مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“نظارتي السوداء الكبيرة “قصة قصيرة

1

 بقلمي وريشتي – فاطمة أحمد ” مصر”  :
*لأول مرة أسافر بالقطار، قالوا لي أن السفر بالقطار له متعة ما بعدها متعة، وافقتهم، خاصة أنني أحب التغييرـ الذي يجعلني أحلق بخيالي إلى بعيد، أبعد من كل البلدان، أبعد من أي مكان يتخيله إنسان، متمنية في كل مرة أن يأتيني ذلك الذي سيعربد في خيالي ومخيلتي، “شيطان الشعر” علني أجد ضالتي بصحبته، وأكمل قصيدتي التي كنت قد بدأتها منذ ألف عام!
* الوحدة تصرخ في قلبي، تنادي: يا شيطان الشعر تعالى يا ملاكي، آتي بحروف من نار، من جمر، من حمم البراكين، من.. من قلب يحب، كي أجمع تلك الحروف، ألملمها.. أضمها الى صدري، أُكوِّن كلمة.. وكلمة! يالك من شيطان أحمق، لك قلب قاس تتدلل به على قلبي المسكين، يصفونك بأنك أرق الشياطين، لذلك أحبك.. وأسعد لحظاتي حين تكون بجانبي وأمامي، تمسك بقلمي حين، وتعبث بالورق حين أخر، تدور بعقلي، تعربد في خيالي، أكتب وأكتب، إلى أن تخرجني بكلماتك عن حد الأدب، فأنهرك وأستعيذ بالله منك، فتهرب مني، أناديك ثانية بأعلى صوتي، أتوسل إليك، أبكي لتأتيني، كي أكمل قصيدتي، لكنك لا تأتي، أظل أبحث عنك في أرجاء البيت، في ألباب الكتب، في نبضات القلب، أسأل عنك في كل مكان في أنحاء الأرض، أصرخ في الناس، في كل الناس: دلوني عليه، أتوني به كي أكمل معه قصيدتي، التي سألتقي في نهايتها مع الحبيب الذي ينتظره الفؤاد من ألف عام، ويزيد! قالوا لي سافري هذه المرة بالقطار، وخذي معك قصيدتك الناقصة، ربما تجدين هناك ضالتك!
*************
• جاءت جلستي في القطار بجانب سيدة في منتصف العمر، ترتدي ملابس أنيقة للغاية، وتضع فوق عينيها نظارة سوداء كبيرة، أنا أيضا ً كنت أرتدي نظارة سوداء كبيرة! أخذت أنظر إليها من خلف النظارة! إلى شعرها الكستنائي اللامع، والى حذائها الأسود الشمواه الأنيق، لم يكن “التايير” الذي ترتديه يشبه التايير الذي ارتديه سوى في لونه فقط، فكلانا ترتدي تايير أخضر اللون ومن تحته بلوزة سوداء قاتمة! صرت أتخيل شكلها بدون النظارة! وأتخيل شكل عينيها ولونهما! القطار يمتلئ بالركاب من جميع الأعمار والأشكال، رغم ذلك مازلت أشعر بالوحدة القاتلة، التي كنت أتصور أني قد تركتها هناك خلفي في البيت، حيث حجرتي التي أكتب فيها تلك القصائد الناقصة!

قد يهمك ايضاً:

مهرجان دبي للكوميديا 2024 يستضيف مجموعة جديدة من نجوم…

تعاون استثنائي بين “دو” و”شاهد”…

* لقد جذبتني تلك المرأة بغموضها، الذي يتمثل في صمتها الكئيب، يكاد يقتلني الفضول في معرفة شئ عنها! أي شئ! سأتشجع وأحاول أن أتحدث إليها!

يا للمصادفة العجيبة، هي أيضا ً شاعرة حائرة مثلي، تعاني الوحدة، وتفتقد الحب، تبحث عن شئ ما، لم تحدثني عنه، لم تقل لي ما هو! وعادت لصمتها المعهود الذي يلازمها دوما! ومنذ أن بدأت قصيدتها كما حدثتني، أشعر أنها تراقبني من خلف نظارتها، تكاد بتلك النظرات أن تشق صدري كي تمسك بقلبي، علها تريد أن تلقي به من نافذة القطار؟ يا إلهي! لا.. لن ادعك تلقين بقلبي بهذه القسوة، قلبي الذي يتوق الى الهوى مثلك، لن ادعك تحطمينه!
ــ لا.. لا تخافي حبيبتي، لن أحطم لك قلبك، فقلبك مسكين مثل قلبي، سأكتفي فقط بأن اترك لك المكان.
ما هذا؟! من هؤلاء الناس الذين يتجمعون حولي وحولك؟! ماذا تقول أيها الرجل؟ تقول أنني أتحدث الى نفسي؟ أين عينيك؟ الم ترى من تجلس بجانبي؟. وماذا تقول أنت أيضا، تقول إنني “مجنونة”؟ لا.. إنني لست بمجنونة، أنا عاقلة جدا، أعقل منكم جميعا، لكن.. كل ما هنالك أنني أبحث عن..لا.. لن أقل لكم عمن أبحث، ما لكم أنتم بي! حتى أنت أيها الرجل الطيب تصفني بالجنون، لا والله.. أنا لست مجنونة كما تعتقدون، أليس اليوم الأحد، والذي نركبه قطار؟ وهذا كرسي، وهذه حقيبة، وهذه سيدة تجلس بجانبي،
ما هذا!؟ أين السيدة التي كانت تجلس بجانبي منذ لحظات؟!
ــــ هاتي يدك..
سأخلع نظارتي السوداء كي أرى من ذا الذي يمسك بيدي!
ــــ من أنت أيها الشاب ذو الألف عام؟! أنت شاعر مسكين كنت قد بدأت قصيدة، القصيدة التي ستلتقي مع نهايتها مع الحبيبة التي تبحث عنها منذ ألف عام؟
ــــ هل قالوا لك سافر هذه المرة بالقطار، ربما تجد فيه ضالتك؟ “أكتب” ولقد وجدت ضالتي، واكتملت قصيدتي، حين إلتقيتك!
* وأنا .. لقد وجدت ضالتي، واكتملت قصيدتي، والتقيت بمن أبحث عنه، بعد أن خلعت عن عيني نظارتي السوداء الكبيرة!

اترك رد