مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

يوسف إدوارد يكتب: ليس أمامنا سوى خيار واحد هو التعايش الثقافي

0
إدارة التنوع.. تجارب في الميزان من واشنطن
بقلم: يوسف إدوارد
لا أقول جديدًا حين أذكركم ونفسى بحاجتنا الإنسانية الماسة للتعايش الثقافي؛ فالعالم الإنساني شرقًا وغربًا يتسم بخصيصة جوهرية ثابتة لا تتخلف على مر العصور وباختلاف الأمكنة، أعني بذلك خاصية التنوع والاختلاف؛ فالبشر مختلفون في الألوان واللغات والانتماء العرقي وفي عقائدهم أيضًا؛ إذن ليس أمامنا سوى خيار واحد وهو التعايش الثقافي.
والتعايش الثقافي موضوع حيوي وضرورته تفرض نفسها علينا تلقائيًا، لأننا لن نتفق، هكذا أخبركم بكل وضوح؛ فهل من الممكن أن نتنازل عن هوياتنا الثقافية أو عن انتماءاتنا الطائفية؟، هل من السهل على الإنسان أن يبدل هويته بأخرى؟؟ بالطبع لا، فما الحل؟؟ ما الحل ونحن كنا ولا نزال وسوف نظل مختلفين؟ الحل هو التعايش الثقافي، وهو القضية المصيرية العميقة جدًا بحيث لا يغنيها ولا يشبعها أي طرح سطحي أو عبارات إنشائية درجنا عليها في كتابات لا تقدم جديدًا ولا تطرح مفيدًا، وفي مسلسلات تصيب المشاهد عادةً بالتخلف العقلي وتدفعه دفعاً إلى كراهية مفهوم الوحدة الوطنية بسبب السيناريو المهترئ والحوارات السمجة.
نحن بحاجة إذن إلى تنوع في الرؤى والأفكار وإلى جدية في الطرح ومناقشة علمية لظاهرة موجودة ومتجذرة وتحتاج إلى بحثٍ وتمحيص. وكباحث في الشأن العام ومهموم بقضايا المواطنة والحوار بين أتباع الأديان حملت بين جوانحي همًا عميقًا ومؤرقًا ومضمونه كالآتي: ” كيف نتعايش كمصريين، بل كيف نتعايش كبشر؟ ” وفي إطار بحثي عن الحل وافاني القدر بتجربة مميزة في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مشاركتي مع مجموعة من الشباب العربي لنكون جزءًا من برنامج الزائر الدولي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو برنامج تقوم به الحكومة الأمريكية كل عام في عدة مجالات مختلفة لتبادل الخبرات مع القيادات الشابة من مختلف أنحاء العالم، ويتم اختيار الأشخاص حسب ترشيح سفارات الدول التي ينتمون إليها.
قد يهمك ايضاً:

مهرجان دبي للكوميديا 2024 يستضيف مجموعة جديدة من نجوم…

تعاون استثنائي بين “دو” و”شاهد”…

ويهدف البرنامج إلى التعرف على طبيعة الحريات الددينية وإدارة التنوع داخل المجتمعات الأمريكية من خلال زيارات واجتماعات ومقابلات لأغلب المؤسسات المعنية بالحرية الدينية وإدارة التنوع بداية من وزارة الخارجية ومفوضية الحريات الدينية بواشنطن إلى مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات دينية مختلفة لبعض الولايات الأخرى كنيفادا وتكساس وفلوريدا.
ومن خلال هذه التجربة تبين لي أنه بدون التنوع الثقافي لا يمكن أن ترتقي المجتمعات إذ لا يمكن أن نتقدم ونحن نحصر أنفسنا في قالب واحد من الأفكار، فاختلاف وجهات النظر طبيعة كونية وليس معوقًا للنهضة والدليل القائم أمامنا يتمثل في الولايات المتحدة والطفرة التي حققتها في كل المجلات منذ أن خرجت كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، ولا أنكر أن الولايات المتحدة لم تعد هي القطب الأوحد كما كانت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي لكنها لا تزال تحافظ على ميزان قوتها ونحن لا ندافع إطلاقًا عن مواقفها غير الأخلاقية تجاه القضايا العربية ودعمها المطلق واللا مشروط للكيان الصهيوني الغاصب ولكننا فقط نعبر عن إعجابنا بنمط حياة استطاع أن يستوعب كافة الأطياف الدينية والعرقية كذلك.
ولكي نحمي التنوع الثقافي علينا أولاً أن نقر به كأمر واقع وأن نعي جيدًا كيف تكفل القانون الدولي بحمايته، وأن نؤمن بضرورة التعايش السلمي كأمل وحيد وطوق نجاة لمصر وللبشرية جمعاء، وعلينا دائمًا أن نقيم حواراً جديًّا وهادفًا فيما بيننا، ودون ذلك لا أمل في المستقبل، لأن التمييز الطائفي هو المورد الرئيس لتحطيم أي مجتمع مهما بلغ تقدمه.
وبخلاف الولايات المتحدة فنحن نرى في مصر بشكل مستمر ردعًا تقوم به جهات متطرفة وموتورة للرأي وللرؤية وإمعان في عدم الفهم بحجب العقل دائمًا والسمع أحيانًا.
ويهمني في هذا المقام أن أتكلم باختصار وأن أحدد الهدف الذي من أجله كتبت هذا المقال؛ فأقول نحن بحاجة أولاً إلى تفعيل الحوار الإسلامي المسيحي ونحن نعي بالطبع أن اختلاف المسلم والمسيحي ليس خلافًا في وجهات النظر وإنما هو أعمق من ذلك، ولكن يمكن أن يرتكز الحوار على المشتركات الكثيرة بين الإسلام والمسيحية، وعلاقة المسيحية والإسلام علاقة دائمًا تسودها المودة والاحترام، فلماذا لا نتكلم فيما نتفق فيه ونلقي عليه الضوء؟؟، ونريد كذلك حوارًا بين الحضارات والشعوب وهذا الحوار لن يتم ولن تكتمل مفرداته دون توافر شروط تكافؤ الإرادة وكفاءة الإدارة مع الاحترام المتبادل وأن نضع في الاعتبار دائمًا خطورة أي مسعى يهدف إلى التفريق والصراع.
وختامًا أقول لقد وجدت في الولايات المتحدة الأمريكية اختلافات أقوى وأعمق من اختلافاتنا كمصريين وتبين لي أن ما لدينا ليس اختلافًا من الأساس بل هو تنوع في إطار الوحدة، وأنا أتسائل بمنتهى الصدق عن الفارق الجوهري بين المسلم والمسيحي ولندع شأن العقيدة جانبًا في كلامنا وننظر إلى أسلوب الحياة وطرائق التفكير والعادات والملامح، هل يوجد تمة اختلاف؟؟ ورغم ذلك نحن مختلفون دائمًا وكأننا رأينا حياتنا بسيطة فأردنا أن نعقدها بافتعال الخلاف أو كأننا كوطن نملك رفاهية النزعة الطائفية إن جازت تسمية الطائفية رفاهية، والحق أننا لسنا ضحايا لمؤامرة إذ يبدو أننا الذين تآمروا على أنفسهم.
اترك رد