في ضوء الأحكام القضائية الأخيرة التي قضت بإلغاء نتائج الانتخابات في عدد من الدوائر وإعادتها، وما أثارته من جدل واسع حول سلامة العملية الانتخابية، أكد محمد غزال – رئيس حزب مصر 2000 ورئيس ائتلاف الجبهة الوطنية الديمقراطية – أن الأزمة الراهنة لا تتعلق فقط بإجراءات تمت في بعض اللجان أو مخالفات حدثت أثناء الفرز أو الدعاية، بل ترتبط أساسًا بـ عوار تشريعي أصيل في قانون الانتخابات الصادر عام 2025، وهو ما يتحتم التعامل معه بقدر كبير من المسؤولية السياسية والدستورية حفاظًا على استقرار الدولة.
وقال: المفكر السياسي محمد غزال، إن ما نشهده اليوم ليس أزمة طعون انتخابية متناثرة، بل أزمة قانون انتخاب افتقد إلى الانسجام مع المبادئ الدستورية، الأمر الذي انعكس على مجمل العملية الانتخابية وأدى إلى اضطراب واسع يمثل تهديدًا مباشرًا لسلامة المشهد السياسي.”
وأوضح محمد غزال في تصريح لـه أن القراءة المتأنية للأحكام الصادرة تكشف أن المخالفات التي استندت إليها المحاكم ليست مجرد أخطاء تنظيمية، بل نتيجة طبيعية لنصوص قانونية جاءت مشوبة بعيوب دستورية واضحة.
وقد لخص أوجه هذا العوار في أربع نقاط محورية:
*أولًا: اختلال التمثيل السكاني والجغرافي*
أكد علي أن القانون الحالي خالف الدستور الذي يلزم بتحقيق التوزيع العادل للمقاعد بين المحافظات، مؤكدًا أن تفاوت المقاعد بين الدوائر ذات الكثافة السكانية المتقاربة خلق حالة غير مسبوقة من عدم العدالة، وأثر مباشرة على مستوى التمثيل السياسي.
*ثانيًا: تغييب الاستقرار التشريعي وإصدار القانون دون فترة انتقالية*
وأشار إلى أن صدور القانون قبل فتح باب الترشح بوقت قصير حرم الأحزاب والمرشحين من الاستعداد الكافي، وهو ما يناقض مبدأ الاستقرار التشريعي الذي أكدت عليه المحكمة الدستورية العليا في أكثر من حكم، ويخلّ بتكافؤ الفرص بين القوى السياسية.
*ثالثًا: حالات التمييز السياسي في ترتيب الأرقام الانتخابية*
شدد على أن حرمان بعض الأحزاب من الأرقام الأولى للمرشحين الفرديين لم يكن قرارًا إداريًا عابرًا، بل ممارسة ترتب عليها تمييز سياسي غير مشروع، يخالف صراحة مبدأ حياد الدولة في إدارة العملية الانتخابية.
*رابعًا: السماح لغير المقيم بالترشح في دائرة لا ينتمي إليها*
وقال إن هذا الأمر يناقض الفلسفة الاجتماعية للتمثيل النيابي التي تتطلب أن يكون النائب من نسيج دائرته، مشيرًا إلى أن هذا الخلل أدى إلى خلق فجوات اجتماعية وسياسية في الدوائر الصغيرة أو الممتدة جغرافيًا.
*دعوة إلى حل دستوري يحفظ استقرار الدولة*
وأكد أن الخروج من هذا المأزق لا يكون عبر إعادة الانتخابات في بعض الدوائر فقط، وإنما عبر إعادة النظر في القانون نفسه من خلال مسارين دستوريين متكاملين:
*المسار الأول: الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة النقض*
وأوضح أن هذا الطريق يسمح للمحكمة الدستورية العليا بالنظر في مدى توافق القانون مع مبادئ التمثيل العادل وتكافؤ الفرص والحقوق السياسية، مؤكدًا أن إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية سيضع الأزمة في إطارها الدستوري الصحيح.
**المسار الثاني: تحرك وزير العدل لطلب إزالة العوار التشريعي*
وأشار إلى أن قانون المحكمة الدستورية يمنح وزير العدل حق مخاطبة المحكمة بطلب إزالة التعارض أو الغموض في النصوص التشريعية، وهو مسار سبق استخدامه في قضايا حساسة تتعلق باستقرار الدولة.
وقال:
إن تدخل وزير العدل بطلب رسمي للمحكمة الدستورية لإزالة العوار التشريعي في قانون الانتخابات سيكون خطوة مسؤولة تُعيد الانضباط للمشهد، وتمنح الدولة فرصة لتصحيح مسار العملية السياسية بالكامل.”
*دمج المسارين … مخرج آمن يحمي الدولة*
وشدد على أن الدمج بين المسارين القضائي والتنفيذي يمثل الحل الأمثل للخروج من الأزمة، حيث إنه:
١ـ يعالج جذور الخلل بدلًا من معالجة نتائجه.
٢ـ يحمي شرعية البرلمان القادم من الطعون المتتالية.
٣ـ يعيد الثقة في العملية الانتخابية.
٤ـ يعكس التزام الدولة بتطبيق الدستور وإرساء العدالة السياسية.
*رسالة للدولة والقوى السياسية*
وأختتم تصريحه بالتأكيد على أن
إعادة بناء العملية الانتخابية على أسس دستورية سليمة هو واجب وطني يعلو فوق المصالح الحزبية. نحن أمام لحظة فارقة تتطلب شجاعة في اتخاذ القرار، ومصارحة مع الرأي العام، وحوارًا جادًا بين الدولة والأحزاب لضمان انتخابات عادلة تعكس إرادة المصريين.”
