مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ليل الغواية بين الحقيقة والخيال.. قراءة انطباعية للكاتبة سماح بني داود

4

ليل الغواية بين الحقيقة والخيال

قراءة انطباعية بقلم/ سماح بني داود

أتممت قراءة رواية “ليل الغواية” التي تقع في 192 صفحة ولم أتمكن من تصنيفها. هل هي رواية تاريخية أوسياسية أو عاطفية أو واقعية لتشابك الأحداث فيها وتقاطع القضايا واختلافها.

رواية مثقلة بأحداث، شخصيات، أمكنة، أزمنة واقعية ( باتنة، قسنطينة ،جبل الشلعلع بباتنة، وهران، عين أزال، واد سوف، العاصمة الجزائرية، 1997، رفيق طيبي ،25 نوفمبر 2009،تdزي وزو،….) و أخرى خيالية (المدينة الكئيبة، مدينة السعادة، حي المعدومين،….) ،وثالثة لا يمكننا تحديد ما إذا كانت واقعية أو خيالية تلك الشخصيات وعلاقتها بأحداث وقعت بأزمنة وأمكنة معينة كتبت بعد سرد على مسمع كاتبها فطرحت مسائل تمس المجتمع الجزائري الموجوع في ركن خفي منه أسدل عليه ستار التستر والصمت لتكون أول المسائل طرحا مسألة المحاصرة الأدبية خاصة الأدب المهتم بالعاطفة والحب الذي عاش ومازال يعيش أزمة حقيقية بين كاتب كُبل قلمه ومتلقي ينقصه الوعي بواقع تحكمة روابط دينية وأخلاقية داخل حلقة الروتين العبثي للعادات والتقاليد.

تقمص الكاتب أدوارا مختلفة لشخصيات الرواية فأخترع من خياله شخصية حميد باسي للاختفاء وراءها وسرد روايته “ليل الغواية” التي كتبها بعد تلقيه لوصية مختلفة المصادر تتمثل في شخصيات ارتبطت بأحداث تراوحت بين الواقع والخيال متخذا من شخصية “التايه” شخصية رئيسة تروي ما سمعته لتنفيذ الوصية بالسرد والنشر نكتشفه مع ظهور شخصية حميد باسي من جديد آخر الرواية مكلفا اياه بالنشر حيث يتحول رده من “وعد” إلى “فعلت” وهكذا يكون قد أنهى مهمته بعد نشر الرواية التي أصبحت بين أيادي القراء.

“وها قد سمعت الحكاية يا التايه أنشرها وحدث بها الآخرين حيثما رحلت و سلم على الذين يكافحون في كل بقاع القهر والخوف، اعتبرها وصية، لقد وصيتك عدني أن تفعل.. فعلت.”

قد يهمك ايضاً:

لا غرابة في التواجد المكثف للشخصيات النسائية في رواية كتبت لتهدى إلى إمرأة روائية كتبت عن هموم المرأة الجزائرية ومعاناتها ” ديهية لويز ” استحضار المرأة كان مقصودا فهي الركن الذابل في حديقة الوطن، تذبل كي يزهر ما حولها،تموت قهرا و ظلما كي يحافظ المجتمع على صورة جميلة لوطن متمسك بعاداته و دينه. أراد رفيق الطيبي في ليل الغواية طرح قضايا تتعلق بالمرأة والمجتمع والسياسة والأدب والفن والجسد بجرأة، فكان متصالحا مع ذاته ككاتب لا دور له غير نقل صورة مجتمعه كما هي للقارىء دون مساحيق تجميل، دون ستار ودون أغلفة عن طريق سرد قصة لكل شخصية بقضية مختلفة عن التي سبقتها “من نساء وثقن بي بسرعة، اشتركن في وصية واحدة سمعتها من صبيرة و هيام ومديحة اللواتي اخترن أن يكن نموذجا لحياة لا تتوقف معاركها وقد تعهدت بنقل تجاربهن إلى الآخرين…”.

طرح قضية الدين والسياسة، العهر والتطرف، الارهاب والتملص من الفقر، صبيرة لم تكن مجبرة على دخول البار لولا التهميش والفقر واليتم، تلك المرأة المشبعة بالعاطفة والحب و الولاء لأمها قذف بها واقعها المرير الى جحيم البار حيث كانت فريسة تنهش من معدومي الضمير من رجال أعمال و سياسيين لا هم لهم غير إرضاء غرائزهم، ليستحضر الكاتب شخصية “سي الناصر” رئيس حزب حركة الشعب الحر “الذي تزوجها بعد ليلة قضاها معها وصفها الكاتب بدقة فجسد تفاصيلها بجرأة قزمت وأذلت رجلا من رجال السياسة كان يبدو كبيرا في عيون الآخرين، وضعه الكاتب في اطار ذل لامرأة قاسمته لحظة متعة جنسية، لينتقل في مرحلة موالية الى تصوير خبثه كرجل سياسة من أجل الوصول الى مراتب عليا في الوزارة ومناصب كبيرة في الدولة بالكذب والتزوير والوعود الكاذبة.

ينتقل بنا الكاتب بعد الصفحة 48 الى طرح قضية جديدة الرشوة والمحسوبية، في ظل السحر والشعوذة والفساد الإداري بينه الكاتب انطلاقا من التكثيف في شخصيات الشيوخ التي تكررت أكثر من مرة (الشيخ الحسناوي، الشيخ الحملادي، الشيخ المهني…. زوايا، سحر، تعاويذ.. أولياء الله الصالحين، ابتلاء………) مع شخصية مديحة التي استغلت منصبها كرئيسة منظمة طلابية بالجامعة جعلتها تعرف عددا كبيرا من الناس لتكون شاهدة على ممارسات لا أخلاقية داخل الجامعة و الإقامة الجامعية كما كانت شاهدة على رشاوي يدفعها والدها مقابل الحصول على مشاريع البناء والترميم التي صارت رهينة حسابات خاصة، ليحول أمواله خارج الجزائر استعدادا لتهريب عائلته بعد إندلاع ثورة الربيع العربي بتونس ومصر وسوريا.

قضية جديدة مع شخصية هيام بداية من الصفحة 89 “تصحيح الزواج” او “الخيانة الزوجية ” أو “الحب خارج إطار الزواج” هذا الحب الذي كلفها الكثير من المتاعب بمجتمع لا يعترف بالمشاعر، حيث تطورت علاقتها بطالبها الذي يصغرها سنا لتجد نفسها داخل زوبعة من المشاكل انتهت بانتصار للحب فيه خسائر كثيرة.

وهنا يمكننا طرح السؤال التالي : هل الخيانة هي الحب خارج مؤسسة الزواج أم الزواج خارج أفق الحب؟ أوليس الاستمرار في الزواج دون حب هو خيانة؟ خيانة للعاطفة و الذات الإنسانية… كما لم يفوت الكاتب التغلغل في مسائل ثقافية أدبية و فنية أكد من خلالها على تهميش المثقف وانتهاك حقوقه.

في هذا المقطع من الرواية كنا قريبين جدا من رفيق الطيبي الشاعر الذي نثر بعضا مما كتب و عبر بأريحية عن اهتمامه الكبير بالفن التشكيلي و أعلامه، لينتقل الى طرح مسألة جديدة ظهرت مع فؤاد؛ مسألة الحب المثلي هذه الشخصية أقرت التهميش داخل مجتمع لا يعترف بالخيارات الذاتية و الميولات، مجتمع تحكمه قوانين الدين والأخلاق هذه الشخصية لم تطالب بقوانين تحميها بل اكتفت بايجاد مبررات تدمجها في المجتمع كعدم نبذه (المجتمع) للذين يعانون من أمراض “لم يكن مثلي يهدد ديانة أو شعبا كان حلقة ضعيفة في مجتمع واسع ومتعدد الألوان والثقافات” ص 157. ألم الكاتب بقضايا مختلفة طرحها بجرأة أديب شاب متصالح مع نفسه ومع مجتمعه، محايد، لا هم له سوى تصوير الراهن الجزائري بما فيه من عيوب وثغرات قصد إصلاحها و لملمة رقعها نحو مستقبل أجمل.

مزج الواقع بالخيال ليخرج سردا يروق للمتلقي” وصلت إلى تعزيز النص بالخيال أفضل من كتابة ناشفة” ما أحوجنا اليوم الى الجرأة، ما أحوجنا الى أن نكون متصالحين مع أنفسنا للارتقاء بلغة الجسد بعيدا عن التصنيفات و ما رسخ في أذهاننا من ولاء للعادات والتقاليد المكبلة للقلم والحرف. “العالم الممزوج بالواقع والخيال علمني المقدرة على البقاء حيا “.

اترك رد