مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

إصلاح الشخصية المصرية

1

بقلم – الدكتور عادل عامر:

إن الشخصية المصرية قد تعرضت للوهن والعلل على بعض فترات أنظمة الحكم السابقة, وهى لم تنشأ بين عشية وضحاها، بل كانت نتيجة تراكم عدة عقود مضت, والتاريخ يذكر أن أي شعب لا تلحقه حصانة تعصمه من التحول إلى الأفضل أو تدهوره إلى الأسوأ، وتلعب المعتقدات والثقافة والتقاليد والعادات دوراً بارزاً في هذا التحول أو التدهور, والحق أن مظاهر الإفساد الذى حلت على بعض الشخصية المصرية لم يكن وليد اليوم ولم ينشأ بين يوم وليلة وإنما هو من تراكم أنظمة حكم سابقة ثبت من خلالها أن الحكام السابقين عجزوا عن المحافظة على الإرث الأخلاقي للشعب المصري إذ لم يكن هناك ثمة منهج يحمى الشعب من المظاهر السلبية, ولم يجد الفساد أنياباً قوية تقتلعه من جذوره ومنابته.

لقد حدثت تحولات نوعية في بعض السمات الخاصة بالشخصية المصرية – وبالطبع يصعب التعميم-فتحولت وتبدلت المفاهيم وتحول أفراد المجتمع إلى التباهي بكل ما هو سيئ بدلاً من إنكاره، فتحول مفهوم “الكذب” إلى “ذكاء”، ويكون هدف هذا الذكاء المزعوم هو التحايل على المواقف، والتهرب من المسئولية، فأصبح كل فرد يتحايل تحت مسمى أنه ذكي وقادر على التعامل مع المواقف المختلفة. وتحول مفهوم “العدل” في المجتمع إلى “ضعف”، فكل من يحاول تطبيق العدل هو شخص ضعيف غير قادر على الحصول على حقه بيده؛ فانتشرت البلطجة والعنف في المجتمع. وتحول مفهوم “الطيبة” إلى “غباء”

فإذا وجدنا شخصًا طيبًا في المجتمع، نسخر منه، والأصعب من ذلك أن يبتعد الآخرون عنه بحجة أنه شخصية ضعيفة، فهو غير قادر على الحصول على حقوقه في المجتمع. إن الحديث عن الشخصية المصرية مر بعدة مراحل بين الوهن والقوة، ويجب أن نبحث عن أسباب هذا الوهن وأسباب تلك القوة حتى يتحقق القول إنها تمثل شرعةً ومنهاجاً، فقد فقدت الشخصية المصرية في بعض العقود السالفة الكثير من مميزاتها وبريقها المعهود عنها على مدار التاريخ، بعد أن كانت تسود روح المودة والإخاء في المجتمع.

وكان حب الوطن يتسم بالأفعال لا الأفول, وتبدل الحال بعد غياب المصلحة العامة وتفشى التسلط والفساد الذى يرجع في الأساس لتوارثات سابقة لم يتناولها أحد بالإصلاح, وتعرضت الشخصية المصرية لأزمات عنيفة وبدأ التهافت نحو المصالح الخاصة وطغيانها على المصالح العامة لتصاب الشخصية المصرية في فترات الوهن والضعف بداء الأنانية والتسلط، واستشرى الفساد بصورة كثيفة, ولما كانت الشخصية المصرية منذ فجر التاريخ شخصية محبة للخير والقيم والمثُل والمبادئ والأخلاق والعدالة فقد ثارت على نظامين حاكمين خلال فترة وجيزة من الزمن في ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013.

ثانياً: أنظمة الحكم السابقة عجزت عن المحافظة على الإرث الأخلاقي للشعب المصري فوهنت الشخصية بالعلل.

وذلك على عكس منهج الرئيس السيسي منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد والذى يقوم على إعلان الحرب على الفساد وتطهير الوباء الاجتماعي، وهو ما لا يقل أهمية عن مكافحة الإرهاب, فلا حماية لمجتمع مع النصوص إذا وجد وباء اجتماعي يحمى اللصوص, فالقضاء على الفساد لغة وطنية وعقيدة تنبع وتصب في صالح الأمة, على أن مسئولية الحفاظ

ثالثاً: علل الشخصية ترعرعت نتيجة استغلال الدين فى تحقيق أهداف سياسية مرتبطة بالتطرف والعنف والإرهاب.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

وحقيقة الأمر أنه إذا كانت علل الشخصية قد نتجت عن أنظمة حكم سابقة عجزت عن الحفاظ على الإرث الأخلاقي للشعب المصرى, فإن تلك العلل قد ترعرعت فى ظل استغلال الدين فى تحقيق أهداف سياسية ترتبط بالتطرف والعنف والإرهاب ووجدت لها أرضاً خصبة للإنبات السيئ وأطلقوا على المجتمع أكاذيب تحت شعار الأسلمة وفى أيديهم أفاعٍ ضارية وخناجر سامة فى جسد الوطن.

تساؤلاً مهماً فى فلسفة نظام الحكم وحمايته ممن يلبس الدين ثوب السياسة وينتهج باسمه العنف والإرهاب, بقوله حينما نشخص داء ظاهرة «علل الشخصية» فعلينا البحث فى علاقة الحاكم بالمحكوم. ويثور التساؤل: من من الطرفين يُنتج الآخر ويؤثر فيه؟ وللإجابة عن هذا التساؤل, ينبغى تحليل العلل لمعرفة أسباب الظاهرة,

وكما قال المفكر والفيسلوف الإنجليزى «توماس هوبز»- وهو أحد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر بإنجلترا وأكثرهم شهرة خصوصاً فى المجالات القانونية والفلسفية والأخلاقية والتاريخية- فى كتابه «التنين» من أنه يجب معرفة المعلومات أو الظواهر ابتداء من الفهم الصحيح للعلل أو الأسباب، وأن الإنسانية فى حالة عراك متصل عنيف، إلا أننا لا نتفق مع ما قاله توماس هوبز من أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وهو عدائى بطبعه، ذلك لأننا نرى أن السعادة الحقيقية للبشر تجد بيئتها الطبيعية فى قواعد القانون الطبيعى وقواعد العدالة وهى التى جعلها فقهاء القانون من مؤخرات مصادر القاعدة القانونية, ففى تلك القواعد تجد البشرية فى رحاب السلم الاجتماعى والطمأنينة والاستقرار.

أنه وفقاً للقواعد الكلية والمبادئ العامة للإسلام المستنير فإن الإنسان يولد على الفطرة التى فطر الله الناس عليها, وقرينة الإنسان البراءة, فالناس يولدون أحراراً والإنسان بريء حتى يثبت فساده، والإسلام الوسطى المستنير تعبير عن حقيقة الفطرة السليمة التى يولد عليها الإنسان وإصلاح ما يفسده الدهر منها. وحينما نبحث فى مجال علم الاجتماع القانونى الإنسانى وعن علاقة الحاكم بالمحكوم لنعرف أيهما يبدأ فى التأثير فى الآخر, سنجد التاريخ يقول إن الإفساد فى مجال الفاشية الدينية يبدأ فى الأعم الغالب من الحالات من الحكام, إذ إنه استناداً إلى استخفاف الحاكم للمحكومين واستخدام صكوك الجنة والنار تنشأ القاعدة الاجتماعية الشهيرة: «الناس على دين رؤسائهم أو ملوكهم», وبهذه المثابة وتأسيساً على تلك القاعدة تنشأ القاعدة الاجتماعية الثانية المترتبة عليها التى تقول: «كما تكونوا يولى عليكم»،

أى أن الشعوب بعد أن يفسدها حكام الفاشية الدينية التى تستخدم الدين فى السياسة تصبح هى من يحافظ على فساد الحكم بكل السبل غير المشروعة عن طريق العنف والإرهاب، بل قد يتطور بها الأمر فتصبح نتيجة التشويش الدينى المغلوط هى من ينتج الحكام الفاسدين, فالفاشية الدينية تعرض وحينما تصل الشعوب إلى هذه المرحلة تصبح عملية الإصلاح والتطوير صعبة جدا ومعقدة للغاية. أن الإصلاح الحقيقى من وجهة نظرنا هو من يقوده الحاكم نفسه ويمتلك فيه من أدوات التأثير على المحكومين الذين يتعين عليهم أن يساعدوه على بلوغ إصلاح ما أفسده الحكام السابقون وما أفسدته الفاشية الدينية من معاول هدم للشخصية المصرية الأصيلة المرتبطة منذ آلاف السنين بفكرة الوطن.

رابعاً: الشخصية المصرية كانت فى طريقها للانهيار والفوضى لولا يقظة الرئيس السيسى الذى أنقذ مصر وشعبها.

كل ما سبق أيقظ الأمل بداخلي، فأول الغيث قطرة، وقد تأكد ذلك برؤيتي لنموذج واقعي للتفوق المصري، حيث دُعيت بعدها مباشرة للمشاركة في فعاليات “المؤتمر الدولي الثالث لبحوث وابتكارات الطلبة فى مرحلة البكالوريوس بالكلية الفنية العسكرية”، والذي عُقِد بمشاركة عدد من الدول، منها السعودية وعمان والسودان والأردن وكندا وفنلندا والهند والصين. وهناك استعرضت، مع مجموعة من زملائي بالبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، ورقة بحثية حول “رؤية الشباب للأمن القومي وتحديات الغد”، تناولناها في ضوء ثلاثة محاور هي الإعلام، وحرب المعلومات، والأمن السيبراني،

وكانت خلاصة رؤيتنا هي أن «تطوير وعي الإنسان وامتلاكه المعرفة والتكنولوجيا وقدرته على توظيفهم هو أساس بناء دولة حديثة تسير في ركب الأمم المتقدمة»، وأرى أن ما شهدته بالكلية الفنية العسكرية هو تطبيق عملي لتلك الرؤية، حيث يُؤَهَل الطالب ليكون شخصية إنسانية متزنة ومتكاملة من عدة نواح.

 

 

اترك رد