مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

محمد الأمين البس يكتب: انطباعات زائرٌ للولايات المتحدة الأمريكية

1

انطباعات زائرٌ للولايات المتحدة الأمريكية

بقلم/ محمد الأمين أحمد البس

عن انطباعي عن الناس هنا بوجه عام أقول: بالنسبة للأمريكيبن وغيرهم من الجنسيات الأخرى الذين حصلوا على الإقامة أو الجنسية الأمريكية، الجميع يحترم النظام في كل وقت وفي كل مكان.

احترام قواعد المرور بصورة لا أعرف كيف أصفها لك.. كل واحد يقود سيارته في الحارة التي اختارها من بداية الطريق.. لم أسمع صوت آلة التنبيه منذ جئت هنا أول مرة في أواخر عام 2015 وحتى زيارتي هذه المرة من شهر مايو 2019 .

لا ينتقل سائق السيارة من حارة لأخرى إلا بعد أن يعطي الإشارة لمن خلفه بوقت كاف وبحيث تكون هناك مسافة كافية جداً لينتقل دون أن يزعج أو يضايق أحد.

طبعاُ مستحيل عمل أي مخالفة من المخالفات التي أصبحت سمة من سماتنا في مصر مثل: كسر الإشارة، الوقوف في الممنوع ، السير عكس الإتجاه ، تجاوز السرعة المقررة، وغيرها من المخالفات.

وعن احترام الدور فحدث ولاحرج ويظهر ذلك في المطاعم، مثلاً تأخذ طبقك وتقف في دورك

لتضع لك العاملات في المطعم ما تطلبه ولو بالإشارة دون جدال ودون مزاحمة ودون قلة أدب.

هدوء تام وأدب جم ونظام لا يخرج عنه أحد، وأخلاق راقية تأخذ ما تريد وتجلس في المكان الذي يعجبك.

في المولات.. تدخل فيقابلك العاملات بوجوه مبتسمة ولا تمل ولا يضايقها كثرة أسئلتنا مطلقا . وعند دفع الحساب نقف في دورنا، طابور، وتقف بعيدا عن الكاشير بمسافة كافية حتى ينتهي تماماُ من محاسبة العميل الذي أمامك.

نعم، توجد كثافة سكانية لكنها موزعة توزيعاً متوازناً يتناسب مع مساحة كل مدينة.

ما قلته عن النظام واحترام القانون واحترام حقوق الآخرين مرجعه إلى التربية الصحيحة منذ الصغر..  صحيح أنهم غير مسلمين ولهم أسلوبهم الخاص في ملبسهم بل في الحرية الشخصية بوجه عام ، ولكنهم يلتزمون بمواعيدهم ، ولا يكذبون في معاملاتهم، ولا يفعلون شيئاً يؤذي جيرانهم.

تأمل ما قلته لك الآن عن سلوكهم المرتبط بالآخرين بوجه خاص ثم قارن بينهم وبين ما يفعله كثير من المسلمين في ديار المسلمين.

لا يمكن أن ترى شخصاً يرمي زجاجة أو علبة فارغة بالطريق أو يبصق على الأرض كما يفعل ثلاثة أرباع المصريين، ولا يمكن أن ترى أكوام الزبالة كما نراها نحن في كل الشوارع وفي كل مدن مصر وقراها، و لا يمكن أن تجد شخصاً يجرؤ على وضع حجر أو يصب كتلة أسمنتية أمام بيته أو أمام محله حتى لا تقف السيارات أمام بيته أو أمام دكانه.

لا يمكن أن تري شارعاً مغلقاً يوماً وليلة وربما ليلتين لإقامة مسرح بالشارع  للغناء والرقص وإقامة فرح  وكراسي وترابيزات وحشيش وبيرة وبانجو!!

لا يمكن أن ترى شجاراً وشوية صيع من محترفي الإجرام يتقاتلون كما يحدث عندنا في الشوارع بالسيوف والسكاكين والشرطة تنتظر حتى يسقط الضحايا ثم تتدخل!

أقول: النظام والإلتزام من سمات المجتمع هنا، وليس مرجعه التربية الإيمانية لأنهم غير ملتزمين دينياً ، ولا تنسى أن المجتمع هنا في أمريكا خليط من الأمريكان الأصليين ثم الذين عاشوا هنا من سنوات طويلة وحصلوا على الجنسية الأمريكية أو الإقامة وهؤلاء أصولهم يهودية ومكسيكية وعربية وإفريقية وهنود وباكستانيين وغيرهم.

الذي أقصده هو أن الإلتزام والنظام أصبح عادة متأصلة.. ساعد على ذلك أن الإدارة منضبطة ليس فيهم مَن يقبل الرشوة لكي يعفيك من مخالفة مرورية ، ولا يوجد عندهم قهوة شهود الزور كما عندنا في الاسكندرية أمام مجمع المحاكم.. لو عندك قضية وفي حاجة إلى شهود زور تذهب للقهوة تأتي بمن تحتاجه!!

أما عن المسلمين هنا فقد قلت لك قبل ذلك أنني لاحظت أن غير المسلم الذي يهديه الله إلى الإسلام أراه أكثر التزاماً بآداب الدين وشريعته أكثر من الذين وُلدوا مسلمين !!!

ليس معنى هذا أن كل المسلمين هنا غير ملتزمين بدينهم.. لكن ليس بالدرجة المطلوبة وخاصة الأبناء لتأثرهم بالمجتمع غير المسلم من حولهم.. وخاصة أقرانهم بالمدارس والجامعات، ولذلك فإن المسلم الملتزم هنا يتضرر من اختلاط أبنائه بأبناء غير المسلمين.. وهناك مشكلة كبيرة تواجه المسلم في مجال التعليم.

أقول: المشكلة الكبيرة التي تواجه المسلم هنا قاصرة على مّن يعتبر أن ثروته الحقيقية ورأس ماله هم أولاده، يعني شغله الشاغل هم قبل أي شيء آخر.. المشكلة أنه في مجال التعليم عليه أن يختار بين إلحاق أولاده بالمدارس الأمريكية ( المجانية ) ويرتاح من توصيلهم للمدارس ثم المرور على المدارس لتوصيلهم إلى البيت.. لأن باصات المدارس تقوم بهذه المهمة..  وإما أن يُلحق أولاده بالمدارس غير الأمريكية والتي يتعلم فيها التلاميذ اللغة العربية والدين الإسلامي.

الفارق باختصار: في الإختيار الأول ( المدرسة الأمريكية ) .. لن يدفع مصروفات ولن يحتار في كيفية تدبير الوقت والجهد لتوصيلهم إلى المدارس ثم إعادتهم للبيت، ولكن الأبناء لن يسمعوا كلمة واحدة باللغة العربية ، ولن يدرسوا شيئاً عن الإسلام ، وطبعاً لا مجال للصلاة. والأخطر من هذا أن اختلاطهم بأقرانهم غير المسلمين يؤثر فيهم طبعاً بتكرار ما يشاهدونه وما يسمعونه منهم.

نعم، السلوكيات منضبطة، وأدب في الحوار، وسلوكيات طيبة في النظافة الشخصية والنظام، ولكن .. الملابس والطعام وأشياء أخرى كثيرة يتأثرون بها.

أقصد تحررهم وخاصة البنات والنساء فيما يسمونه حرية شخصية فيلبسون ما يعجبهم، ولا قيود على الطعام والشراب.. كل هذا وغيره مشاهد يومية متكررة أمام أعين أبناء المسلمين… فكيف لا يتأثرون؟!!

قد يهمك ايضاً:

إيرادات كارجاس تلامس ٤ مليارات جنيه لأول مرة

نعود إلى أهم ما يفتقدونه في المدارس الأمريكية وهو تعلم اللغة العربية والتربية الإسلامية.   هنا لابد أن يُبذل جهد خارق في البيت ليتعلم الأبناء اللغة العربية ويتم تحفيظهم سور من القرآن الكريم، واصطحابهم إلى المسجد يومي العطلة الأسبوعية ( السبت والأحد ) لكي يختلطوا بأقرانهم المسلمين ويعيشوا في أجواء المسجد الإسلامية… الحجاب الإسلامي وصلاة الجماعة وحتى مجرد التواجد في هذه الجموع الإسلامية هو نوع من التربية وأراه تحصيناً أو نبعاً من التطعيم ضد فيروسات المجتمع الأمريكي وسلوكياته.

خطورة التعليم بالمدارس الأمريكية أنهم يلقنون التلاميذ منذ الصغر مبدأ الحرية ويزرعون فيهم الـ Freedom أي الحرية دون أن يعلموهم ضوابطها وحدودها.. يعني كأنهم يقولون لهم: افعلوا ما شئتم..!

الإختيار الثاني في مجال التعليم هنا..  هو المدارس ذات الصبغة الإسلامية..  وهي طبعاً بمصروفات لأن الحكومة الأمريكية لا تدعمها مالياً..  وأصحاب هذه المدارس غالباً باكستانيين أو من الهنود المسلمين والمدرسين من جنسيات مختلفة لكن مسلمين طبعاً. في هذه المدارس يتعلم التلميذ اللغة العربية والتربية الإسلامية باللغة العربية ، وبقية المواد الأخرى باللغة الإنجليزية حسب المناهج الأمريكية.

في مثل هذه المدارس يطمئن الآباء على أبنائهم، لكن عندما يكون الأب لديه في المتوسط على الأقل ثلاثة أبناء في المراحل المختلفة فإنه يدفع مبلغاً كبيرا كمصروفات لهم.

وهنا يضطر معظم الآباء لقبول الإختيار الأول وهو المدارس الأمريكية.. ويستعين بمدرسين أو مدرسات لتعليم أبنائهم اللغة العربية والقرآن الكريم  وغالباً يكون ذلك في فصول بالمساجد.. مقابل مبالغ معقولة، لكن البنات لا يكملن الدراسة في المدارس الأمريكية بعد المرحلة الإبتدائية، ويتحمل الآباء مصروفات الدراسة بالمدارس الخاصة حماية لبناتهن.

وربما تسأل الآن: هل هناك نماذج على أرض الواقع استطاعت تحصين أبنائها من أخطار الإختلاط بين الجنسين في ظل الحرية المطلقة التي لا ضابط لها ؟

أقول:  نعم توجد نماذج عديدة.. غالبية المسلمين هنا يحرصون تمام الحرص على تجنب هذه الأخطار فالبعض لا يدخل أولاده المدارس الأمريكية نهائياً ويتحمل المبالغ اللازمة لإلحاقهم بالمدارس الخاصة ذات الصبغة الإسلامية، والبعض الآخر يكتفي بالمدرسة الأمريكية حتى المرحلة الإبتدائية فقط ثم ينتقل بهم إلى المدارس الخاصة ذات الصبغة الإسلامية.

وهكذا يتم حماية الأبناء من مخاطر الحرية الأمريكية، وهنا يجب أن نشير إلى أهمية الدور الذي تلعبه معظم المساجد هنا في تربية أبناء وبنات المسلمين:

 في كل مسجد مُصلى للنساء، وأماكن للوضوء.

 يمكن للنساء والفتيات متابعة دروس القرآن ومحاضرات عديدة لوجود سماعات في داخل مصلى النساء.

دروس يومية عقب صلاة العشاء.

حلقات للقرآن الكريم عقب صلاة الفجر للرجال.

فصول ملحقة بالمساجد لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم وكذلك لتعليمهم اللغة العربية مقابل مبالغ بسيطة.

في رمضان على وجه الخصوص يكون بالمساجد إفطار يومي مجاني ودروس بعد صلاة العصر.

وإذا كنت تسأل عن التماسك الأسري في المجتع الأمريكي فلابد أن نفصل بين الأمريكيين، وبين المسلمين الذين حصلوا على الجنسية الأمريكية أو معهم إقامة.

بالنسبة للأمريكيين: التماسك الأسري هش.. لأن الأسرة من الأساس غير متماسكة، وفي رأيي أن السبب الرئيسي هو إطلاق الحرية للأبناء بلا ضوابط.. فالبنت لها boy friend والولد له girl friend   ولا مانع من علاقات جنسية قبل الزواج.. كنوع من التجربة.. يعني يسمحوا بالمعاشرة قبل أن يكون زواج رسمي.

وبالنسبة للمسلمين: فالغالبية تفضل الزواج من نفس الجنسية.. يعني المصري – في الغالب- يفضل الزواج من مصرية وخاصة الموجودة على الأرض الأمريكية وهذا لا يمنع وجود زيجات بين مصريين وفلسطينيين أو سوريين أو مغاربة، وطبعا ممكن زواج مسلم من أمريكية مسلمة، لكن الأفضل في رأيي أن يتزوج المسلم من مسلمة من أصل عربي لأن تربية الأبناء هنا كما قلت لك تحتاج إلى جهد شاق يشارك فيه الأب والأم لكي يتعلم الأبناء اللغة العربية ويحفظوا ما يتيسر من القرآن.

وطبعاً توجد مقابر خاصة للمسلمين.. والميت يتم تغسيله وتكفينه ويُصلى عليه بأحد المساجد.

والحج والعمرة يؤديها المسلمون هنا بيسر وسهولة، و بالنسبة للزكاة والصدقات: في كل مسجد توجد صناديق مكتوب عليها.. هذا لزكاة المال ، وهذا للصدقة ، وهذا للإفطار لأنه في رمضان يقام إفطار يومياً طوال الشهر.. وكذلك الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي.

المسلمون هنا قسمان: منهم الذي شغله الشاغل نجاحه في عمله سواء عمل وظيفي أو مهنة أو تجارة.. منشغل بالعمل أكثر من أي شيء آخر.. نعم يصلي ويصوم ويحافظ على الصلاة لكن ليس بالضرورة في المسجد باستثناء صلاة الجمعة إذ يحرص الجميع عليها.. ولهذا تقام صلاة الجمعة في معظم المساجد مرتين متتاليتين لإتاحة الفرصة لمن فاتته الصلاة في موعدها الأصلي.

والمسلم هنا يمارس عبادته بحرية تامة مع مراعاة حرية الآخرين والمساجد لا تُغلق بعد الصلاة بل في أي وقت تدخل تتوضأ وتصلي وتقرأ في المصاحف بجميع اللغات.

وبمناسبة الوضوء لابد أن تعرف ان المساجد هنا نظيفة جدا وأماكن الوضوء مجهزة بأحسن وأحدث ما صنع في أمريكا.

كذلك توجد قاعات بالمساجد لعمل وليمة أو عقيقة أو إفطار جماعي في رمضان وغير رمضان، وتوجد مساحات تابعة للمسجد لم أرها في أي مكان آخر،  فكل المساجد بها مصلى للنساء وأماكن خاصة بهن للوضوء وغرف خاصة للنساء اللاتي معهن أطفال تحتاج للرضاعة .

وتوجد مدارس ملحقة بالمساجد ليست مدارس لتعليم كل المواد ولكنها للقرآن وتعليم اللغة العربية باعتبارها المادة التي لا توجد في المدارس الأمريكية، وكل يوم جمعة تتوافر حراسات من الشرطة الأمريكية أمام وحول المساجد، وأكثر من مسجد هنا به مساحات خضراء وملاعب تزيد مساحتها عن عشرة أفدنة بدون مبالغة.

اترك رد