مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

وفي الصبر عطاء.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح

2

وفي الصبر عطاء

بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح

[الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله] الراوي: علقمة بن قيس. المحدث: المنذري. المصدر: الترغيب والترهيب. رواته رواة الصحيح.

إذا كان الصبر يمثل نصف الإيمان، فإن الشكر يمثل نصفه الآخر، إذًا، فمن تمام الإيمان وكماله أن يصبر العبد في الضراء، وأن يشكر في السراء، عن صهيب ابن سنان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): [عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له] رواه مسلم.

هذا التوازن العجيب في حياة المؤمن في جميع أحواله يجعله دائم التفاؤل ولا يرى في الكأس النصف الفارغ، بل يرى دائمًا النصف الملآن، وإذا عظم تفاؤله، فإنه يرى الكأس كله ملآنا، وتتضاءل مساحة التشاؤم في نفسه حتى تختفي وتصبح أثرًا بعد عين.

الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) يبدي تعجبه من أمر المؤمن ويرى الخير كله في جميع أحواله، فالعبد الواثق من حكمة مولاه سبحانه فيما يجري عليه من بلاء يرفل في أثواب الخير، ويتجمل بالصبر الجميل على ما يصيبه من ضراء ويشكر مولاه سبحانه لأنه وحده الذي لا يحمد على مكروه سواه جل جلاله، وتقدست اسماؤه وصفاته، وصدق الله العظيم: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} البقرة/216.

وقد يظن العبد أن في بسط الرزق خير له، وأن في قبضه شر له، وهو لا يعلم أنه من الممكن أن يكون في البسط شر، وفي القبض خير لأنه لا يعلم مآلات الأمور، ويجب على المؤمن أن يكون شعاره في الحياة، وفيما يجريه عليه مولاه سبحانه من أقضية قوله تعالى: { لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم} (النور/ 11)، وعلى العبد الطائع الصابر ألا يستعجل الأمور، ولا يقف عند ظواهر النصوص، بل عليه أن يغوص في أغوارها ليدرك ما خفي عليه منها، وما أدركها غيره من أهل البلاء الذين أنار الله تعالى أبصارهم وبصائرهم فرأوا الحكمة في بلواهم، ويتخذ منهم أسوة حسنة، ووسائل إيضاح ليطمئن قلبه، وترتاح نفسه، ويسلم لله تعالى أمره تسليم رضا واحتساب، وعلى العبد أن يكون التدبر لآيات الله تعالى هو بوابة الدخول على القرآن واستجلاء مقاصده ومراميه، قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} محمد/24.

قد يهمك ايضاً:

أهيم بطيفك

إذًا، ففي الصبر عطاء وأي عطاء، ولكن عن أي صبر نتحدث هل هو مطلق صبر أم عن صبر مصحوب بالرضا والاحتساب؟ لا شك أن الصبر الذي يأتي بكل هذا الخير هو الصبر المصحوب بالرضا والاحتساب الذي هو: (الصبر الجميل) الذي تذرع به أنبياء الله ورسله الكرام (صلوات الله عليهم وسلامه): الصبر الذي صبره أولو العزم من الرسل، وصبره أيوب ويعقوب (عليهما الصلاة والسلام).

إنه صبر المصطفين من الأخيار الذين صاروا معالم يدلون الناس على الصراط المستقيم، الذين قال الله تعالى عنهم: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} النساء/69. 

لقد صبر نبي الله أيوب (عليه السلام) حتى صار عنوانًا على الصبر، وأسوة صالحة للصابرين يضرب به المثل لأهل البلاء الذين صبروا واحتسبوا، فنالوا من الله تعالى حسن الثواب. ونبي الله تعالى يعقوب كان من أهل البلاء والصبر، ووصف صبره بأنه صبر جميل لأنه خلا من السخط وتزين بالرضا والاحتساب.

هذا حال الصابرين الراضين المحتسبين أما الصبر الخالي من الرضا فطعمه مرُّ كالعلقم، يتجرعه العبد ولا يكاد يسيغه إلا وهو مكره عليه لأنه لا حيلة له في دفعه.

من هنا ندرك أن للصبر مكانة عظيمة عند الله تعالى إذ يمثل شطر الإيمان، والشكر شطره الآخر، وحياة العبد تتقلب بين السراء والضراء، وهو يحتاج إلى الصبر في الضراء، كما يحتاج إلى الشكر في السراء لأن كلاهما اختبار، فقد يسقط العبد في اختبار الشكر بينما ينجح وربما يتفوق في اختبار الصبر، وقد يكون العكس لأن الله تعالى أعلم بعباده، فمنهم من يبتليه بالضراء ومنهم من يبتليه بالسراء كل بحسب ما يصلحه.

قد تأتي النعمة إلى العبد فتطغيه فيحجبها مولاه تعالى عنه دفعًا للشر عنه، يقول سبحانه وتعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير} الشورى/27، وعلى العبد ألا يفرح بالنعمة إذا أقبلت عليه حتى يعلم مآلها، ويرى أثرها على أحواله، فإن جلبت له الخير فليفرح بها، ويخرج منها حقوق العباد، وليرى مولاه سبحانه أثر نعمته عليه، وإن كانت سببًا في طغيانه وتكبره على الناس فليبادر بالتوبة وتصحيح المسار حتى لا يقع في حبائل الشيطان الذي أخذ على نفسه أن يغوي بني آدم.

كل ما سبق من عطاء البلاء إذا أحسن العبد استقباله وبذل له من الحفاوة والتكريم ما يستحق، فإن فعل ذلك فليهنأ بالضراء كما يهنأ بالسراء.

اترك رد