مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

القرض الروسي لبناء محطة الضيعة النووية

5

بقلم الدكتور – على عبد النبى:

قد يهمك ايضاً:

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

سد النهضة الإثيوبي..من المنبع إلي المصب ؟! 

نحن لا ننسى مواقف روسيا مع مصر ، فنحن لا ننسى الدور الروسى المهم فى بناء السد العالى ، وفى تنفيذ شبكات نقل الكهرباء ، وفى بناء أول مفاعل بحثى فى إنشاص قدرة 2 ميجاوات حرارى ، وفى دعم مصر فى الصناعات الثقيلة ومنها مصانع الحديد والصلب ومصانع الألومنيوم ، وفى تسليح الجيش المصرى بالكامل ، ولا ننسى موقف روسيا عند حدوث هزيمة 5 يونيو 1967 ، فقد التزم الاتحاد السوفيتى بتعويض مصر بالكامل عن كل خسائر المعركة ، فكانت هناك 9 آلاف رحلة من الطائرات الروسية لنقل الأسلحة فى أكبر جسر جوى عوّض مصر عمّا فقدته فى هذه الحرب ، فمصر انتصرت فى حرب الإستنزاف التى تعد أطول معركة حربية ضد إسرائيل بالسلاح الروسى ، ومصر انتصرت فى حرب 6 أكتوبر 1973 بالسلاح الروسى.

فى هذه المقالة أنا لا اشكك فى دولة روسيا ولا فى سياسة دولة روسيا مع الدول الأخرى ، ولا اشكك فى التكنولوجيا الروسية ، ولكن بمنطق العقل فإن روسيا لابد وأن تحافظ على مصالحها وهذا فى المقام الأول ، ثم يأتى فى الدرجة الثانية محافظتها على مصالح الدول الصديقة لها وبحيث لا يتعارض مع مصالحها كدولة عظمى .

فاليوم علاقتنا مع روسيا فى أوجها وهذا ما كنت أتمناها وما كنت أنادى به ، فأنا على علم أن الشعب الروسى يحب الشعب المصرى ، كما أننى أمتلك خبرة فى التكنولوجيا الروسية فقد استخدمت التكنولوجيا الروسية أثناء تأدية الخدمة العسكرية كضابط إحتياط فى سلاح الدفاع الجوى “صواريخ سام 3 المضادة للطائرات” ، واستخدمت التكنولوجيا الروسية فى هيئة الطاقة الذرية بإنشاص ، كما أننى تعاملت مع الخبراء الروس فى المجال النووى وفى مجال المماثلات لمحطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء.

لكن هناك نقاط خطيرة تظهر على السطح أثناء تناولى لموضوع التعاقد مع روسيا لبناء 4 محطات نووية من الجيل الثالث بلس موديل  AES2006-VVER1200 ، والتى أرفضها بشدة ، وأول هذه النقاط هى الاتفاق مسبقا على ثمن صفقة 4 محطات نووية قبل أن يتم الاتفاق على النواحى الفنية والقانونية ، وبناء على ذلك فقد أصبح المفاوض المصرى مقيد بسعر تم تحديده مسبقا ولا يمكن تجاوزه ، فهو لا يستطيع أن يتحرك بحرية فى تحقيق المطالب الفنية المصرية ، وفى هذه الحالة يصبح المفاوض الروسى له اليد العليا فى المفاوضات ، وكذا يصبح المفاوض الروسى يملك وسيلة ضغط لإجابر المفاوض المصرى على قبول ما يملى عليه. والنقطة الثانية هى قبول مصر بصفقة عدد 4 محطات نووية من الجيل الثالث بلس والتى لم يتم تجربتها بعد ، وهى من نوع VVER-1200 ، وهذا يتعارض مع المطالب المصرية والتى تنص على أن محطة الضبعة النووية لابد وأن تكون سبق تجربتها وأثبتت كفاءتها فى التشغيل لعدد من السنين ، وكان من باب اولى أن تكون 4 محطات نووية من الجيل الثالث موديل   VVER1000، والتى سبق تجربتها فى الهند والصين . والسؤال هو : ما هى المحطة المرجعية لمحطة الضبعة النووية ؟ ، هل هى محطة ليننجراد أو محطة نونوفارونتش أو محطة بالتك أو أجزاء من كل محطة من الثلاث ، فهذه نقطة خطيرة جدا ، فهى تتنافى مع المنطق الهندسى ، كما وأنها لا تصب فى مصلحة مصر البلد الفقير.

المفاوضات مع الجانب الروسى فى مشروع الضبعة قائمة على الود والإحترام وعلى تبادل المنفعة ، ولكن يحق لروسيا أن تضمن مصالحها ، فمن يضمن أن تستمر العلاقات المصرية الروسية مزدهرة كما هى الأن ، وما العمل لو تغيرت هذه الأحوال؟ ، فلابد وأن تضمن روسيا إستثماراتها فى مشروع الضبعة النووى ، فهى قد قدمت لمصر قرض مقداره 25 مليار دولار لبناء 4 محطات نووية بموقع الضبعة بقدرة اجمالية 4800 ميجاوات. كما أنه فى ظل المتغيرات السياسية فلابد وأن تضمن روسيا تواجدها الأقتصادى فى المنطقة وخصوصا فى مصر.

وفى المقابل فعلى الجانب المصرى أن يضمن مصالح مصر العليا ، فما العمل لو انسحبت روسيا من مشروع بناء 4 محطات نووية بموقع الضبعة ، وما تبعات ذلك على مصر الدولة الفقيرة ؟ ، فيجب ان نخطط لهذه اللحظة ، ونضع لها السيناريوهات المختلفة ، وهذه السناريوهات تعتمد على عوامل كثيرة ، ومنها توقيت الإنسحاب ، لأن هناك إحتمالات أن يكون قبل التنفيذ أو أثناء التنفيذ أو بعد التنفيذ ، ذلك لأن هناك مستحقات لروسيا قد تم صرفها من القرض قبل لحظة الانسحاب ، وهناك التزامات مالية سوف تسدد وهناك شرط جزاء.

وأحب أن أوضح والفت نظركم الى نقطة هامة يتم تداولها فى الأونة الأخيرة ، فهم يقولون أن روسيا قد قدمت قرض لبناء 4 محطات نووية ، وعلينا كمصريين ألا “نتعنطظ” ، ويجب أن نقبل العرض الروسى كما هو ويجب أن نسكت و”نبوس ايدينا وش وظهر” ونقول “الحمد لله” على ما أنعمته علينا روسيا من نعم ، والهدف من وراء هذا الكلام هو قبول العرض الروسى للمحطة النووية وحتى لو كان يتعارض مع مطالبنا كمصريين . ونقول لكل من يروج لهذا الكلام :: أن جميع المشاريع العملاقة كمشروع المحطات النووية ، يتم تمويلها بقروض مالية من بلد المورد الرئيسى ، أو من البنوك العالمية ، وبناء على ذلك فإن هذا أمر طبيعى ، وروسيا لا “تمن” على شعب مصر بأى شئ ، والقرض سوف يسدد من خزانة شعب مصر ، ونود أن نلفت نظرهم الى أن السعر المقدم يعتبر الأعلى على مستوى الأسعار العالمية فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء .

مصر تستطيع تسديد قيمة القرض خلال 13 سنة بعد التشغيل التجارى للمحطة النووية ، وذلك من فرق سعر الوقود السنوى بين استخدام الغاز الطبيعى فى توليد كهرباء من محطة 1200 ميجاوات واستخدام الوقود النووى فى محطة الضبعة النووية والتى لها نفس القدرة.

القرض الروسى الذى مقداره 25 مليار دولار سوف يغطى 85% من قيمة المحطات الأربع ، وبالتالى فإن مصر عليها ان تسدد 15% باقى الثمن وهو 4.4 مليار دولار ، وبذلك يكون سعر الأربع محطات نووية يساوى 29.4 مليار دولار ، وهذه المحطات تعطى 4800 ميجاوات ، وبالتالى فإن سعر الكيلووات يساوى 6200 دولار. فى المقابل ، فقد اتفقت تركيا مع الصين مؤخرا على بناء محطات نووية صينية فى تركيا ، وكان السعر المعلن هو 25 مليار دولار فى مقابل 5000 ميجاوات كهربى من محطات نووية ، فيكون سعر الكيلووات هو 5000 دولار. كما اتفقت مؤخرا إيران مع روسيا على بناء محطات نووية روسية فى إيران ، وكان السعر المعلن هو 10 مليار دولار فى مقابل 2000 ميجاوات كهربى من محطات نووية ،  فيكون سعر الكيلووات هو 5000 دولار.  وبسرعة نستطيع أن نقول أن الأتفاق بين روسيا وإيران والأتفاق بين الصين وتركيا أرخص من الأتفاق بين روسيا ومصر. هذه الطريقة فى الحسابات تسمى Overnight Cost  “التكلفة بين عشية وضحاها” ، وهى التكلفة بدون فوائد أثناء التنفيذ ، كما لو تم الانتهاء من المشروع “بين عشية وضحاها ” ، وتتضمن أيضا تكلفة هو أول شحنة من الوقود النووى.

هناك نقطة هامة أخرى فى هذا الموضوع ، وهى أن القرض الروسى سيقدم لمصر على دفعات سنوية ، ويجب ان توافق روسيا سنويا على قيمة كل دفعة من القرض وقبل بداية السنة التى ستصرف فيها هذه الدفعة ، وهنا نأتى الى نقطة خطيرة جدا وهى :: ماذا سيحدث لو لم توافق روسيا على أى من هذه الدفعات السنوية من القرض ؟ ، طبعا ستتحمل الخزانة المصرية تسديد قيمة هذه الدفعات ، والسؤال هنا :: هل أخذنا فى الأعتبار ما سيترتب على ذلك من خسائر ؟ ، وكيف سنتصرف فى تدبير هذه الدفعات بالدولار ؟ .

يجب ألا ننسى تجربة إيران مع المانيا الغربية ، وذلك عندما انسحبت شركة “كا – فى – أو” ، K-W-U ، الألمانية من استكمال تنفيذ المفاعلين النوويين بموقع بوشهر بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 ، فقد تركت الشركة الألمانية المفاعل الأول وهو فى مراحله النهائية حيث كانت نسبة تنفيذه قد تعدت 80% ، والمفاعل الثانى كانت نسبة تنفيذه قد تعدت 65% ، وتركت المانيا المفاعلين كالبيت الوقف ، وتكبدت إيران خسائر كبيرة.

كما يجب ألا ننسى ما حدث مؤخرا ، فقد وافقت بلغاريا على أن تدفع لروسيا أكثر من 600 مليون يورو (655 مليون دولار) كتعويض ، وذلك بعد إلغاء بلغاريا خططها لبناء محطة نووية روسية على نهر الدانوب ، ونشر هذا الخبر فى مجلة Nuclear Power Daily بتاريخ 26 أكتوبر 2016.

وأود أن انوه فى نهاية المقالة على أن القرض الروسى وفوائده ، سوف يسدد من الخزانة المصرية والمسئول عن تسديد هذا القرض هى وزارة المالية ، وبناء على ذلك فلابد من إشراك شيوخ وفقهاء وخبراء وزارة المالية وكذا خبراء من البنوك المصرية فى مراجعة العرض المالى وشروطة .

اللهم انى قد بلغت اللهم فأشهد.

لكن هناك مثل مصرى يقول :: “اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى” ، فاليوم وفى ظل وجود الرئيس “بوتين” والرئيس “السيسى” ، فالعلاقات المصرية الروسية هى فى مراحلها الذهبية ، لكن ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال. فيحق لروسيا أن لا تنسى مواقف الرئيس “السادات” ، فهى لا تنسى طرد الخبراء الروس فى 8 يوليو عام 1972 وكان ذلك قبل حرب أكتوبر ، ولا تنسى روسيا أن السادات إرتمى فى حضن أمريكا بعد إنتصاره بالسلاح الروسى فى حرب 1973 ، ولا تنسى روسيا أن السادات أرسل السلاح الروسى الى أمريكا لفك شفرته ، ولا تنسى روسيا أن مصر لم تسديد الديون رغم انهيار وضعها الإقتصادى ، فهل هم الأن متوجسين خيفة من المصريين ؟ ، هذا سؤال خطير يجب أخذه فى الإعتبار ، لأن روسيا لابد وأن تضمن حقوقها “تالت ومتلت” وبالإضافة الى ذلك لازم تخسرك “الجلد والسقط” ، وممكن نصل الى مرحلة يتوقف فيها المشروع النووى وفى أى مرحلة من مراحله ، وفى هذه الحالة سيتحول المشروع من محطة لتوليد الكهرباء الى موقع أثرى وسيكون مزار سياحى.

اترك رد