مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

المصادر الأولية للطاقة فى العالم – بترول وغاز غير تقليدى

0

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

الله سبحانه وتعالى متكفل بأرزاق جميع المخلوقات، من سائر دواب الأرض، “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا …” هود-6. والله سبحانه وتعالى جعل السماء والأرض المخزن الآمن لرزق جميع المخلوقات، “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ …” فاطر-3. ومصادر الرزق كثيرة وهى لا تعد ولا تحصى، ومن أهمها مصادر الطاقة.

حينما نستعرض المشهد منذ بدء الخليقة، نجد أن الصراع على موارد الرزق هو أشد الصراعات ضراوة، سواء كان بين الأفراد أو بين الجماعات أو بين القبائل أو بين الدول أو بين الامبراطوريات. وخير مثال يوضح هذا الصراع في يومنا هذا، هو الصراع على واحد من أهم مصادر الطاقة وهو “الغاز الطبيعى”، والذى تدور رحاياه على الأراضى السورية، حيث يشكل الصراع على ممرات الطاقة ومعابرها، أحد الأوجه الخفية لهذا الصراع. والآن أصبحت مصادر الطاقة وممرات الطاقة تتحكم فى السياسة العالمية.

يمكننا تصنيف مصادر البترول (النفط) والغاز كمصادر تقليدية وغير تقليدية، وهو التصنيف المتبع فى إدارة معلومات الطاقة الأميركية Energy Information Administration-EIA. ولا يختلف النفط والغاز “الغير تقليدي” كيميائياً عن النفط والغاز “التقليدي”. لكن التمييز يرجع إلى موقعهم تحت الأرض أو من الطبيعة غير العادية لخزاناتهم. فالهيدروكربونات التقليدية (نفط وغاز) ، يتم استخراجها بتكنولوجيات الحفر التقليدية والمتبعة فى أبار البترول والغاز، من خلال حفر آبار رأسية للوصول إلى الخزان. أما الهيدروكربونات الغير تقليدية، فيتطلب استخراجها تكنولوجيات أكثر تعقيداً ولم تكن متوفرة من قبل، ومنها الحفر الأفقى والتكسير الهيدروليكي.

أما عن بداية نشأة البترول والغاز الطبيعى فى باطن كوكب الأرض، فالتفسيرات العلمية ترجح أنه ناتج من وجود نباتات وحيوانات مجهرية كانت تعيش فى البحار والمحيطات منذ ملايين السنين. هذه الكائنات المجهرية، كانت تمتص الطاقة من الشمس، وتخزنها كجزيئات كربون فى أجسامها. وعندما ماتت هذه الكائنات المجهرية فقد غرقت وترسبت فى قاع البحار والمحيطات. وعلى مدى ملايين السنين، تكونت طبقة بعد طبقة من هذه الرواسب وغيرها من النباتات والبكتيريا. ونتيجة ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع الضغط الواقع على هذه الكائنات المجهرية لوجودها مدفونة فى أعماق البحار والمحيطات تكوّن البترول والغاز الطبيعى. ودرجة الحرارة هى التى تحدد تشكيل البترول أو الغاز الطبيعى، فمع زيادة درجة الحرارة ينتج بترول أخف فى الوزن، ومع الحرارة العالية يتكون الغاز الطبيعى. وبعد أن تتشكل الهيدروكربونات (البترول والغاز) في الأعماق تحت سطح الأرض في الصخور الرسوبية، تبدأ في الهجرة نحو السطح، وأحياناً تتراكم تحت سطح الأرض في صخور قابلة للاختراق.

الهيدروكربونات الغير تقليدية يمكن أن تكون مخزنة في خزان من الصخر reservoir rock، وعادة تكون صخور الخزان صخوراً رسوبية ذات مسامية ونفاذية منخفضة للغاية، أو تكون الصخور نفسها هي مصدر  الهيدروكربونات  source rock، وفى هذه الحالة غالباً ما تكون هذه الصخور طينية ومظهرها يشبه الألواح.

ولا تقتصر الهيدروكربونات الغير تقليدية (نفط وغاز) على استخراجها بشكل خاص، ولكنها تحتاج إلى معالجة وتكرير إضافيين لاستخراج المنتجات البترولية التقليدية منها. وتشتمل مصادر النفط (الزيت) غير التقليدي على: الزيت الضيق tight oil والزيت الثقيل والثقيل جدا heavy and extra-heavy oil والرمال الزيتية oil sands والصخر الزيتي oil shale والزيت الصخرى shale oil. كما تشتمل مصادر الهيدروكربونات الغازية الغير تقليدية على: الغاز الضيق tight gas والغاز الصخرى shale gas وغاز طبقات الفحم coalbed gas.

وينظر عادة إلى إنتاج النفط غير التقليدي على أنه أكثر تكلفة من إنتاج النفط التقليدي، وأقل كفاءة، ومن المرجح أن يتسبب في المزيد من الأضرار البيئية. ونتيجة لأن الطلب العالمي متزايد باستمرار على النفط، ونتيجة تقلصه في العرض، جعل المزيد من الشركات تتحول إلى النفط غير التقليدي. في هذه الأثناء، أدى التقدم في التكنولوجيا، خاصةً الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، إلى جعل مصادر النفط غير التقليدية أكثر سهولة، وانخفضت تكلفة الاستخراج مع زيادة كفاءته.

  • النفط الضيق: هو نفط خام crude oil، ولكنه محاصر داخل تكوينات جيولوجية ضيقة من صخور رسوبية ذات مسامية ونفاذية منخفضة للغاية، مما يجعل من الصعب استخراج الزيت. ولاستخراج الزيت يتطلب استخدام تكنولوجيا معقدة وباهظة الثمن، مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي، وقد تكون هناك حاجة لاستخدام مواد كيميائية لإضفاء مزيد من السيولة للزيت في حالة الزيت عالى اللزوجة.
  • الزيت الصخرى: هو الزيت المحصور في الصخور نفسها ولم يكن قادراً على الهجرة نحو السطح. وهو يشير إلى جيوب الغاز أو النفط السائل المحتبسة في تكوينات صخرية غير مسامية للغاية shale formations، وهذا يعني أن النفط والغاز لا يمكن أن يتدفقوا إلى الأنبوب بسهولة كما هو الحال مع الآبار التقليدية. ونظرا لوجود النفط في تكوينات صخرية، فيتم الوصول إليه عن طريق الحفر أفقياً عبر الرسوبيات، ثم يتم تكسير الصخور هيدروليكياً لفتح الصخور والسماح لتدفق النفط. والزيت الصخرى shale oil يمكن أن يشير إلى نوعين من النفط. قد يشير إلى نفط خام crude oil موجود داخل التكوينات الصخرية shale formations أو يشير إلى نفط مستخرج من الصخر الزيتي oil shale.
قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

 لكن النفط الصخري shale oil، و “النفط الضيق” tight oil هو نفط خام تقليدي conventional crude oil يتم إنشاؤه بشكل طبيعي ومحاصر في الرواسب الصخرية التى تتطلب تقنيات حفر حديثة وتقنيات استخلاص للإنتاج.

  • الصخر الزيتي: هو تشكيل من الصخور الرسوبية غير العضوية، وتحتوي على مركب عضوي صلب يعرف باسم “الكيروجين ” kerogen، هذه المادة غير ناضجة فيما يتعلق بتوليد الهيدروكربونات، وتحترق عند تعرضها للهب.

بمجرد استخراج الصخور الزيتية (الكيروجين)، يمكن استخدامها مباشرة كوقود لمحطة توليد الطاقة، أو معالجتها لإنتاج النفط والمركبات الأخرى (المواد الكيميائية والمواد الأخرى)، حيث يتم تسخينه إلى درجة حرارة عالية (450 درجة مئوية) للحصول على الزيت، الذى يُرسَل بعد ذلك إلى أماكن أخرى للمعالجة الإضافية. يتم استخراج الصخر الزيتي باستخدام التعدين السطحي أو تحت السطحى. كما توجد بعض أساليب المعالجة الاخرى والمعروفة باسم التقطير retorting وتتم في الموقع. العيب هو أن هناك حاجة إلى الكثير من الماء والطاقة لتسخين الصخور.

  • الزيت الثقيل والزيت الثقيل جدا: هي زيوت ذات كثافة عالية، وهى موجودة في خزانات ذات خصائص مسامية ونفاذية مشابهة لتلك الموجودة في الرواسب التقليدية. ومع ذلك، فإن الكثافة العالية واللزوجة تجعل من الصعب استخراجهما باستخدام الطرق التقليدية. في كثير من الأحيان، كانت هذه الرواسب تقليدية، ولكن خلال العصور الجيولوجية المختلفة تآكل النفط بسبب النشاط البكتيري المكثف.
  • الرمال الزيتية: مزيج من الرمل والبيتومين (الأسفلت) عالي اللزوجة، ويصبح صلبا عند درجة حرارة الغرفة. توجد الرمال الزيتية بشكل عام بالقرب من السطح، فهى توجد في الرواسب التقليدية التي ارتفعت إلى السطح بسبب التحلل أو النشاط التكتوني، ويتحلل الزيت التقليدي نتيجة التعرض للأكسجين والبكتيريا، ويتأكسد وتتسبب البكتيريا في إزالة الجزيئات الخفيفة مثل الغازات والألكانات. ويستخدم التعدين السطحي أو الطرق المستخدمة في الموقع مع حقن البخار في عمليات الاستخراج.
  • الغاز الضيق: الغاز الموجود في نفس النوع من الصخور الخازنة كما فى حالة النفط الضيق tight oil، أي صخور منخفضة المسامية والنفاذية. وتتبع نفس الأساليب لاستخراج الغاز، وهى التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقى.
  • الغاز الصخري: هو غاز محاصر في صخر طينى أو صلصال، حيث دفن فى أعماق متفاوتة تحت السطح، مع محتوى عالي من المادة العضوية. إذا كان دفن الغاز عميق، فإنه يعرف باسم “الغاز الجاف” (الميثان). وإذا كان الدفن أقل عمقاً، فإنه يعرف باسم “الغاز الرطب” (الإيثان، البيوتان، البروبان). ويتم استخراج الغاز بالطرق الغير تقليدية.
  • غاز طبقات الفحم (ميثان طبقات الفحم): الغاز الطبيعي الذي امتز (ادمص) على طبقات الفحم، ( خاصية الادمصاص – يجب عدم الخلط بينها وبين خاصية “الامتصاص” – وهى أن تلتقط الغازات على أسطح المواد الصلبة). الفحم لديه قدرة كبيرة على الادمصاص (تراكم الغاز على سطح الفحم). إن إطلاق الغاز من على سطح الفحم ينتج غاز المناجم، مما يسبب انفجاراً أثناء التعدين. يتم استخراج غاز الفحم عن طريق ضخ المياه في أماكن الكسر، مما يقلل من الضغط في طبقات الفحم.

الصخور الزيتية oil shales موزعة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، فهناك المئات من الرواسب المعروفة، على سبيل المثال: (صخور جرين ريفر في غرب الولايات المتحدة الأمريكية؛ الرواسب الثلاثية في كوينزلاند فى أستراليا؛ ورواسب في السويد وإستونيا؛ ورواسب العجّون في الأردن ؛ ورواسب في فرنسا وألمانيا. وصخور إيراتى في البرازيل؛ ومنشوريا في الصين؛ وجنوب منغوليا وروسيا وغيرها).

يتم استخراج كميات كبيرة من الصخر الزيتي في استونيا وروسيا والصين والبرازيل وأستراليا وألمانيا. تعتبر صناعة الصخر الزيتي في إستونيا حاليا واحدة من أكثر الصناعات تطوراً في العالم. ويحتوي تكوين نهر إيوسين الأخضر في غرب الولايات المتحدة الأمريكية على أكبر رواسب الصخر الزيتي في العالم.

في مصر يوجد موقعان رئيسيان للصخر الزيتى في كل من منطقة سفاجا – القصير وفي منطقة أبو طرطور ومنطقة أبو الغراديق بالصحراء الغربية.

الغالبية العظمى من رواسب النفط الثقيل والثقيل جدا تستغل في فنزويلا. وغاز الفحم يتم إنتاجه في أكثر من اثنتي عشرة دولة حول العالم. أما الاحتياطيات الرئيسية للرمال الزيتية فتقع في كندا.

هذا، ونظرا للأهمية القصوى للصخور الزيتية oil shale من النواحي العلمية والجيولوجية والاقتصادية والإنتاجية على مستوى العالم، فسوف نعود على هذا الموضوع بالتفصيل في المقال القادم.

أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

 

اترك رد