مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

كيف تؤثر العقوبات على روسيا على الاقتصاد العالمي؟

5

على الرغم من أن روسيا لديها ​​146 مليون نسمة وهي أكبر كتلة أرضية في العالم إلا أن اقتصادها متواضع نسبيًا من حيث الحجم، حيث يُقارن إجمالي الناتج المحلي تقريبًا باقتصاد كوريا الجنوبية، ولكن السبب الرئيسي وراء الدور الكبير الذي تلعبه روسيا في العالم هو أنها مصدر رئيسي لبعض أهم السلع في العالم، وبالتالي فإن الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا وما ترتب عليه من عقوبات فرضتها دول غربية مختلفة يخلق خطرًا يتمثل في تعطل التجارة في السلع لا سيما صادرات النفط والغاز إلى أوروبا. 

ويتجلى هذا الخطر بالتحديد في زيادة كبيرة في أسعار السلع الأساسية، ومن المحتمل أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم العالمي وارتفاع أسعار تداول السلع وضعف النمو العالمي، ولقد أدت بالفعل العقوبات ببعض الشركات إلى العزوف عن التجارة مع روسيا مما قد ينتج عنه تعطيل سلاسل التوريد الرئيسية، ولكن سيعتمد حجم التأثير الاقتصادي على كيفية تقدم الحرب وكيف يؤثر ذلك على التجارة العالمية في السلع الأساسية. 

العقوبات ورد فعل السوق

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير فرضت الدول الغربية الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا واليابان مجموعة من العقوبات على روسيا، وشمل ذلك حظر التجارة الثانوية في السندات الحكومية الروسية وحظر التعامل مع البنوك الروسية الرئيسية وحظر تصدير التكنولوجيا الحيوية إلى روسيا وتجميد الأصول ومنع سفر النخبة الروسية، بالإضافة إلى ذلك، أوقفت ألمانيا التصديق على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2.

كان دفاع روسيا ضد العقوبات هو الإيرادات التي تواصل الحصول عليها من بيع النفط والغاز وسلع أخرى، وبالفعل كان هناك قلق في الغرب من أن روسيا قد تفرض عقوبات مضادة مثل الحد من أو وقف صادرات النفط أو الغاز وكذلك السلع الرئيسية الأخرى، ومن خلال فرض عقوبات على الاتحاد الأوروبي تكون روسيا قد قوضت وحدة حلف الناتو وخفضت من التصميم الأوروبي على معاقبة روسيا بسبب غزوها على أوكرانيا، علاوة على ذلك، كان من المفهوم أن روسيا بمخزونها الهائل من احتياطيات العملات الأجنبية تستطيع تحمل الانخفاض الكبير في الإيرادات على الأقل بشكل مؤقت.

ونظرًا لعدم اليقين بشأن الكيفية التي ستتكشف بها الحرب والعقوبات المضادة التي قد تفرضها روسيا، كان رد فعل الأسواق المالية في بداية الهجوم العسكري في فبراير قاسًا، حيث انخفضت أسعار الأسهم العالمية بشكل حاد وخاصة في البورصات الأوروبية، كما تراجعت عائدات السندات في الولايات المتحدة وأوروبا وارتفعت قيمة العملات الآمنة (مثل الدولار الأمريكي والين الياباني)، وقفزت أسعار النفط والغاز الطبيعي بشكل حاد، كما ارتفعت أسعار السلع الأخرى التي تصدرها روسيا وأوكرانيا مثل القمح والذرة، علاوة على ذلك، شهدت الأسهم الروسية والروبل انخفاضًا حادًا.

معاقبة البنك المركزي

في 26 فبراير فرضت القوى الغربية التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا والمفوضية الأوروبية وكندا عقوبات على البنك المركزي لروسيا (CBR)، مما زاد من صعوبة حق وصول البنك إلى احتياطياتها الأجنبية، تحتفظ روسيا بحصة كبيرة من احتياطياتها من العملات الأجنبية في بلدان أخرى لا سيما في الغرب، يتم الاحتفاظ بحصة كبيرة باليورو والجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي وكذلك الذهب، إذا فشلت روسيا في بيع الكثير من احتياطياتها فلن تتمكن من الدفاع ضد الهجمات على الروبل مما يجعل الروبل عرضة للانهيار، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على البنك المركزي، منعت القوى الغربية بعض البنوك الروسية من الوصول إلى نظام SWIFT للرسائل المالية.

بعد معاقبة البنك المركزي الروسي انخفض الروبل الروسي بشكل حاد حيث خسر نحو 40% من قيمته أمام الدولار الأمريكي في اليوم الأول قبل أن يرتد إلى خسارة حوالي 28%، استجابة لذلك قام البنك المركزي الروسي برفع سعر الفائدة لتصل إلى 20% من 9.5%.

بالإضافة إلى ذلك، أوقف البنك تداول الأسهم في بورصة موسكو،وفرضت الحكومة الروسية ضوابط على رأس المال، مما يعني أنه لا يجوز للروس إرسال الأموال إلى الخارج ولا يمكنهم خدمة ديون العملات الأجنبية، كما أمرت الحكومة المصدرين الروس ببيع 80% من العملات الأجنبية التي جنوها هذا العام للمساعدة في دعم الروبل، وقد يساعد هذا في تعويض النقص في العملات الأجنبية المدفوع بعقوبات البنك المركزي، في غضون ذلك، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال الديون السيادية الروسية إلى مرتبة عالية المخاطر.

قد يهمك ايضاً:

كيفية التغلب على العصبية في رمضان ؟

قبل هذه العقوبات، كان هناك رأي واسع الانتشار مفاده أن مجموع احتياطيات البنك المركزي الروسي البالغ 630 مليار دولار أمريكي من شأنه أن يساعد في حماية الاقتصاد الروسي من العقوبات الأخرى وتمكينه من تمويل الحرب وكذلك تعويض أي خسارة في عائدات التصدير، ولكن يعتبر هذا موضع شك الآن نظرًا لأن روسيا ستفتقر إلى الوصول إلى حصة كبيرة من احتياطياتها.

التأثير العالمي

هناك قناتان رئيسيتان من المحتمل أن تؤثر الأزمة الحالية من خلالها على الاقتصاد العالمي وهما التغيرات في أسعار السلع الأساسية وتعطيل سلاسل التوريد للسلع الأساسية، في الأسبوع الذي تلا اندلاع الحرب ارتفعت الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي بشكل حاد وخاصة أسعار الغاز في أوروبا، بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار السلع المعدنية والغذائية الرئيسية بما في ذلك النيكل والبلاديوم والنيون والقمح والذرةإلى حد ما، عكست هذه الزيادات الخوف والمخاطر بدلاً من فرض عقوبات فعلية أو تعطيل التجارة. 

من المحتمل أن يشعر المستثمرون بالقلق من احتمال حدوث أحداث جديدة من شأنها أن تعطل تجارة السلع، بما في ذلك التخفيضات الأوروبية في مشتريات النفط أو الغاز الروسي أو ربما قرار روسي للحد أو تقليص صادرات السلع الأساسية.

من المرجح أن يتسبب ارتفاع أسعار السلع العالمية في حالة استمرارها أو تفاقمها في حدوث تضخم مرتفع متسارع وطويل الأمد في العديد من الدول وخاصة في أوروبا، كما يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار السلعالأساسية إلى إضعاف النمو الاقتصادي.

قبل الحرب كانت بعض البنوك المركزية الرائدة في العالم في طريقها بالفعل نحو سياسة نقدية أكثر تشددًاكرد فعل على الزيادة الحادة في التضخم في العديد من الدول، في حين أن الحرب قد تؤدي إلى تفاقم التضخمإلا أنها قد تضعف النمو أيضًا،العديد من المستثمرين يتوقعون استمرار تشديد السياسة النقدية ولكن بوتيرة أبطأ قليلاً، وبناءً على أسعار الفائدة هذه، يعتقد المستثمرون بوضوح أن الأزمة سيكون لها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي في الغرب، مما يعني ضمناً تقليل الضغط التضخمي، من ناحية أخرى، قد يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والمزيد من الاضطراب في سلاسل التوريد إلى ارتفاع التضخم، وبالنسبة للبنوك المركزيةسيكون عمل موازنة بين ذلك صعبًا.

يأتي الخطر المهم الآخر للاقتصاد العالمي من كيفية تأثير الأزمة على سلاسل التوريد للسلع الأساسية، حتى الآن وقعت العديد من الأحداث التي تثير احتمال حدوث اضطراب في سلسلة التوريد، فقد أوقف كبار شركات شحن الحاويات بما في ذلك أكبر شركتين في العالم حيث ساد القلق من تعارض العقوبات التي تفرضها الحكومات الغربية، يأتي هذا إضافة إلى قرار المملكة المتحدة بحظر جميع السفن الروسية من الموانئ البريطانية، وفي الوقت نفسه، يتم حظر الطائرات الأوروبية والروسية من المجال الجوي لبعضهما البعض، والنتيجة هي أن الطائرات التي تسافر بين أوروبا وآسيا يجب أن تستغرق مسارات أطول وأكثر تكلفة، لا يؤدي هذا إلى تعطيل سفر الركاب فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى زيادة التكلفة وتقليل كفاءة نقل البضائع عالية القيمة.

ارتفعت تكلفة التأمين على شحن البضائع بشكل حاد، بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار المعادن الصناعيةمثل الألمنيوم وكذلك المواد الغذائية وسط مخاوف من احتمال حدوث نقص أو اضطراب، ارتفعت تكلفة نقل ناقلات النفط وسط مخاوف من تعطل خطوط الأنابيب الروسية والأوكرانية، مما أدى إلى زيادة الطلب على نفط الشرق الأوسط وغرب إفريقيا.

كانت هناك زيادة كبيرة ليس فقط في أسعار النفط والغاز ولكن أيضًا في القمح والذرة والفحم والصلب والألمنيوم والبلاديوم، يأتي تعطيل سلاسل التوريد الروسية الأوكرانية أو خطر حدوث مثل هذا الاضطراب، في نفس الوقت الذي تتعرض فيه سلاسل التوريد العالمية بالفعل للضغط بسبب زيادة الطلب على السلع منذ العام الماضي جنبًا إلى جنب مع القيود التي يسببها الوباء على الإنتاج والنقل.

سيلعب عدم اليقين بشأن الكيفية التي ستحدث بها الحرب، وما إذا كان سيتم فرض المزيد من العقوبات، وكيف يمكن أن تستجيب روسيا للعقوبات الحالية أو المحتملة، دورًا في تحديد التأثير الاقتصادي للحرب، يؤدي عدم اليقين إلى ارتفاع أسعار السلع وعوامل المخاطرة، كما أنه يزيد من تكلفة ممارسة الأعمال التجارية ومن المحتمل أن يؤخر قرارات الاستثمار التجارية المهمة.

التعليقات مغلقة.