مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الصراع على الغاز الطبيعي لبحر قزوين

10

بقلم- الدكتور على عبد النبى:

السيطرة على منابع إنتاج البترول والغاز الطبيعى، وكذا السيطرة على طرق الإمداد والنقل للبترول والغاز وخطوط أنابيب الغاز الطبيعى هو سبب الحروب التي نشاهدها اليوم فى بقاع مختلفة من العالم، فتدمير العراق وسوريا وليبيا نتيجة الصراع للسيطرة جزء من مقدرات الطاقة فى العالم.

وجزء آخر من مقدرات الطاقة فى العالم موجود فى الدول المطلة على بحر قزوين مثل روسيا من الشمال الغربى وإيران من الجنوب، ثم تأتى كازاخستان من الشمال الشرقى، وأذربيجان من الغرب، وتركمانستان من الجنوب الشرقى، وهى دول كانت تابعة للاتحاد السوفييتى، وهذه الدول تعتبر دولاً حبيسة، فهى تعتمد على الدول المجاورة لها كوسيط للوصول إلى الأسواق الغربية. وبحر قزوين بحر مغلق ويعد أكبر بحيرة مغلقة فى العالم ويقع بين أوروبا وآسيا، وإلى الشرق من جبال القوقاز، وإلى الغرب من سهول آسيا الوسطى.

إذا كان تدمير دول مثل العراق وسوريا وليبيا نتيجة الضعف العربى، وكذا مساهمة ووقوف بعض الدول العربية للمساعدة فى هذا العمل الخسيس، إلا أن ضعف ووهن هذه الدول ذاتها كان السبب الأساسى، حيث أن هذه الدول اعتمدت فى قوتها على شراء سلاحها من الشرق والغرب. والآن تعانى شعوب هذه الدول من ويلات الحروب والتشرد، وأصبحت فريسة لكل من هب ودب.

هل الصراع على الغاز الطبيعى سينتقل إلى دول آسيا الوسطى، ويتم تدمير هذه الدول ؟، أشك فى ذلك، لأنها دول قوية، وكذا فإن دولة روسيا كقوة عظمى لن تسمح بذلك. فروسيا كقوة عظمى لن تسمح لأمريكا باللعب فى منطقة دول آسيا الوسطى، ولا مع الدول التى تشاركها فى الحدود.

يهمنا نلقى أولا نظرة على الاحتياطيات المؤكدة للغاز الطبيعى للدول المطلة على بحر قزوين. روسيا 1375 تريليون قدم مكعب، إيران 1128 تريليون قدم مكعب، تركمانستان 688 تريليون قدم مكعب، أذربيجان 75 تريليون قدم مكعب، كازاخستان 35 تريليون قدم مكعب.

بعد تفكك الاتحاد السوفييتى عام 1991، ظهر خلاف قانونى حول ماهية بحر قزوين، هل هو بحيرة أم بحرا؟. إذا كان بحيرة، يتم تقاسم مياهه وثرواته بالتساوي بين الدول الخمس المطلة عليه، أما إذا كان بحرا، يتم تقسيمه بحسب قانون البحار للأمم المتحدة، والذي يشمل كيفية إدارة الموارد الطبيعية، والحقوق الإقليمية والبيئية. ويبدو أن روسيا قد وضحت لها اللعبة الجيو-سياسية كاملة وتعلمت الدرس جيداً. فقد كان انهيار الاتحاد السوفييتى بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته، كما تفعل أمريكا والدول الغربية. لأن البنية التحتية للصناعة العسكرية والمدنية للاتحاد السوفييتى كانت تحتاج موارد مالية وموارد طاقة، وبالتالي كانت دول الاتحاد السوفييتى تستطيع المحافظة على البقاء فى وحدتها.

أراد حلف الناتو تطويق روسيا ومحاولة كسر احتكارها لتجارة الغاز العالمية، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتى، اتجهت أنظار أمريكا والاتحاد الأوروبى إلى ثروات غاز بحر قزوين.  ففى عام 2002 وضعت فكرة تنفيذ مشروع خط أنبوب غاز طبيعى أطلق عليه اسم “نابكو”، وهذا المشروع يهدف إلى ربط احتياطيات غاز دول آسيا الوسطى بالدول الأوروبية. خط أنابيب “نابكو” يعتمد أساساً على تصدير الغاز الطبيعي لدولة تركمانستان، ويعبر بحر قزوين إلى أذربيجان دون المرور بالأراضي الروسية، ومنها إلى تركيا، ثم منها إلى بلغاريا ورومانيا، ثم المجر، ثم إلى النمسا، بطول 3300 كيلو متر.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

مشروع خط “نابكو” أثار حفيظة روسيا، واتخذت خطوات لتدمير فكرة هذا المشروع، وبدأت أولا فى عملية تعطيله، حيث أثارت الخلاف القانونى على ماهية بحر قزوين، وتبنت تعريف بحر قزوين على أنه بحيرة متجددة بمياه أنهار الفولجا الروسية.  وبذلك فقد جعلت من المستحيل، ليس فقط إنشاء خط أنابيب الغاز عبر بحر قزوين، بل حتى لا تستطيع دولة تركمانستان ولا دولة أذربيجان القيام بتطوير حقول الغاز على سواحل بحر قزوين.

وظل الوضع على هذا الحال، حتى كان لقاء الدول الخمس فى أغسطس 2018، وفيه وقعت الدول الخمس المحيطة ببحر قزوين اتفاقية حددت فيها وضع بحر قزوين القانوني، وذلك بعد محادثات استغرقت أكثر من 20 عاماً، منحت هذه الاتفاقية بحر قزوين وضعا قانونيا خاصا، حيث ستكون المياه السطحية متاحة أمام كافة الدول المحيطة به، لكن ونظرا لأن بحر قزوين مهم للغاية للدول المحيطة به، لما يحويه من موارد للبترول والغاز الطبيعى، فسيتم تقاسم قاع بحر قزوين طبقا لاتفاقيات ثنائية بين الدول وستظل موضعا للمزيد من المفاوضات، حيث تشير التقديرات إلى وجود احتياطيات تقدر بنحو 48 مليار برميل من البترول، وما يقرب من 310 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في قاع بحر قزوين.

ولكى تنجح روسيا في تفريغ مشروع “نابكو” من جدواه ونسفه من جذوره، فقد قامت باحتكار الغاز المنتج فى دول آسيا الوسطى، وحتى لا يجد خط أنابيب “نابكو” غازا طبيعيا ينقله للدول الأوروبية. وفعلا، فقد قامت روسيا بشراء أكثر من 1765.5 مليار قدم مكعب سنوياً من غاز دولة تركمانستان، والتى يقدر إنتاجها السنوى 2824.8 مليار قدم مكعب، وذلك من خلال عقد شراء طويل الأجل. كما قامت روسيا بشراء كامل إنتاج دولة أوزبكستان من الغاز في عقد طويل الأجل ينتهي عام 2018، والتي لديها احتياطي مؤكد قدره 42.3 تريليون قدم مكعب من الغاز.

نحب أن نوضح، أن روسيا تمتلك خطوط أنابيب غاز ضخمة منها “السيل الشمالى-1 والسيل الشمالى-2 والسيل التركى”، والتى عن طريقها يتم تصدير الغاز الروسى، والغاز الذى يتم شراؤه من دول آسيا الوسطى للدول الأوروبية.

ونتيجة لذلك فقد انسحبت هذه الدول من أي تعهد لإمداد خط أنابيب “نابكو” بالغاز الطبيعى، كما أن روسيا وقعت مع دولة أذربيجان عقود بيع طويلة الأجل، لشراء حصة كبيرة من غازها الطبيعى.

نتوقف قليلا لنلقى الضوء على سبب الصراع القائم لاحتلال سوريا. فبعد أن يئست أمريكا من دول آسيا الوسطى فى إمداد خط الغاز “نابكو” المزمع إقامته بالغاز الطبيعى، فكرت فى دول الخليج، ومنها دولة قطر، والتى تمتلك احتياطى غاز يقدر 872 تريليون قدم مكعب، والسعودية والتى تمتلك احتياطى غاز يقدر 208 تريليون قدم مكعب. وشرعت أمريكا فى وضع خطة لتنفيذ خط أنابيب لنقل الغاز القطرى والسعودى إلى أوروبا، محددة مساره، ليكون من قطر إلى السعودية، ثم يمر عبر الأراضى السورية ومنها إلى تركيا، ثم إلى أوروبا. سوريا أصبحت العقبة أمام مرور هذا الأنبوب الحيوى الضخم، لأن سوريا حليف استراتيجى لروسيا. ولذلك بدأت أمريكا فى الإسراع فى تنفيذ مشروع الربيع العربى فى سوريا، وهذا ما يفسر سبب إصرار أمريكا وبعض الدول العربية على إزاحة النظام السورى.

دولة أذربيجان هى الدولة الوحيدة من دول بحر قزوين التى استطاعت تصدير الغاز إلى أوروبا. حيث تمتلك حقل غاز طبيعى “شاه دنيز 2” على بحر قزوين، والذى يقدر احتياطيه المؤكد ب 35.3 تريليون قدم مكعب، يتم التصدير منه إلى أوروبا بعيدا عن روسيا، فقد دعم الاتحاد الأوروبى إنشاء خط أنابيب تاناب “عبر الأناضول” لنقل غاز أذربيجان عبر جورجيا إلى تركيا ودول أوروبا، وقد تم تشغيله يوم الأثنين 2 يوليو 2018، وذلك بهدف الحد من اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي. والطاقة الإنتاجية الحالية للحقل هى 706 مليار قدم مكعب فى السنة، ويبدأ المشروع بضخ الغاز بمعدل 565 مليار قدم مكعب سنويا، ثم يصل إلى 1095 مليار قدم مكعب سنويا بحلول عام 2026، ومن تركيا إلى أوروبا.

الآن أصبح غاز دولة أذربيجان يصدر إلى أوروبا عبر خط أنابيب تاناب “عبر الأناضول”، والذى يمر بالأراضى التركية، وكذا نجد أن هناك جزء من غاز روسيا يصدر إلى أوروبا عبر خط أنابيب “السيل التركى”، والذى يمر أيضا بالأراضى التركية، فهل أصبحت تركيا الآن تمثل مركزا إقليميا للغاز الطبيعى، وصمام أمان جديد لأمن الطاقة الأوروبي؟.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد