مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ثقافة الأمان النووي قضية جوهرية فى محطات الطاقة النووية

6

بقلم – الدكتور على عبد النبي:

التعلم من تجارب الماضي، والاعتماد على الخبرات المكتسبة والمتراكمة طوال السنوات السابقة، أدى إلى تحسين وتطوير التكنولوجيا. وتكنولوجيا الطاقة النووية لتوليد الكهرباء لها خبرات متراكمة أكثر من ستين عاماً، “خبرة فى تشغيل وصيانة المحطات النووية، وخبرة فى إصلاح الأعطال، وخبرة فى مواجهة ومجابهة الحوادث والكوارث النووية”.

والمحطات النووية تعتمد على “الأمان النووي”، والأمان النووى شغله الشاغل هو حماية العاملين فى المحطة النووية، وحماية الناس والبيئة من أضرار المواد النووية المشعة. ومع بداية التعامل مع المواد النووية، وضعت معايير للأمان النووى. ومع تطور التكنولوجيا النووية تطورت معها معايير الأمان النووى. ونتيجة الخبرات المكتسبة فى المحطات النووية فقد تطور الأمان النووى، بل واتحدت الدول النووية على توحيد فلسفة الأمان النووى فى الجيل الثالث من المحطات النووية. وسبب هذا الاتحاد لم يأتِ من فراغ، لكنه نتيجة ما عانته البشرية من جراء الكوارث النووية، ومنها الكارثة النووية الأولى وهى كارثة محطة “تشرنوبيل” عام 1986 فى أوكرانيا. فقد تعدت كارثة “تشرنوبيل” حدود أوكرانيا، وتأثرت كثير من الدول الأوروبية بالمواد المشعة، فهى كارثة كانت عابرة للدول وعابرة للقارات. وبذلك أيقنت الدول النووية مدى أهمية توحيد فلسفة الأمان النووى.

الأمان النووى عبارة عن: – معايير مكتوبة ومبوبة ومحفوظة – ومنشآت وأنظمة ومعدات وأجهزة – وكوادر بشرية مدربة تدريباً راقياً للتشغيل الآمن للمحطة النووية، ومواجهة ومجابهة الأحداث العابرة، والأحداث الطارئة، والحوادث والكوارث، وهى قادرة على العمل فى جميع الأحوال ومختلف الظروف.

ونظراً لاختلاف الثقافات عند البشر، والتى تتشكل حسب التربية فى البيت والتعلم فى المدرسة والجامعة ومن المجتمع المحيط بهم، فمنهم الصالح ومنهم الطالح، والكوادر المختارة للعمل فى المحطات النووية يجب أن تكون من الصالح منهم.

والكوادر المختارة للعمل فى المحطة النووية مختلفون فى السمات الشخصية – والسمات الشخصية هى أنماط من الأفكار والمشاعر والسلوكيات الدائمة نسبياً والتى تميز الأفراد عن بعضهم البعض – فمنهم ذو سمات شخصية حميدة وقوية ومنهم من ذو سمات شخصية ضعيفة. وفى مجال المحطات النووية لابد وأن يتصف العاملون بسمات شخصية حميدة وقوية فى مجال الأمان، كيف يتم ذلك ؟، هناك حل نجده فى تحليهم بروح ثقافة الأمان النووى.

ثقافة الأمان النووي هى مصطلح يجمع بين مفهومين: الأمان والثقافة: الأمان، هو الحماية من الأذى، ويهدف إلى أمان تشغيل المحطة النووية وتقليل احتمال حدوث حوادث، والعمل على تخفيف تأثير الحوادث المحتمل. والثقافة، وتشمل المعتقدات الجماعية، والقيم، وسلوكيات الأفراد المنتمين إلى منظمة ما، وتشمل القواعد السلوكية والمواقف المشتركة والتقاليد المشتركة وآليات تحفيز وتعزيز السلوكيات المرغوبة.

وثقافة الأمان النووي تم تعريفها على أنها “هي القيم والسلوكيات الأساسية الناتجة عن الالتزام الجماعي من جانب القادة والأفراد للتأكيد على الأمان لضمان حماية الناس والبيئة”. وثقافة الأمان النووى هى من خصائص بيئة العمل، مثل القيم والقواعد والتفاهمات المشتركة التي تؤثر على تصورات العمال ومواقفهم حول أهمية الأمان النووى لحماية الناس والبيئة.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

مفهوم ثقافة الأمان النووى تم استخدامه لأول مرة في عام 1986 استجابة لكارثة تشرنوبيل. ومنذ ذلك الحين، يمكن ملاحظة زيادة الاهتمام في مجال البحوث بثقافة الأمان. هذه الزيادة مدفوعة بحقيقة أنه على الرغم من التحسينات على مر السنين، إلا أن حدوث كارثة محطة “فوكوشيما” اليابانية قد أثرت بالسلب على الثقة فى أمان المحطات النووية، وسلطت الضوء على أوجه القصور في ثقافة الأمان النووى. هذا وقد أظهرت خبرات تشغيل المحطات النووية العلاقة بين ثقافة الأمان والأحداث والحوادث النووية.

فمن نتائج التحقيقات في الأحداث والحوادث التى وقعت في المحطات النووية، نجد أن الأسباب الجذرية للأحداث كانت تتركز فى هذه الأسباب: 1- فهم غير كافٍ للواقع العملي من قبل القادة؛ 2- وعدم كفاية الرقابة والإشراف؛ 3- وفهم غير كافٍ لقضايا الأمان النووي والعمليات في اتخاذ القرارات والإجراءات فى الوقت المناسب؛ 4- وقبول الحالات غير الطبيعية أو الانحرافات؛ 5- وفشل في التعلم من الأحداث السابقة. ومن ذلك يتضح أن العاملين فى المحطات النووية  تقع على عاتقهم مهام جسام، فالخطأ الصغير قد يؤدى إلى كارثة “ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ.

 

والخطر الأكبر هو في محاولتنا فهم ثقافة الأمان بالتبسيط الشديد، ومن الخطأ الاعتقاد بأن ثقافة الأمان النووى هي مجرد الطريقة التي نفعل بها الأشياء، أو أن نقصرها على شعارات المنظمات أو الهيئات أو الشركات. ذلك أن ثقافة الأمان لا تقتصرعلى مختلف المظاهر المرئية مثل السلوك والتعبيرات اللفظية والأشياء المادية.

فالقائد يجب أن يكون مصدر ثقة، والقيادات الرشيدة والقوية والصادقة هى مصدر ثقة للمرؤوسين، فمن خلال البصيرة الثاقبة يستطيع القائد أن يصل إلى الحقائق ويستطيع أن يكافئ المرؤوسين إما بجزاء نظير تقصيرهم فى العمل وإما بمكافآت  نظير اجتهادهم فى العمل، وهذا يتماشى مع نظام المكافآت والعقوبات والذى هو من سياسات الأمان النووي القوية، والذى يعزز السلوكيات لتحقيق النتائج المرجوة.

ونستطيع أن نقول: إذا كان التفاني فى العمل مع الالتزام بمعايير الأمان النووى للعاملين بالمحطة النووية هو السبيل للوصول إلى أمان كافٍ للمحطة النووية، لكننا نجد أيضا أن النجاح فى الوصول إلى أمان كافٍ يكمن فى تطبيق المساءلة الشخصية لجميع الأفراد المشاركين في أي نشاط مرتبط بالمحطة، وعلى جميع المستويات باعتبار أن الترفٌّع عن المساءلة لا محل له فى المجال النووى، وما لذلك من تأثير إيجابى على أمان المحطة النووية. وكذا عندما ترعى الإدارة تطوير “ثقافة الأمان”، وتعزز بيئة عمل مهنية للعاملين في المحطة النووية، بذلك نضمن أن يكون تشغيل المحطة آمناً.

يتحمل العاملون فى جميع مراحل مشروع المحطة النووية، من كبار المديرين إلى أدنى السلم الوظيفى مسؤولية مشتركة لضمان أن تكون ثقافة الأمان لها أهمية قصوى ولها الأولوية. والوقاية من الأحداث والحوادث النووية ومنعها هي أولوية الأمان الأولى لكل من المصممين والمشغلين للمحطات النووية. ويتم تحقيق ذلك من خلال استخدام هياكل تنظيمية ومكونات وأنظمة وإجراءات موثوق بها، في محطة يصممها ويديرها أفراد ملتزمون بثقافة أمان قوية.

وقد حدد المتخصصون النقاط الرئيسية التى تكوّن ثقافة أمان نووى إيجابية، وهى عندما، 1- يظهر القادة التزاماً بالأمان في قراراتهم وسلوكياتهم. 2-  يتم تحديد المشكلات التي قد تؤثر على السلامة على وجه السرعة وتقييمها بالكامل ومعالجتها وتصحيحها على الفور بما يتناسب مع أهميتها. 3– يتحمل جميع الأفراد المسؤولية الشخصية عن الأمان. 4– يتم تنفيذ إجراءات العمل من خلال عملية تخطيط ومراقبة أنشطة العمل بحيث يتم الحفاظ على الأمان. 5- تعطى فرصاً للتعرف على طرق جديدة لضمان الأمان يتم البحث عنها وتنفيذها. 6- يتم الحفاظ على بيئة عمل واعية بالأمان بحيث يشعر الموظفون بالحرية في إثارة مخاوف تتعلق بالأمان دون خوف من الانتقام أو التخويف أو المضايقة أو التمييز. 7- تكون بيئة العمل مبنية على جو من الثقة والاحترام المتبادل، ومشاركة العمال والتواصل المفتوح، والجو الذي يعزز موقف التساؤل مع حل فعال للمشاكل المبلغ عنها، والتعلم المستمر. 8- يتجنب العاملون التراخى، ويكون هدفهم التحدى المستمر للأوضاع القائمة والأنشطة من أجل تحديد التناقضات التي قد تؤدي إلى خطأ أو إجراء غير لائق. 9- يكون للعاملين فى المشروع والمقاولين الحق في تحديد وإثارة القضايا التي تؤثر على سلامتهم وصحتهم أو سلامة زملائهم في العمل بشكل علني ودون خوف من الانتقام. 10- تكون اتصالات الأمان فعالة، والاتصالات تحافظ فى التركيز على الأمان.

ومن ذلك نرى أن ثقافة الأمان معقدة وتتغير بمرور الوقت، وتتأثر بالعوامل الخارجية والداخلية، وعلى ذلك فيجب التقييم المستمر لثقافة الأمان لدى العاملين، وكذا تقييم أنشطة تطوير ثقافة الأمان وتحسينها. والتقييم الذاتي لثقافة الأمان يكون تشاركياً، باستخدام التصورات والآراء والسلوك، وغالباً ما يُنظر إليه على أنه انعكاس ذاتي يكتسب رؤية وفهماً لكيفية رؤية مشغل المحطة النووية للأمان في واقعها اليومي.

الأمن لا ينفصل عن الأمان، ويهدف كل من الأمان والأمن إلى حماية الإنسان والبيئة. وكلا من منظور الأمان ومنظور الأمن يجب أن يكونا راسخين بقوة في ثقافة أمان المحطات النووية، لأنه في النهاية، تهدف كلتا وجهات النظر إلى الهدف نفسه، ألا وهو حماية الناس والبيئة من الأضرار الضارة من آثار الإشعاعات. أنشطة الأمان والأمن متشابكة بشكل وثيق، وهناك العديد من أنشطة الأمان والأمن يكمل بعضها البعض، وعلى ذلك يجب دمج ثقافة الأمان والأمن في أنشطة المراقبة المستمرة والعمل باستمرار على تحسين أساليب تقييم ثقافة الأمان، ومع التأكيد على الحاجة إلى التكامل والتوازن لتحقيق أهداف الأمان والأمن. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك حالات قد تؤدي إلى وجود أهداف متنافسة بين الأمان والأمن، ومن المهم أن يتم تدقيق النظر في هذه الأنشطة حتى لا تؤثر سلباً على أي منهما.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

اترك رد