مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ثروات الربيع العربي والاصلاح

1

بقلم – الدكتور عادل عامر:

أن ثروات الربيع العربي اللي قامت به الدول العربية جميعا وليست مصر فقط من اجل التغيير لا تعني بالضرورة أن يكون مردودها الإصلاح .. وما معني الإصلاح ولماذا لم نصل الي نقطة الإصلاح الكلي من وراء تلك الثروات

أطلق مصطلح الربيع العربي على الثورات العربية التي مثلت حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في كُلِّ البلدان العربية خلال أواخر عام 2010  ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ، والتي اطيحت بحكم زين العابدين بن علي في تونس و محمد حسني مبارك في مصر و العقيد معمر القذافي في ليبيا. وكذلك تنازل الرئيس اليمني علي عبد لله صالح عن صلاحياته لنائبه بموجب المبادرة الخليجية هي تندرج ايضاً في هذا الإطار ، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية. وهنالك أسباب وعوامل داخلية وخارجية أدت إلى قيام ثورات الربيع العربي تتمثل:

أولاً – الأسباب الداخلية : ولها دور مفصل وحاسم في تفجير الأحداث وإندلاع الثورات ، وهي عديدة منها أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وتعليمية وثقافية .

(1) الأسباب الاجتماعية والاقتصادية : حيث يعيش معظم سكان منطقة الشرق الأوسط في ظل نظام اجتماعي متخلف يعتمد على علاقات القرابة و نواتها الأساسية هي القبيلة والذي يتحرك بدافع العرف و العادات و التقاليد القديمة، و للخرافات الدينية ايضاً دور محوري في تأصيل هذا النظام المتخلف .

وهنالك عاملين وراء تخلف الدول العربية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية هما :

-الاقتصاد : حيث تعاني معظم دول الشرق الأوسط من التخلف الاقتصادي خاصة الدول العربية ، فهي غالباً ما تعتمد على واردات النفط أو السياحة والمعونات الخارجية في حين تغيب التنمية الحقيقية بسبب صعوبات تتمثل في ارتفاع معدل تزايد السكان في الدول العربية ، نقص الكوادر الوطنية ، التفاوت في مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي ، انخفاض مستوى الادخار . وفي ظل هذا الوضع المتردي فأن دخل الفرد سيكون متدني .

-التربية والتعليم : حيث وصل عدد سكان العالم العربي عام 2009م نحو 335 مليون نسمة بينهم 100 مليون نسمة من الأميين وتبلغ نسبة الأمية حوالي 30% ، وارتفاع نسبة الأمية يشكل فجوة عميقة تؤثر على تطور المجتمع العربي ، وتترتب عليها نتائج سياسية واجتماعية خطيرة . كما أن السياسة التعليمية في الشرق الأوسط ماعدا إسرائيل تسير بشكل تقليدي في التلقين وعدم إعطاء الطالب فرصة للتفكير المفتوح ، وهناك عدم الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات مما يعني أن ازمة البحث العلمي في العالم العربي تعني التخلف العربي عن ركب الحضارة والنهضة العلمية ، والملاحظ أن نسبة الإنفاق على البحث العلمي بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لم تتعد 0.5% في الأقطار العربية كافة لعام 1992 ، بينما في إسرائيل فأن الإنفاق على البحث العلمي عدا العسكري حوالي 9.8 مليارات “شيكل” يوازي 2.6% من الناتج القومي  .

 (2) الأسباب السياسية : معظم بلدان الشرق الأوسط هي ذات نظم تسلطية واستبدادية يقع بعضها في جغرافية العالم العربي ، وبالتالي في ظل هذه الأنظمة تنعدم مظاهر التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والإعلام  ، وبالتالي كلها اسباب ادت إلى إدلاع ثورات الربيع العربي .

أبرز التحديات التي يمكن أن تحد من اندفاع حركة الإصلاح خاصة في مجتمعات العالم الثالث التي تعاني من أزمات متعددة تعيق حركة الإصلاح بما يلي :

 أولاً- العوامل السياسية : تتعدد العوامل السياسية التي تشكل عقبة في طريق الإصلاح ومنها:

–  ضعف الإرادة السياسية لدى الفئة الحاكمة ، فالإصلاح يحتاج إلى إرادة سياسية لديها الرغبة الصادقة والقدرة الأكيدة على العمل الجاد وإحداث تغييرات سياسية هامة .

قد يهمك ايضاً:

–  غياب المؤسسات الدستورية أو ضعفها وفقدانها سلطات التشريع والمراقبة أو اتخاذ القرار، وضعف وغياب مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات واتحادات وجمعيات .

– تدني نسبة المشاركة السياسية لدى الجماهير وخاصة المرأة وغياب الضغط الشعبي مع ضالة الوعي السياسي.

– عدم الاستقرار السياسي والتطرف والفوضى والإرهاب والأزمات والحروب الأهلية.

ثانياً – العوامل الثقافية : حيث تلعب العوامل الثقافية دوراً بارزاً ومؤثراً على الإصلاح السياسي اما بدفع مسيرته إلى الأمام أو العكس بوقف وإعاقة عملية الإصلاح ، ذلك أن تركيبة المجتمع ومؤسساته وقيمه وأنماط سلوكه ، لها دور مباشر في التأثير على الإصلاح سلباً أو إيجاباً.

ويعتبر الدين في المجتمعات المحافظة من العوامل الثقافية التي تقف عقبة في طريق الإصلاح، حيث أن عدم دعم ومباركة رجال الدين للكثير من الإصلاحات والتغييرات يفقدها شرعيتها، وبالتالي يتم رفضها .

ثالثاً – العوامل الاقتصادية : تعاني معظم الدول والشعوب من الأزمات الاقتصادية مثل ضعف الموارد والإمكانيات وانتشار الأمية والفقر والبطالة وتفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء ، وبالتالي هذه الأزمات تحول دون تحقيق الإصلاح السياسي الذي يصبح الحديث عنه اشبه بالترف الفكري

ومن المؤكد أن بلدان الربيع العربي تسير في اتجاه الإصلاح السياسي بمواقف متنوعة ، ولكن هنالك إشكاليات تظل ماثلة في الواقع العربي تتخذ مظهرين :-

1. إشكالية بناء مشروع الإصلاح والنهضة : حيث تعتبر قوى وتيارات التغيير داخل البلاد العربية القطرية المجزأة الضعيفة لا تملك مشروعا للإصلاح والنهضة يستجيب لحاجيات شعوبنا وأهدافها في التحرر والتنمية والنهضة.

2. إشكالية وجود قيادة : حيث تظهر الحاجة إلى قيادات وطلائع للإصلاح السياسي والنهضة العمرانية الشاملة ، مشكل قيادات ميدانية يظل محورا مهما في سياق الحركية المنشودة، خاصة إذا أثبتنا حاجة الشعوب إلى قيادات سياسية قادرة على التعبئة والتأطير واقتراح سبل إجرائية وجريئة وتكون قيادات طلائعية تكسب ثقة الجماهير.

والحقيقة إن الاصلاح السياسي يحتاج الى ارادة والى عمل يرافق هذه الارادة وان تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة الى الجهات المنوط بها اجراء تحديث واصلاح وبشكل علمي جدي وليس بشكل عاطفي رغبوي يطور هنا ويستثني هناك وهكذا تكون العملية مبتورة وبالتالي لا يكون هناك أي نتائج مرجوه من هذا الإصلاح . فمن تجربة الاصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والانساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة وهذا امر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الاصلاح يجب استبعاد الاناس المسؤولين عن آثار التردي والفساد وهو ظاهرة مستشرية في العالم العربي ومحاسبتهم قانونيا ، وحلول اناس وخبرات جديدة حديثة ويتولون عملية رسم آفاق جديدة لإصلاح ما فسد او ما افسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة ويتابع البلد والمجتمع مسيرته نحو الافضل .

عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي هي عملية ضرورية جداً وذلك ليس مجرد رغبة بل هي ضرورة لان انماط والأشكال السياسية الحالية السائدة في العالم العربي لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة وهي بالتالي قد انتفت الحاجة لها

ولان السبب الذي كان يضمن للنخب الحاكمة الاستمرار في الحكم وفي السلطة بهذا الشكل مثل ان تحتكر السلطة الحكم لثلاثة عقود او عقدين لم يعد مقبول في مرحلة العولمة وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية والحكومات الشمولية وانتهاء الحرب الباردة

 ولان العالم بشكل اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة من الحياة اذا ان التغيير السياسي والاقتصادي هو كالسيل الجارف سيجرف معه كل اشكال السلطات والتشكيلات التي لا تلائم نفسها مع معلم الحياة الجديدة

اترك رد