مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

السياسة الخارجية المصرية.. إعادة رسم لخريطة حقول ألغام

4

 

 

كتب – محمد صبحي:

يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي غدا “الاثنين” زيارة مهمة إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا، يعقد خلالها مجموعة من المشاورات السياسية مع نظيره القبرصي نيكوس أناستادياس، كما يلقي كلمة امام البرلمان القبرصي، في واحدة من الإجراءات نادرة الحدوث في قبرص، وهو ما يعكس عمق ما وصلت إليه العلاقات المصرية القبرصية.

ورغم أهمية الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي، إلا أن السياق الذي تأتي خلاله تلك الزيارة يضفي عليها مزيدًا من الأهمية، فهذه الزيارة تأتي وسط سلسلة من الزيارات الإقليمية والدولية للقيادة السياسية، سعيًا لإعادة بناء التحالفات الإقليمية والدولية في منطقة ومرحلة تتنازعها أنواء الصراعات، وتتقاذفها التحولات الدرامية، فأصدقاء الأمس سرعان ما يتحولون إلى خصوم اليوم، والعكس صحيح.

ويبدو واضحًا من خلال قراءة ما بين سطور التحركات المصرية على صعيد السياسة الخارجية خلال الأشهر القليلة الماضية، أن القاهرة تسير بخطى ثابتة نحو إعادة بناء خريطة تحالفاتها، ومحاولة ترميم الكثير من الشروخ والتصدعات التي شهدتها المنطقة على مدى السنوات الست الأخيرة.

وتتجلى ثوابت السياسة الخارجية المصرية في مجموعة من النقاط الجوهرية التي ينبغي إدراكها، كي يمكن فهم التحركات الخارجية الحالية والمستقبلية على نحو دقيق وواضح، ولعل في مقدمة تلك النقاط:

– احتواء الصراعات المتفجرة في المنطقة، والحفاظ على كيان الدولة الوطنية من السقوط كهدف رئيسي واستراتيجي

قد يهمك ايضاً:

الرئيس السيسي يبحث مع رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية…

وزيرا الإسكان والبيئة يناقشان مقترحات إدارة وتشغيل مشروع…

– محاصرة أي تمدد او صعود لقوى الإسلام السياسي في الدول التي تشهد صراعات، لأنه قد يمثل دعما لتلك القوى في الداخل المصري، ويرتبط بهذا الهدف ربط وجود تلك القوى بالإرهاب، وكذلك التضييق على مراكز الدعم المالي والإعلامي لتلك القوى في المنطقة، وبخاصة قطر وتركيا.

– بناء شبكة قوية من العلاقات مع الدول الإقليمية والكبرى، والاستفادة من نمو تلك العلاقات في توفير زخم اقتصادي، إلى جانب العلاقات السياسية، بما يدعم جهود القاهرة في إعادة بناء اقتصادها، وتنويع مصادر نموه.

وبطبيعة الحال، فإن هناك العديد من النقاط الجوهرية الأخرى، لكن تبدو تلك النقاط هي المحددات الأكثر وضوحاً، والتي تترجمها التحركات المصرية بشكل ملموس، فعلى نطاق دائرة العلاقات المصرية الشرق أوسطية، تسعى مصر إلى استعادة حضورها في ملفات المنطقة الملتهبة، التي ابتعدت عنها طويلا بفعل انشغالها بالهموم المحلية، ولعل استعادة زخم الدور المصري في ملفات المصالحة الفلسطينية، ثم الدخول بحذر في الملف السوري، ثم الحضور في ملف المصالحة بين مجموعة من الفصائل المتنازعة في جنوب السودان، يعكس رغبة أكيدة في استعادة ما فقدته القاهرة من رصيد مهم من الحضور في تلك الدوائر المهمة للأمن القومي المصري.

وهناك أيضا إعادة بناء التحالفات العربية، مع حلفاء القاهرة التقليديين، ومحاولة “عقلنة” الأداء السياسي لبعض هؤلاء الحلفاء، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، والاستفادة من تلك العقلنة في تهدئة الكثير من الصراعات الملتهبة، لا سيما في سوريا واليمن، وربما الاستفادة من التقارب المصري الخليجي، في بناء جناح عربي في الجهة الأخرى من المنطقة، وتحديدا في المغرب العربي، من خلال تقارب مماثل مع الجزائر وتونس، بهدف محاصرة التشرذم الليبي، الذي يمثل واحدة من أخطر بؤر التهديد للقاهرة.

وغير بعيد عن الشواطئ الليبية، والهموم الليبيبة، يرتبط النهج المصري في إعادة بناء التحالفات الإقليمية، بالمساعي الحثيثة لمد جسور التعاون مع الضفة الأخرى من البحر المتوسط، سواء من خلال تحالف قوي مع كل من قبرص واليونان أقرب الجيران الأوربيين لمصر، واللذين يشكلان شوكة في خاصرة تركيا، التي تلقي بثقلها خلف جماعة “الإخوان”، وتصر على مناهضة نظام الحكم في مصر، واستضافة فلول الجماعة الإرهابية وقنواتهم التلفزيونية، وهو ما يمثل بالإضافة إلى الدعم القطري “أنبوب الأكسجين” الوحيد  الذي يبقي الوجود الإخواني على قيد الحياة، وفي حالة نجاح القاهرة في فصل هذا الدعم، فسيكون الأمر بمثابة انتصار تاريخي على جماعة لا تزال تمثل – رغم ما تعانيه من ضعف وتمزق- تهديدا قائما.

وبالإضافة للعلاقات الإقليمية، تسعى القاهرة إلى الحفاظ على علاقات قوية أو على الأقل متماسكة مع القوى الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا، وقد نجحت بالفعل في تحقيق توازن ملموس ي هذا الشأن، وإن لم تحل العلاقات الطيبة من حدوث منعطفات صعبة في العلاقة مع واشنطن وموسكو، ليس أقلها أزمة تخفيض المعونة الأمريكية، والمماطلة الروسية في إعادة حركة السياحة والطيران إلى مصر.

ورغم تلك النتائج التي تبدو في مجملها إيجابية للتحركات الخارجية للقاهرة، غلا أن الأمر لا يخلو من تحديات كبيرة، لا يزال أداء السياسة الخارجية المصرية بعيدا عن تحقيق اختراق حقيقي فيها، ولعل ملف أزمة سد النهضة أبرز مثال، فمصر حتى الآن تمد كثيرا من حبال الصبر مع المماطلات والمماحكات الأثيوبية، لاستنزاف الوقت، وفرصض السد وتداعياته كأمر واقع، ويبدو ان الوقت ليس في صالح القاهرة، لا سيما مع ذلك الانحياز السوداني للموقف الأثيوبي، وهو ما يعني أن السياسة الخارجية المصرية مطالبة باستراتيجية مغايرة لما انتهجته خلال السنوات الماضية للتعامل مع الأزمة، ومحاولة البحث عن أدوات بديلة، لا يشترط دوما أن تخرج من “صندوق” السياسة.

اترك رد