مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الأسلحة النووية الصغيرة هى سلاح المستقبل

7

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

“الأسلحة النووية الصغيرة هى سلاح المستقبل” ، هل هى دعوة لكى تمتلك معظم دول العالم أسلحة نووية صغيرة (تكتيكية)؟، بالطبع لا، لكن معظم دول العالم ستكون مضطرة لامتلاك هذه الأسلحة. هل سيستمر الوضع على ماهو عليه؟ ، طبعا لا وألف لا ، لأن امتلاك سلاح نووى استراتيجى أصبح غير مجدٍ ، فهو يستخدم فقط للتخويف والترهيب، بمعنى الردع. إلا إذا جنّ جنون دولة ما واستخدمته ضد دولة أخرى ، وهذا سيؤدى إلى قيام حرب نووية شاملة وتفنى معظم الكائنات الحية من على سطح كوكب الأرض. ولذلك فلن تستطيع أى دولة تمتلك سلاحا نوويا استراتيجيا من استخدامه.

ظل السلاح النووى الاستراتيجى مقتصراً على دول النادى النووى الخمس “أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين” لفترة طويلة وهذا ما كان يدعو إلى الارتياح  وإلى شئ من الطمأنينة تسكن قلوبنا ، فكنا ننظر إلى أن الأسلحة النووية لن تستخدم بعد أن تم استخدامها فى تدمير مدينتى “هيروشيما” و”ناجازاكى” عام 1945 فى اليابان خلال الحرب العالمية الثانية ، كما كنا نعتقد أن سباق التسلح النووى ما هو إلا لاستعراض التكنولوجيات المتقدمة ، وما هو إلا وسيلة للردع فقط ولن يستخدم. إلا أن تصورنا هذا أصبح وهماً بعد أن أصبحت كل من الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية. فقد بدأ الخوف والرعب مجددا يملأ قلوبنا.

خلال الحرب العالمية الثانية كان هناك احتياج شديد لأسلحة شديدة القوة التدميرية ، فكان الصراع قائماً على قدم وساق لتطوير قنابل تستطيع قلب موازين القوى. وقد تم تطوير العديد من القنابل، وكانت البداية مع القنابل التقليدية، والتى تضم ثلاثة أنواع، فمنها القنبلة شديدة الانفجار ، والتى عند تفجيرها تنتج موجة انفجارية شديدة وشظايا وضوء وحرارة، الموجة الانفجارية تولد ضغطا إيجابيا فى منطقة الهدف المواجه للقنبلة وهو أساس القوة التدميرية للقنبلة. ثم نجد القنبلة شديدة التفتت ، والتى عند تفجيرها تتفتت ، والشظايا تنطلق بسرعة عالية جدا وهو أساس القوة التدميرية للقنبلة. وكذا فهناك القنابل الخارقة ، وهى تستخدم لاختراق الأسطح القوية، مثل جدران ملاجئ الطائرات. وأصبحنا نسمع عن استخدام أنواع أخرى من القنابل فى الحروب الحديثة مثل البراميل المتفجرة والقنابل الحرارية والقنابل الحارقة والقنابل العنقودية والقنابل الخارقة.

فى 8 يونيو سنة 1944 استخدمت بريطانيا ضد دول المحور أول قنبلة من من القنابل الخارقة، وكان اسمها “تول بوى”. وهى قنبلة زلزالية وزنها 5 طن. وقد أثبتت فعاليتها ضد المنشآت الضخمة وشديدة الصلابة. فهى تستطيع حفر حفرة عمقها 24 مترا ونصف قطرها 15 مترا ، كما يمكنها اختراق خرسانة سمكها 5 أمتار. وأواخر عام 1944 طورت أمريكا قنبلة T-10 وهى نسخة أمريكية من قنبلة “تول بوى” ، وزنها 5.4 طنا ، لكن هذه القنبلة لم تستخدم فى العمليات الحربية. لكن خلال الحرب الكورية عام 1950، تم تطوير القنبلة T-10 إلى قنبلة “طرزون” ، واستخدمت لتدمير جسور السكك الحديدية والسدود.

فى عام 1945 ، طورت بريطانيا قنبلة جديدة لاختراق الأهداف والمنشآت المحصنة بفعالية أكبر من أى قنبلة موجودة فى ذلك الوقت. هذه القنبلة تخترق الأرض بعمق 40 مترا قبل أن تنفجر، وتستطيع اختراق الخرسانة بعمق 6 أمتار، وهى قنبلة زلزالية وتسمى “جراند سلام” ، وكانت القوة التفجيرية لها تكافئ 6.5 طنا من مادة “تى إن تى”. وقد استخدمت 42 قنبلة منها خلال الحرب العالمية الثانية. وهى تعتبر أقوى قنبلة جوية غير نووية استخدمت.

لكى تستمر تجارة السلاح رائجة وبلا منافس، فمصلحة مصانع وتجار السلاح أن تستمر الحروب والصراعات فى جميع أنحاء العالم. وأصبح حلم امتلاك أسلحة تدمير شامل وغير ملوثة مسيطرا على أذهان المخططين العسكريين وتجار ومصانع الأسلحة. فالقنابل التقليدية لا تستطيع اختراق التحصينات المشيدة تحت الجبال مثل الكهوف والمغارات، أو فى الملاجئ والأنفاق والمخابئ المحصنة تحت الأرض. للتعامل مع مثل هذه الأهداف ، فقد تم تطوير نوع جديد من القنابل تسمى القنابل الحجمية ، وهو ما يطلق عليها أسم “القنابل الفراغية ، وهذا الاسم يرجع إلى أن القنبلة ينتج عن تفجيرها تفريغ للهواء فى منطقة تفجير القنبلة، والذى ينتج عنه ضغط سلبى (تخلخل الهواء- شفط) شديد. يوجد من هذه القنابل نوعان، النوع الأول هو fuel-air explosive (FAE) bombs ، قنبلة “متفجرات وقود-هواء” ، والقنبلة تتكون من وقود وعبوتين متفجّرتين ؛ العبوة الأولى تتسبب فى انفجار حاوية الوقود عند ارتفاع محدد مسبقًا وتقوم بنشر الوقود فى سحابة فى الهواء لتختلط مع الأكسجين الجوى ؛ والعبوة الثانية تفجر السحابة المتكونة فتتولد موجة انفجار هائلة. والنوع الثانى من القنابل هى قنبلة thermobaric explosives (TBX) bombs ، أو قنبلة “متفجرات الحرارة والضغط “. تستخدم هذه القنابل طريقة “الصدمة والضغط” فى قتل الأفراد المتحصنين داخل المخابئ والأنفاق.

على الرغم من المحاولات الأولى لسلاح الطيران الألمانى لصنع هذا النوع من القنابل خلال الحرب العالمية الثانية. إلا أن هذا النوع من القنابل قد بدأ تطويره فى الستينيات فى أمريكا والاتحاد السوفيتى. ويختلف هذا النوع من القنابل عن القنابل التقليدية فى أنها تحتوى على وقود فقط ولا تحمل الأوكسجين الخاص بها. ولبدء الانفجار ، يتم إنطلاق وقود القنبلة وانتشاره فى هيئة سحابة ليغطى منطقة واسعة قبل الاشتعال، ويتم خلط الوقود مع الهواء الجوى المحيط بواسطة عبوة ناسفة مكثفة. فطريقة عمل القنبلة تعتمد على انتشار الوقود بشكل صحيح لتحقيق نسبة الوقود مع الهواء الصحيحة قبل التفجير ، وعند اكتمال الخلط ، يتم البدء فى عملية إشعال السحابة أو الانفجار المتأخر، حيث زمن التأخير بين تشكيل السحابة والبدء فى إشعالها هو زمن قصير فهو فى حدود 150 مللى ثانية.

ينتج عن إنفجار هذا النوع من القنابل أربعة موجات تتميز بها عن القنابل التقليدية:

موجة الضغط الإيجابى أو موجة الصدمة ، مع تفجير سحابة الوقود واشتعالها تتولد موجة ضغط إيجابى للانفجار وهى موجة الصدمة، والتى ينتج عنها زيادة الضغط فى جميع الاتجاهات. موجات الصدمة الناتجة عن تفجير القنبلة مدتها أطول بكثير من تلك التى تولدها القنابل التقليدية ذات متفجرات شديدة التفجير ، ولديها أيضا نصف قطر قاتل أكبر.

موجة الضغط السلبى أو موجة التخلخل أو تفريغ الهواء،  بعد اشتعال سحابة الوقود واستهلاكها لأكسجين الهواء، تبدأ درجة حرارة الغازات المتكونة نتيجة اشتعال الوقود فى الانخفاض، ومع برودة الغازات ، ينتج فراغ هائل وينخفض الضغط بشكل حاد وتتولد قوة ضغط سلبى شديدة تستمر لأجزاء من الثانية ويؤدى ذلك إلى مزيد من الضرر على الأفراد ، ثم بعد حدوث تفريغ الهواء يندفع الهواء لملئ هذا الفراغ مسبباً موجة ضغط إيجابى شديدة.

موجة الحرارة الشديدة ، مع اشتعال سحابة الوقود تتكون كرة نارية ضخمة يتولد منها حرارة شديدة، ذات درجة حرارة عالية تتراوح ما بين 1500 إلى 3000 درجة مئوية، وتستمر لمدة عدة ثوان.

موجة الغازات شديدة السمية ، مع اشتعال سحابة الوقود تتولد غازات شديدة السمية، مثل  أكسيد الإثيلين وأكسيد البروبيلين، وهذه الغازات تؤدى إلى الموت فى حالة إستنشاقها.

إذاً نحن أمام أربع موجات قاتلة يتعرض لها الأفراد المتواجدين فى محيط تأثير القنبلة ، أو حتى الأفراد المتواجدين داخل تحصينات فى الكهوف والمغارات أو فى مخابئ تحت الأرض. عن طريق هذه الموجات تستطيع تدمير التحصينات وقتل الأفراد المتواجدين داخلها ، ومع استهداف مداخل أومخارج التحصينات، يتعرض كل من بداخل هذه التحصينات إلى موجات تضاغط وتخلخل شديدة للهواء والتى تتسبب فى تهتك الرئتين، وكذا فإن كرة اللهب للوقود المشتعل سوف تنتشر بسرعة فى الأنفاق أو الكهوف أو المخابئ ، مما يؤدى إلى تأثيرات حرارة عالية بشكل كبير والذى بدوره سوف يحرق الأفراد المتواجدين بشدة، وتنفجر الذخيرة المتواجدة معهم. بالإضافة إلى أن موجة الغازات السامة سوف تقتل كل من يستنشقها. أما الأفراد المتواجدين على مسافة ليست ببعيدة عن منطقة الانفجار فهم معرضون للإصابة بعديد من الإصابات الداخلية، مثل ارتجاج شديد فى المخ، وتمزق الرئتين ، وتهتك فى أجهزة الأذن وانفجار طبلة الأذن.

الأسلحة الحجمية، استخدمتها الولايات المتحدة فى حرب فيتنام عام 1968، لتفجير حقول الألغام وتمهيد مهابط لطائرات الهليكوبتر فى الغابات الكثيفة ، واستخدمتها عام 1991 فى حرب الكويت لإزالة الألغام وضد التحصينات الدفاعية العراقية ، كما استخدمتها عام 2001  فى الحرب الأفغانية ضد خنادق القوات المدافعة الأفغانية ، وضد عناصر تنظيم القاعدة وطالبان فى كهوف جبال “تورا بورا”. وكان آخر استخدام لها عام  2003 فى حرب العراق ، فقد استخدمتها فى تدمير دفاعات فرقة مشاة الحرس الجمهورى قرب جسر الكوت. أما عن روسيا،  ففى عام 1988 استخدمت روسيا أكثر من 285 قنبلة ضد تحصينات وكهوف وأنفاق المسلحين فى أفغانستان ، كما استخدمتها ضد الانفصاليين الشيشان عام 1995.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

القنابل التقليدية أقل وطئة على البشر من القنابل الحجمية ، فإذا كان الإنسان فى محيط دائرة تأثيرها القاتل ، فهناك احتمال تعرضه للموت أو الإصابة أو النجاه وذلك فى حالة وجود ساتر يحميه من تأثيرها. لكن القنابل الحجمية خلاف ذلك ، فإذا تواجد الإنسان فى محيط دائرة تأثيرها ، فالموت لا مفر منه.

هذا النوع من القنابل لا يقع تحت بند أسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة النووية أو الكيميائية أو البيولوجية ، فهى لا تخضع لمعاهدات دولية يحظر استخدامها. لكن نجد أن أمريكا وروسيا لم يكتفيا باستحواذهم على هذه النوعية من القنابل المدمرة، بل على العكس ، فنجد أن هناك اتجاها قويا يسيطر على أذهانهم لإنتاج قنابل أشد فتكا، فقد خططوا لإنتاج قنابل فى قوة القنبلة النووية لكن بدون تلوث إشعاعى يقف حائلا أمام تقدم قواتهم للسيطرة الميدانية على الأماكن المدمرة.

سمعنا فى السنوات الأخيرة عن قنبلة  اسمها “أم كل القنابل” MOAB ، أمريكية الصنع وهى مصممة لتدمير الأهداف ، وقنبلة اسمها “أبو كل القنابل” FOAB روسية الصنع، وهى سلاح حرارى، هذه القنابل هى من نوع القنابل الحجمية ، لكن قوتها التدميرية كبيرة جدا مقارنة بالقنابل السابقة. والكل يردد هذه الأسماء وبدون وعى ، بل أحيانا يفتخر بامتلاك هذه الدول لهذه النوعية من القنابل الفتاكة.

في عام 2002 قام الأمريكان باختبار قنبلة “أم كل القنابل” GBU-43/B ، ووصفوها بأنها أكبر قنبلة غير نووية مدمرة. هذه القنبلة غلافها رقيق نسبيا ، فهى ليست من القنابل الخارقة، ولكنها قنبلة “هدم” ومصممة للانفجار السطحى ، ووزنها 10.3 طنا، ولديها القدرة على اختراق 60 مترا من الخرسانة المسلحة، وثمنها 16 مليون دولار.

فى 11 سبتمبر 2007 ، رد الروس على قنبلة “أم كل القنابل” الأمريكية ، بقنبلة روسية هى “أبو كل القنابل” وزنها 7.1 طنا. القنبلة الروسية تعتبر أقوى سلاح غير نووى فى العالم. حيث قوة تفجيرها تعادل 44 طنا من المتفجرات “تى إن تى” ، حيث تعتبر القنبلة النووية الأولى أقوى منها بمقدار 1000 مرة. فى حين أن قوة تفجير القنبلة الأمريكية تعادل 11 طنا من المتفجرات “تى إن تى”. ونصف قطر انفجار القنبلة الروسية 300 مترا، وهو ضعف نصف قطر انفجار القنبلة الأمريكية.

وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت أنها استخدمت قنبلة “أم كل القنابل” لأول مرة فى العمليات القتالية ضد تحصينات تنظيم “داعش” فى جبال أفغانستان فى 13 أبريل 2017، وقد تسببت فى مقتل 36 من عناصر داعش، كانوا متواجدين فى مركز القيادة الإقليمى داخل شبكة الأنفاق، والتى تم حفرها تحت الأرض ووصل عمقها إلى 300 متر.

لن نتطرق إلى الأنواع المختلفة من القنابل الغير نووية والأكثر تدميرا والتى فى حوزة ترسانة أمريكا أو روسيا ، لكننا أشرنا إلى حقيقة أن هناك قنابل تقليدية تستطيع إلحاق الدمار والهلاك للمتلكات وللبشر حتى وإن كانت داخل مواقع محصنة ومشيدة فى جوف الجبال أو تحت الأرض، ولسنا بحاجة إلى أنواع جديدة من الأسلحة. لكن مع كل هذا الجبروت والعنفوان لا تمتنع مصانع الأسلحة ولا تجار السلاح من تطوير الأسلحة التقليدية لكى تكون أسلحة دمار شامل.

الأسلحة النووية هى من أسلحة الدمار الشامل، وهى أخطر الأسلحة على وجه الأرض. والأسلحة النووية الاستراتيجية صممت فى الغالب لاستهداف عمق العدو بعيداً عن الجبهة ، فتلحق الدمار والخراب لمساحات واسعة من الأراضى ، وتستطيع تدمير مدن بأكملها ، وقتل الملايين من الكائنات الحية، وتتسبب فى تلوث البيئة الطبيعية، فتكون بمثابة خطر يهدد الأجيال القادمة. ولذلك، فإذا قامت حرب نووية بين دولتين فلن يكون هناك منتصر لأن الدمار سيعم. وبذلك أصبح استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية شبه مستحيل. وفى المقابل نجد أن السلاح الغير نووى مهما بلغت قوته التدميرية يكون تأثيره محدودا، وبذلك لا يستطيع حسم المعارك الحربية فى وقت قصير، بل ونجد أن فترة المعارك الحربية ممكن أن تمتد لشهور دون حسم واضح.

هناك ما يقرب من 15 ألف سلاح نووى فى العالم ، تقع فى حوالى 107 موقع فى 14 دولة. ما يقرب من 9400 من هذه الأسلحة هى فى الترسانات العسكرية. ما تبقى من الأسلحة هى فى التقاعد وتنتظر التفكيك. وهناك ما يقرب من 4000 سلاحا متوفرا للعمليات ، وهناك 1800 سلاح فى حالة تأهب قصوى وجاهز للاستخدام فى غضون مهلة قصيرة. إن قيام حرب نووية سوف يقضى على سكان المدن المستهدفة بالقنابل النووية، لكن تأثيره سوف يشمل سكان كوكب الأرض ، فالغبار النووى الناجم من تفجير القنابل النووية سوف يؤدى إلى فناء ما تبقى من سكان كوكب الأرض، فهذا الغبار سوف يؤدى إلى حجب ضوء الشمس وبالتالى تنخفض درجة حرارة سطح الأرض وتختفى طبقة الأوزون وتزداد نسبة الأشعة المدمرة والمهلكة القادمة من الفضاء الخارجى لكى تقضى على ما تبقى من الكائنات الحية.

عندما أصبح عامل الوقت فى المعارك الحربية مهما للغاية لفرض أمر الواقع وللتقليل من الخسائر المادية والبشرية ، فقد لجأت كل من أمريكا وروسيا إلى التلويح باستخدام القنابل النووية الصغيرة (التكتيكية) فى المعارك الحربية المشتعلة حاليا. والقنابل النووية التكتيكية ، قوتها تتراوح ما بين 1 كيلو طن إلى 15 كيلو طن مكافئ من مادة “تى إن تى”. فى نهاية الحرب العالمية الثانية ألقيت قنبلة على مدينة “هيروشيما” اليابانية وكانت ذات قدرة تفجيرية 15 كيلو طن مكافئ من مادة “تى إن تى” ، كما ألقيت قنبلة على مدينة “ناجازاكى”، و كانت ذات قدرة تفجيرية 20 كيلو طن مكافئ من مادة “تى إن تى”. هناك قنابل نووية استراتيجية يمكن تقليل قوتها التفجيرية فتصبح قنابل نووية تكتيكية، فالقنبلة الأمريكية B61-11 يمكن التحكم فى قدرتها التدميرية من 0.3 إلى 340 كيلو طن مكافئ من مادة “تى ان تى”، هذه القنبلة موجود منها أكثر من 180 قنبلة فى شكل “قنبلة تكتيكية” فى دول حلف شمال الأطلسى “الناتو” فى أوروبا. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الآلاف من الرؤوس النووية الاستراتيجية والتى يمكن تحويلها إلى قنابل تكتيكية. كما تقوم الولايات المتحدة بتطوير قنبلة نووية تكتيكية B61-12، والتى من المنتظر أن تدخل الخدمة عام 2020.

القنابل النووية التكتيكية تستخدم فى المعارك المباشرة فى جبهة القتال ، وتوفر قوة انفجارية هائلة وفى مساحات محدودة، وهى قادرة على حسم المعارك فى فترة زمنية قصيرة. فقوتها التدميرية أكبر بكثير من أشد وأقوى القنابل الغير نووية. وهى تتكون من جزئين، أول جزء عبارة عن قنبلة خارقة تستطيع اختراق أعماق الأرض ، والجزء الثانى هى القنبلة النووية التى ينتج عنها انفجار نووى فى عمق الأرض.

هناك اتهامات متبادلة بين أمريكا وروسيا بشأن الأسلحة النووية التكتيكية،  فقد اتهمت الولايات المتحدة حكومة روسيا بالعمل لتحديث ترسانتها النووية لكى تضم 2000 سلاح نووى تكتيكى. وحيث أن روسيا حاليا مقيدة باتفاقيات تحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة إلى 1550 رأس حربى نووى ، فهى تبحث عن جيل جديد من الأسلحة النووية التكتيكية والتى تتراوح قدرتها من كيلوطن  إلى 10 كيلو طن مكافئ من مادة “تى إن تى”.

طالما أن المعارك الحربية سوف تدار بالقنابل النووية التكتيكية ، فهى دعوة عالمية لكى تمتلك جميع جيوش دول العالم لهذا النوع من القنابل، وسيصبح من حق الدول امتلاك أسلحة نووية تكتيكية، والذى بدوره سوف يزيد من مخاطر إساءة تقدير استخدام هذه الأسلحة، فقد ينطوى على خطر أكبر يتمثل فى تصعيد النزاع إلى ما وراء حدود جبهة القتال ، والتى من شأنها أن تشعل حربا نووية باستخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية. كما أن نشر قنابل نووية تكتيكية قد يكون تشجيعاً خطيرا للحرب النووية الاستباقية.

ومن وجهة نظرى كمتخصص أقول :: من حيث التلوث الإشعاعى الناتج من استخدام سلاح نووى أيا كانت قوته التدميرية، فلا يوجد فرق بين قنبلة نووية استراتيجية وقنبلة نووية تكتيكية. المناطق التى ستستخدم فيها هذه الأسلحة ستصبح ملوثة بالمواد المشعة، وتصبح غير صالحة للحياة ، فسوف تدمر الإنسان والنبات والحيوان ومكونات البيئة الطبيعية.

إن نزع السلاح النووى هو أفضل وسيلة للوقاية من هذه الأخطار. فهذا الشئ المخيف والمرعب يقتل الأمل بداخلنا، والذى كنا من خلاله نأمل أن تسود حالة سلام ومحبة دائمة بين شعوب العالم المختلفة. والأسلحة النووية التكتيكية تعتبر التفافاً حول عدم تنفيذ التزامات معاهدات خفض الأسلحة النووية الاستراتيجية الموقعة بين واشنطن وموسكو. ونحن نحذر من سباق جديد للتسلح النووى على مستوى القنابل النووية التكتيكية. إن استخدام القنابل النووية التكتيكية فى المعارك الحربية سوف يؤدى إلى سباق تسلح يشمل دول العالم أجمع ، ويصبح حقا من حقوق دول العالم امتلاك هذه الأسلحة.

وفقنا الله إلى ما فيه الخير للشعوب والإنسانية ، والله الموفق.

 

اترك رد