مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

العنف الأسرى

9

بقلم  – حياة الحفيان ” تونس” :

ولئن تعددت الأسباب واختلفت النتائج فإن المشكلة واحدة وهي العنف الأسري، حيث يسلط هذا الأخير في العادة ضد الزوجة وأحيانا ضد الزوج ولكن الأشد خطورة هو أن يسلط هذا العنف ضد أطفال أبرياء لا حول ولا قوة لهم من طرف أقرب الناس إليهم،وهم الآباء والأمهات
والعنف نوعان :
فإما أن يكون عنفا لفظيا وذلك من خلال إهانة الطفل بأبشع العبارات الجارحة قصد التقليل من قيمته وارباك ثقته بنفسه او أن يكون عنفا جسديا من خلال الضرب او الصفع يصل احيانا إلى حد الخنق او الحرق الهدف منه تعذيب الطفل وجعله يعاني لسنين وذلك لما تحمله تلك الكدمات من آثار بليغة على الجسد يصعب التخلص منها بسهولة
وللعنف الأبوي مظاهر عديدة نذكر منها:
عدم اكتساب الآباء للمعرفة الكافية بأهمية التحاور مع أبنائهم والاستماع إليهم خاصة عند تعرضهم لبعض المشاكل، حيث يلجأ بعض الآباء إلى ممارسة السلطة الأبوية المطلقة داخل المنزل فيعطي تعاليمه الصارمة التي لا ينبغي لأحد تجاوزها ومن أسوأ هذه التعاليم هي عند دخول الأب إلى المنزل يتوجب على الأبناء الولوج إلى غرفهم وعدم إصدار اي صوت او اي ضجة، أو عدم الإجتماع معهم على مائدة طعام موحدة حيث يرى أن في ذلك تقليلا لشأنه وضربا لهيبته،
ولفرض هذه السلطة قد يلجأ الأب أيضا إلى رفع صوته عند الحديث مع أبنائه، فيرى البيت مملكته الخاصة ويرى أبناءه رعيته التي وجب عليه تأديبها كي لا تتنكر له، غير أنه في الحقيقة هو من تنكر لأبوته حتى ينتصر لسلطة ذاتية مريضة،
ولا تقف هذه السلطة عند سن تلك التعاليم الصارمة بل تتجاوزها إلى ممارسة سلوكيات مادية قاسية للغاية وهي كأن يصفع الأب أبنائه ليوقعهم ارضا ثم يقوم بلكمهم وركلهم حد الموت ولممارسة هذه الطرق قد يلجأ بعض الآباء إلى استعمال العصي او السيوط او حتى بعض الآلات الحادة وكأنه يتعامل مع شخص بالغ ناسيا أن ما بين يديه هي صرخات طفولة متعبة اعياها التجبر والجهل،
وقد يصل ببعض الآباء إلى تعمد حرق أبنائهم بسيجارة او بملعقة ساخنة وكثيرا ما يتم الحرق في الوجه وذلك كرد فعل انتقامي بالرغم أن ما قام به الطفل هو فعل بسيط لا يرتقي حتى إلى مستوى الخطأ.

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب يوم أن غاب السادات عن 25 إبريل

ترشيد إستهلاك الكهرباء معاناة المواطن بالصيف ولا يساهم بخفض…

وفي اعترافات لأحد الأطفال الذين قابلتهم عند مباشرة عملي كمعلمة أخبرني أن والدته قد وضعت له الفلفل الاحمر في خلفيته وذلك لانها اكتشفت بقايا سيجارة داخل جيب ميدعته، في الحقيقة فقد أثرت في تلك الحادثة أيما تأثير وربما كانت دافعي الأول للبحث في هذا الموضوع الشائك، فبعض الآباء للأسف يقومون بتصرفات خاطئة تجاه أبنائهم قد تصل حد الإجرام وما يؤسف أكثر هو انهم على يقين تام بأن تلك التصرفات تعود بالنفع على أطفالهم لانها جزء أساسي من التربية إذ تجعل الطفل يتجنب ارتكاب الأخطاء وذلك خوفا من العقاب
وبالتالي تتحول العلاقة من علاقة اب بإبنه او أم بإبنها إلى علاقة جلاد بضحيته فينجر عن هذه العلاقة آثار جسدية ونفسية بليغة،
فعلى المستوى الجسدي قد تحصل للطفل تشوهات في جسده يصعب معالجتها او حتى التخلص من آثارها فيصبح الطفل يميل إلى العزلة كي يخفي تلك الكدمات او الجروح وذلك لما يشعر به من خجل امام اصدقائه، اما على المستوى النفسي يفقد الطفل ثقته بوالديه فإما أن يفتح قلبه لأول شخص قد يقابله في الخارج، فيجعله هذا الشخص يشعر بالأمان الذي يفتقده داخل البيت وسرعان ما ينجح ذاك الشخص في استغلاله كيفما شاء وقد يصل هذا الاستغلال إلى برمجة عقله وفق أفكار معينة قصد تكوينه لغايات مختلفة تصل إلى ارساله إلى بؤر القتال والمتاجرة به وهذا للأسف ما يشهده واقعنا الراهن، وإما أن يصبح الطفل عديم الشعور وذلك لكثرة ما تعرض له من عقاب وعنف فنلاحظ عدم بكاء الطفل او حتى عدم قيامه بأي حركة للدفاع عن نفسه حينما يشرع أبواه في معاقبته بل يظل متسمرا مكانه وكأنه يقول لوالديه اضربوا واصفعوا فأنا لا أبالي ولا أشعر بشيء و وصول الطفل إلى عدم الإحساس هو مرحلة خطيرة وأخيرة لآثار العنف الأسري
وهذا ما أكدته لي الطفلة مروى (١٤سنة) أنه لا يمر يوم دون أن تعاقب فالعقاب اصبح جزءا من حياتها وحياة امها اليومية وقد نقلت لي ماتتعرض له قائلة:
《بينما أشاهد التلفاز تأتي امي كعادتها لتصفعني وتشدني من شعري وكثيرا ما تقوم بعضي وبينما هي كذلك لا أقوم بأي رد فعل بل أظل أشاهد التلفاز وكأنه ما من احد يلمس جسدي أو يشد شعري》فسألتها لم كل هذا العقاب الذي تمارسه والدتها معها فأخبرتني ذلك لانها لم تطهي الطعام،
وبعد تفكير قررت الحديث مع والدتها كمحاولة مني لإنقاذ الطفلة غير أني تفاجأت بردها، فقد اخبرتني أنها هي قد تربت هكذا وتريد أن تربي بناتها بنفس الطريقة التي تربت عليها،
في الحقيقة ذهلت كليا لان أسوأ ما في الأمر هو أن يتوارث الأبناء هذه الطرق العنيفة والخاطئة والتي ترتقي بالنسبة لي إلى مستوى الفعل الإجرامي، وأرى أن إيقاف العنف المسلط تجاه الطفولة هو واجب الآباء والأمهات أولا، عليهم ادراك أن التربية تبدأ بالحب والحوار وأن الضرب والصفع هي أساليب خاطئة سرعان ما تخلق طفلا غير متوازن يصل به الأمر إلى الفشل في الدراسة وحتى الفشل في حياته المهنية و الزوجية حينما يكبر، والأسوأ أن يحمل الطفل في داخله نظرة انتقامية تجاه والديه وتجاه المجتمع، وسرعان ما تصل به تلك النظرة إلى تعاطي المخدرات او ارتكاب بعض الجرائم وربما حتى التفكير في الانتحار وذلك ليضع الطفل حدا لكل تلك العذابات،
وقد يعود العنف المسلط من طرف الوالدين إلى مشاكل نفسية فليس عيبا في التوجه إلى بعض المختصين النفسيين وذلك للظفر بإستشارات نفسية واسرية من شأنها مساعدة الأولياء على تربية أبنائهم بطريقة سليمة ومتوازنة،
كما أرى أن الدولة ليست في معزل عن كل هذا فدورها يكمن في حماية أطفالها وذلك ليس فقط في سن بعض القوانين بل في جعل تلك القوانين أكثر فاعلية على أرض الواقع،

وفي النهاية تبقى الطفولة متسمة دائما ببراءة الفكر والقلب معا، و من واجبنا الإنساني هو الدفاع عن تلك البراءة حتى تستمر

اترك رد