الكائن الطماع والمنافق والشرير على حد سواء أن يمتلك زمام الأمور ليشرع قوانين ردعية لكل هذا الشر الذي يحمله بداخله؟ وكيف له أن يكون ذلك “الكائن المسؤول” امام ذاته وأمام الاخر بل وأمام الطبيعة؟ ولو كان الإنسان فعلا صورة لكل تلك الشرور فلم يمنحه الإله مسؤولية تعمير الكون وهي مسؤولية عظمى تجاوزت كل المخلوقات لتختار الإنسان سيدا لها؟
فمتى يمكن اذا لهذا الإنسان بلوغ مرتبة المسؤولية؟ تبدا المسؤولية في إدراك تلك القوة المسالمة التي خلقها الإله داخله والعمل على إثباتها من خلال تعمير الارض تعميرا طيبا دونما الإفساد فيها ومن ثم إدراك تلك القوة العنيفة التي لم يخلقها الإله داخل الذات البشرية والتي وحدها هذه الأخيرة اكتسبتها من خلال التجارب الحياتية والوقائع اليومية فما من أحد قد خلق وهو شرير وجاحد كلنا خلقنا بلا اخطاء وبلا خطايا خلقنا لنكون “خيرا مطلقا” ذاك الخير الذي وحده قادر على طرد تلك القوة العنيفة التي قد تملكت بنا والتي بوجودها يستحيل على الإنسان بلوغ اسمى اهداف المسؤولية وهي تحقيق العدالة الإنسانية على أرض الإله، وبالرغم من أن هذه العدالة تبقى محدودة ودنيوية وخاصة قابلة للخطأ فليس كل من ثبت انه مجرم قد اجرم فعلا في هذه الدنيا، فهناك كثيرون راحوا ضحية لعدالة انسانية قاصرة أو ظالمة وإنه لمن المفارقة الصعبة أن نتكلم عن عدالة قاصرة أو عدالة ظالمة غير أن الواقع البشري يبقى واقعا ناقصا ربما لأن الإنسان كائن ناقص ولأن الإله اختار الكمال لنفسه دون ان يمن به أحد سواه، وقد يكون هذا الاختيار اعتباطيا أو ربما مقصودا من إله كامل لإنسان ناقص حتى يعري عجز البشر عن بلوغ مراتب الكمالية وخاصة تعرية ضعفهم و وهنهم في تحمل مسؤولية نشر الخير و بث العدالة ليجعلهم أكثر إيمانا بالحياة الأخرى وربما أكثر تشبثا ويقينا بها، فإن لم تتحقق العدالة هنا فستتحقق يوما ما في مكان ما وفي حياة ما وإن كانت غير هذه الحياة، ورغم جهدنا الجهيد في بلوغ العدالة فإننا نقف، ولا أدري إن كان قدرا أو صدفة أو بمشيئة إلهية، عاجزين ومذهولين أمام قضايا معقدة لا تفسير لها وكأنه مقدر علينا أنه كلما اقتربنا من بلوغ الحقيقة إلا وازدادت الحقيقة غموضا وتعقيدا، فكم من حالة وفاة وقف العلم أمامها عاجزا و واهنا دون أن يبسط نفوذه على عالم الغموض ليفك شفراته، وبالرغم من يقيننا التام بأن العدالة التي نركض وراءها عدالة قاصرة من شأنها أن تبث الظلم والخراب عوض العدل والحق فإننا نتشبث بها حتى آخر نفس و عزاؤنا الوحيد هو أن نصيب حتى وإن كانت نسبة الخطأ فيها تسعة وتسعون بالمئة، فنرى ذلك القاضي يجتهد في تحقيق واجبه القضائي ونشر العدل بين الناس ولكن القاضي يبقى إنسانا والإنسان ناقص بطبعه من شأنه أن يصيب كما من شأنه أن يخطئ وإنها لمسؤولية عظمى أن يضعها القاضي على عاتقه في بحثه عن الحقيقة، مسؤولية من شأنها أن تحقق العدل كما من شأنها أن تبث الظلم والقهر، وقد تعتبر هذه العدالة التي يحاول الإنسان نشرها ترجمة جزئية لعدالة إلهية مطلقة غير قابلة للخطأ في واقع ديستوبي بإمتياز، واقع مرير تسوده الفوضى ويحكمه الشر المطلق، فيجد الإنسان نفسه مصدرا أوليا لهذا الشر ومحاربا له في آن واحد وأمام هذه الحرب التي تشنها الذات على الشر الذي يسكنها والباحثة لنفسها عن الخلاص من الفوضى التي تبثها تلك الأفكار الشريرة تقف العدالة وهي مضطربة و متناقضة تبحث عن التوازن لنفسها أو بالأحرى نجد أنفسنا إزاء عدالة مغتربة و ناقصة وذلك لما يشهده الواقع البشري من مظالم عتيدة فرضها الإنسان على الإنسان، فعن أي عدالة يمكننا الحديث ونحن نكتفي بوقفة المشاهد الوفي أمام ما تبثه الوسائل الإعلامية والإخبارية من أشلاء اطفال زج بهم الواقع المرير داخل حروب مقيتة لا ذنب لهم فيها، لنجد بذلك أنفسنا نعيش داخل واقع يعج باغتصاب يومي، اغتصاب جسدي ومعنوي وحتى فكري ولا شيء معنا لمقاومة كل هذه المظالم عدا بحثنا المستمر عن عدالة إلهية كاملة ومطلقة ولكن يبدو أن العدالة الإلهية تأبى أن تتحقق داخل مجتمع انساني يكتظ “بفساد الإنسان” دون أن يعكس “إنسانية الإنسان” التي سرعان ما عملت شرور الأنانوية على تدميرها فكان عقاب الإله لها بزجها داخل أسوار عدالة قاصرة تقوم على النسبية والجزئية وليحرمها بذلك من عدالتة المطلقة وربما في ذلك دعوة خفية إلى ضرورة الإيمان المطلق بوجود الحياة الأخرى التي فيها فقط من شأن الإنسان معانقة العدالة الحق بعدما أن انتصرت القوة العنيفة على القوة المسالمة التي خلقها الإله داخله وقد يصل بالبعض منا إلى حرق أجسادهم كحركة تعبيرية لا تخلو من القساوة البتة لأجل الظفر بقليل من العدالة والتي في الحقيقة ليست سوى عدالة قاصرة ومحدودة لكائن ناقص في أرض الإله الكامل
 

اترك رد