مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

إسرائيل القوة النووية

1

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

القوة منهج حياة، الشجعان يمتلكون القوة، أما الجبناء فلا منهج لهم. فكيف لأفراد يريدون القيام بدولة من العدم. دولة بدون أرض، والشعب بدون رابط. فالشعب مشتت فى مشارق الأرض ومغاربها. والأفراد يتطلعون لدولة قوية للأبد، فلابد وأن تحميها قوة بمدى ليس محدوداً.

بدأوها فى الخفاء والسر، وبدأ يهود فلسطين فى شراء الأراضى، وأسسوا أول مستوطنة زراعية عام 1878 فى “بتاح تكفا”. ثم كانت أول موجة من المهاجرين “25 ألف يهودى” عام 1882، جاءوا من أوروبا الشرقية.

تخمرت الفكرة فى دماغ الصحفى والكاتب “تيودور هرتزل”، وأصبحت حلماً يراوده، ثم أراد أن يحققه، فكتب عنه كتاب “الدولة اليهودية”. فها هو “تيودور هرتزل”، قد نجح فى أن يجمع الأفراد فى بازل (29-31 أغسطس 1897)، فمنهم من أتى من روسيا، ومنهم من أتى من أمريكا ومنهم من أتى من أوروبا ومنهم من أتى من الدول العربية. وها هو قد نجح فى أن يجمع الأفراد من الشتات. يجمعهم فى المؤتمر الصهيونى الأول، تحت شعار “العودة إلى صهيون”، حلمهم كان جبل صهيون. نجح “تيودور هرتزل” فى جمع معظم صهاينة العالم تحت سقفٍ واحدٍ وفي إطارٍ واحدٍ. وها هو “تيودور هرتزل”، قد نجح من خلال المؤتمر فى أن يؤسس “المنظمة الصهيونية العالمية”، فهى بداية القوة النووية.

“تيودور هرتزل” مؤلفاته تعبر عن شعوره نحو آلام اليهود، فهو يحلم بدولة يعيش فيها يهود الشتات، إذاً: هو ينشدها صهيونية سياسية. “تيودور هرتزل” يطرح أفكاره على من يملك القوة، فهو  يقابل قيصر ألمانيا “فيلهلم الثانى” مرتين سنة 1898، ويقابل السلطان العثمانى “عبد الحميد الثانى” سنة 1901.

وضعوا برامج مؤتمراتهم القادمة، وتوالت المؤتمرات. قوتهم بدأت فى الظهور وفى العلن، فرفضوا عرض بريطانيا لتكون أوغندا أرض “الوطن”، تذرعوا بـ “الرؤية التوراتية”، لتكون فلسطين هى غايتنا.

أرادوا شراء مزيد من أراضى فلسطين، وأرادوا زيادة الاستثمارات الصهيونية فى فلسطين. ففى مؤتمرهم الصهيونى الخامس عام 1901، أسسوا “الصندوق القومى اليهودى”، واتخذوا قراراً بتوظيف اليهود فقط في الاستثمارات الصهيونية.

بدأوا فى الضغط على بريطانيا وعلى أمريكا وعلى الغرب. والفكرة بدأت فى الوضوح أمام قادة بريطانيا. لماذا لا تكون دولتهم فى فلسطين ؟، ونحن الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، ونحن فى احتياج لمن يحمى قناة السويس وطريق الهند، ونحن فى احتياج لمن يكون قاعدة تمركز لنا فى بلاد الثروات.

وها هم “الأفراد” قد نجحوا عام 1917 فى استخلاص قرارٍ مشؤومٍ من وزير الخارجية البريطاني “جيمس بلفور” يقضى بإقامة “وطن قومى” لليهود على أجزاء من فلسطين. وقد جاء هذا القرار على هوى الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” وتبناه بحماس كبير، فالفكر البروتستانتي كان يرى أن الصهيونية حركة تستحق التأييد.

كانوا يتكلمون عن “وطن قومى” على أرض فلسطين وتحت ضمان القانون العام، ولم يتكلموا عن “دولة يهودية”. فأرادوا أن تكون خطوات قراراتهم متدرجة وتصاعدية، وحتى لا تضطرب التوازنات الدولية، وحتى لا ينتبه الفلسطينيون والمطلوب تصفيتهم إلى مخططهم الشيطانى.

جاء مؤتمر “بالتيمور الصهيونى” عام 1942 فى نيويورك، ليكون الأخطر بعد وعد “بلفور”. فقد أصبحت “الدولة اليهودية” هى الشعار الرسمى للحركة الصهيونية، وفُتحت أبواب فلسطين لهجرة اليهود. جاء هذا المؤتمر ليشهد نجاح توجهات “بن جوريون”، والتى تدعو إلى الإسراع بإقامة “الدولة اليهودية” فى فلسطين، على عكس سياسة التدرج التى كان يتبعها “حاييم وايزمان”.

مع بداية قيام دولة إسرائيل عام 1948، تبنى “حاييم وايزمان” وهو أول رئيس لدولة إسرائيل، باعتباره عالما كيميائياً مرموقاً استراتيجية النهوض بدولة إسرائيل، وقد ركز على البحث العلمي الأكاديمي والدراسات العليا. كما أولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 اهتماما فائقا بعملية البحث والتطوير. وكان تركيز الصهاينة ينصب على الاستفادة من الهجرات اليهودية الكثيفة إلى فلسطين المحتلة، وما احتوته تلك الهجرات من طاقات علمية وأكاديمية، واستثمارها في تطوير أداء البحث العلمي. حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990، فقد استفادت إسرائيل من هجرة نحو مليون يهودي من روسيا إلى إسرائيل، حيث كان أغلبهم من الخبراء والباحثين والمتخصصين ومن حملة الشهادات العليا.

الأيديولوجية الصهيونية أولت اهتماما خاصا بالعلوم الفيزيائية والكيميائية والطبيعية لوعيها بأنها تستطيع من خلالها الهيمنة على العالم وتحويل مساره. وبذلك فقد تم وضع البنية العلمية “لدولة إسرائيل”، والتى تجنى ثمارها الآن.

قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

كانت الشواهد أمام الصهاينة تقول “أن القنبلة النووية جعلت اليابان تستسلم وبلا شروط في الحرب العالمية الثانية”. وإسرائيل تريد من الدول العربية أن تُسلم بالأمر الواقع، وبوجود دولة إسرائيل مكان دولة فلسطين وبلا شروط. فكان لابد من امتلاك السلاح النووى وبلا قيود.

تولى “ديفيد بن جوريون”، رئيس الوزراء الإسرائيلى، التخطيط السرى لتنفيذ برنامج إسرائيلي نووى عسكرى متكامل. وهى نفس الطريقة التي اتبعتها جميع الدول النووية. و”ديفيد بن جوريون” يؤمن بأن “إسرائيل لا يمكنها البقاء على قيد الحياة، إلا إذا كان لديها رادع عسكرى قوى، وأن امتلاكها لسلاح نووى سيؤدى إلى إقناع العرب بقبول وجودها فى المنطقة “.

اتجهت أنظار الصهاينة إلى فرنسا، فالصهاينة فى أشد الحاجة للنووى الفرنسى. وفرنسا هى أيضا فى أشد الحاجة لإسرائيل، بسبب دعم “عبد الناصر” لثوار الجزائر. وتعتبر فرنسا من أوائل الدول التى أقامت علاقات مع إسرائيل فى 11 مايو 1949.

تأسست سرا لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية فى 1952. وفى عام 1953، تمكنت إسرائيل من ابتكار تكنولوجيا جديدة لاستخلاص اليورانيوم من فوسفات صحراء النقب. وكذا ابتكار تكنولوجيا جديدة لإنتاج الماء الثقيل، وفى عام 1954 تم إنشاء أول مصنع لإنتاج الماء الثقيل فى راحبوت، وبدأ العمل فيه فى نفس العام. ونظرا للتعاون المشترك بين إسرائيل وفرنسا فقد حصلت فرنسا على هذه التكنولوجيات المتطورة، كما دعم علماء من إسرائيل البرنامج النووى الفرنسى من خلال تعاونهم فى إنشاء مفاعل فرنسى لإنتاج البلوتونيوم، وكذا فى إنشاء محطة معالجة للوقود النووى فى “ماركول” بفرنسا. والأخطر من ذلك فقد كانت تجارب إسرائيل النووية هى نفسها التجارب النووية الفرنسية التى كانت تتم فى صحراء الجزائر.

انتهزت إسرائيل مشروع الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور “تسخير الذرة من أجل السلام” فى 8 ديسمبر 1953، وأرسلت إسرائيل بعثات تدريب إلى أمريكا من أجل التدريب في مراكز الأبحاث والمنشآت النووية الأمريكية، وتحت إشراف الدكتور “أوبنهايمر” أبو القنبلة النووية.

تم تشغيل مفاعل “ريشون ليزيون” وهو أول مفاعل نووى إسرائيلي فى 12 فبراير 1957، بمساهمة أمريكية، وتبلغ طاقته 8 ميجاوات حراري. كما تم تشغيل مفاعل “نحال سوريك” فى 18 يناير 1959، بمساهمة أمريكية، وتبلغ طاقته 5 ميجاوات حرارى، ثم تم رفعها إلى 8 ميجاوات. وبناء على التعاون الثنائي الوطيد مع فرنسا، فقد تم توقيع تعاقد سرى فى 3 أكتوبر عام 1957، بغرض تنفيذ مفاعل “ديمونا”، بالإضافة إلى إنشاء مصنع لفصل البلوتونيوم من الوقود النووى المحترق، وقد دشن “بن جوريون” مفاعل “ديمونا” فى ديسمبر 1963، وبدأ تشغيل هذا المفاعل بقدرة مقدارها 26 ميجاوات، ثم تم رفعها إلى 70 ميجاوات عام 1982، وأخيرا تم رفعها إلى 150 ميجاوات عام 1987. والمفاعل النووى الرابع هو “النبي روبين”، كان هدية من الرئيس الأمريكى “ليندون جونسون” عام 1965، وبدأ الإنشاء في 27 يناير ‏1966، بطاقة قدرها ‏250‏ كيلووات حراري‏.‏

إسرائيل لم توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وإسرائيل الآن تمتلك العديد من الجامعات ومراكز الابحاث والمعاهد المتخصصة. والمنشأة الوحيدة التى تخضع للتفتيش هى مفاعل “نحال سوريك”، أما باقى المنشآت النووية الإسرائيلية فلا تخضع للتفتيش. وبالتالى فهى لا تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يعنى أنه لا توجد وسيلة للتأكد من ما يتم داخل هذه المنشآت، ولا توجد وسيلة للتأكد من إجراءات الأمن والسلامة فى منشآتها النووية السرية. كما أن إسرائيل ترفض الإفصاح عن أية معلومات حول أنشطتها النووية. بالإضافة إلى أن هناك  6 منشآت نووية سرية يكتنفها الغموض التام ولا أحد يعلم عنها شيئاً.

على الصعيد العسكرى كانت مخططات إسرائيل تنفذ بشكل سرى وبدقة متناهية، ففى 7 نوفمبر عام 1956، عقد اجتماع سرى “إسرائيلى فرنسى” بهدف تطوير قوة الردع النووية الإسرائيلية. وكان لمساعدة أمريكا وفرنسا وبريطانيا الأثر الكبير في تطوير قدرات إسرائيل النووية.

ابتداء من عام 1960، كانت إسرائيل تشارك فرنسا في تجاربها النووية التي تتم في صحراء الجزائر. كما أفادت التقارير أن إسرائيل أجرت تجربة نووية تحت الأرض فى صحراء النقب فى عام 1963. ثم في عام 1979، وبالاشتراك مع دولة جنوب أفريقيا تمت تجربة نووية في المحيط الهندى.

أجمعت جميع تقارير المخابرات الأجنبية، على أن  إسرائيل صنّعت أول سلاح نووى إسرائيلى فى ديسمبر عام 1966، ثم بدأت فى إنتاج الأسلحة النووية على نطاق واسع بعد حرب 1967، وأن قنابل إسرائيل النووية الأولى كانت تصنّع من اليورانيوم 235. وتمكنت إسرائيل من اختراع طريقة لتخصيب اليورانيوم بالليزر فى عام 1977.

كما أفاد تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية فى عام 2013، أن إسرائيل أنتجت أول قنبلتين نوويتين فى عام 1967، وأن إسرائيل أنتجت أسلحة نووية بمعدل قنبلتين فى السنة، ثم توقفت عن الإنتاج فى عام 2004. وذكر التقرير أن اسرائيل لديها 80 رأس حربية نووية ولديها ما يكفى من المواد الانشطارية لإنتاج  أكثر من 190 قنبلة.

فى عام 2014، صرح الرئيس الأمريكى الأسبق “جيمي كارتر” أن  إسرائيل لديها 300 أو أكثر من القنابل، ولا أحد يعرف بالضبط كم الأسلحة النووية التى تمتلكها سواء كانت قنابل انشطارية أو هيدروجينية. وإسرائيل تمتلك وسائل متطورة لحمل هذه القنابل، مثل الطائرات، وصواريخ أرض – أرض وصواريخ بحر- أرض من خلال الغواصات. وتشير التقارير إلى أن أغلب هذه الأسلحة مخزنة وغير مجمعة، لكن تجميعها وتجهيزها للاستخدام يتم فى خلال أيام معدودة.

أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد