مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ولدي وكليتي

7

بقلم – أحمد عيسى:

فَقَدَ “كريم” والده مُذ كان تلميذاً بالتعليم الابتدائي، فنشأ يتيماً وكانت أمه نِعم الوالدة له والوالد.

عكفت الأم على تربية صغيرها وتعليمه، أحبته حباً جماً فلم تفكر في الزواج، وملأ “كريم” عليها حياتها فكان ملء سمعها وبصرها وموضع السويداء من قلبها.

تخرج “كريم” في الجامعة وصار طبيباً، وفرحت الأم كثيراً بجني ثمار الغرس وحصاد التربية.

على حين أرجأ “كريم” زواجه حتى يستطيع ردّ جميل الأم برحلة حجٍّ وعُمرة وبعض الهدايا القيمة.

كان “كريم” مع والدته أثناء رحلتهما لبلاد الحرمين نعم الابن البار إنفاقاً وحدباً، ورقة وبراً وحباً، حتى أنه أدى عنها ما شقَّ عليها من مناسك، واحتملها أحياناً لتباشر العبادة في قرب ومتعة.

عاد “كريم” وأمه إلى مصر بعد هذه الرحلة المباركة، وكدأب الآيبين من الأسفار كانا متعبين مرهقين، وعقب صلاة العشاء بنحو ساعتين أخذ كلٌّ منهما حماماً، وتناولا عَشاءً خفيفاً ثم أسلمهما إرهاق السفر إلى نوم عميق لم يستيقظا منه إلا على صوت أذان الفجر.

وأثناء نومهما..

قد يهمك ايضاً:

لاتدنو من مواجعنا

رأى كلٌّ من الأم والابن الآخر قد برَّحت به آلام الكُلْيَة، وبعد عمل الفحوصات، والإشاعات، والتحاليل الطبية اللازمة، أجمع الأطباء على الإصابة بفشل كلوي وقرروا ضرورة المسارعة باستئصال كُلية وزرع أخرى في سباق مع الزمن إنقاذاً من موت محقق.

هكذا رأى “كريم” أمه في منامه يحيط بها الموتُ من كل مكان، ولا نجاة لها إلا بزرع كُلية، كما رأت الأم وحيدها في منامها يصارع الموتَ المُحْدق في انتظار حياة جديدة تُوهب له بنقل كُلية على جناح الفور.

لم تتردد الأم في المبادرة بعرض نفسها على الأطباء ليقرروا صلاحية نقل الكُلية منها إلى فلذة كبدها “كريم”، على حين أجرى “كريم” اتصالات عدة بمؤسسات طبية، وأقارب، ومعارف، وزملاء لكي يصل إلى متبرع لأمه يبدد آلامها، وينقذ حياتها، ويكون سبباً في برئها وشفائها بإذن الله.

أخيراً قرر “كريم” بعد عجزه في الحصول على متبرع بالكُلية لوالدته أن يهب إحدى كُليتيه لأمه؛ فهي الأم الرؤوم الحنون التي ضحَّت حياتها كلها من أجله صغيراً وكبيراً، طالباً وطبيباً.

وبخطواتٍ ثابتة ضارعة لهِجَة وَلَجَت الأم غرفة العمليات لتهب لولدها إحدى كُليتيها طيعة النفس، راضية القلب، مستقرة العقل، هادئة الفكر.

أما “كريم” فقد تقدم إلى غرفة العمليات متشجعاً متصبراً لإنقاذ أمه، متيقناً أنه يبذل قُصارى الوُسع ومُنتهى الطَّوْل الذي يمكن أن يمنحهما بارٌ لوالدته أو ابنٌ نبيلٌ لأمه.

وفي غرفة الإفاقة لم يُوقظ الأم وابنها طبيبٌ أو ممرضة، بل أفاق كل منهما على صوت الأذان، في لحظاتٍ كانت تتمتم الأم متغلبة على آلامها هامسة:

“كريم”.. ابني.. ولدي!! على حين كان “كريم” يجأر في ألم ووجَل: آه.. ظَهْري.. جانبي.. كُليتي!!

لَعَمْرِي هل سيدرك “كريم” بعد يقظته من المنام أنه لم يضارع عطاء أمّه حتى على مستوى الأحلام؟!!

 

التعليقات مغلقة.