مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قصة قصيرة ..” رعشة الصمت”

5

بقلم القاص – محمد الليثى محمد

وضعوا جسد فى منتصف الشارع .. وأضرموا فيه النار ..لم يتحرك الجسد ، أو يرفض أو يصرخ .. أنما استسلم الى تلك الايدى التى تضعه فى ذلك المكان .. عيناه مثبتتان بشكل غريب على شيء ما فى السماء ..النار تتحرك بفعل نسمات الفجر الوليد ..تصنع فجر جديد بدون جسد .. ذلك الولد الهادى .. قليل الكلام .. والذى ظهر بدون مقدمات ..لم نعرف له أب .. فقط أم عجوز بعين واحدة .. لم يكن له أسم ..كنا نطلق عليه جسد .. فقط جسد راح .. وجسد جاء من أخر الشارع ، تم إشعال النار فى جسده ..كانوا حوله ينظرون له بعيون لا تحمل معنى .. غير الصمت فى حركات النار .. وقفوا خلفه واحكموا الدائرة ليمنعوه من التحرك ..لكنه لم يتحرك ، وقف ثابت فى مكانه .. تتساقط أجزاءه .. نقطة نقطة من شواء القلب ..بينما رائحة لحم محترق تلف البيوت والناس .

قد يهمك ايضاً:

أهيم بطيفك

أنفتحت الابواب على عجل ..بفعل الفضول او الرائحة أو الاثنين معا .. وعندما شاهدوا المنظر تراجعوا وأغلقوا الابواب .. وقبعوا خلف الابواب يتسمعون للصمت وحركات النار فى الهواء ..تخرج هى .. تخطوا ببطء .. تتلمس طريقها على وجه ضوء الجسد المشتعل .. ممسكه بزجاجة يترجرج فيها الجاز ..تقترب من الجسد ..يسقط مره واحدة ..تصعد عليه .. حتى تغرقه .. فيشتعل اكثر واكثر ..وتعود فى خطوات خفيفة الخطوات ..تفتح الباب وتغلقه مره واحدة ..مازال جسد يئن .. كأنه كلب صدمته سيارة مسرعة .. يرن صوته .. يتسرب فى المكان ضعيفا خفيفا كصوت الهمس فى صمت النهاية .. خرج رجل .. سم الله وشم الرائحة .. وعاد .

كان الجسد قد أصبح جثة محترقة ..غابت ملامحه هناك .. حيث لا توجد ملامح ولا أسماء .. شيء لا وصف له ..طيف ثقيل يحتوى المكان .. يمسك بيده زهرات العمر وهو يخرج من بوابة الحياة صاعدا الى عبث الريح .. ربما كان هذا الطريق صدى الحكاية .. كانت هناك ابتسامة .. او حركة جسد ..أو سوء حظ ..اعادت الحياة الى رعشة القلب .. فأعاد النبض الى عش العنكبوت .. الى حركة الحب فى القلب ..حاول ان يكون حب .. تراجع بالجسد وتداخل .. كأنه مطرا يجمع موجاته المتناثرة فى الانحاء .. حيث نبتت أعشاش كثيرة حول القلب ..القلب الذى حوى صورتها .. بأيمان كامل كان ينتظر الفرح فى اللقاء ..فى لمسة يد وهى تسرب الى القلب شعور بالسعادة ..كان يحتاج الى قليلا من الفرح ..يريد أن ترتعش أوصاله فى النهر .. كأنه فاز بوظيفة بمجلس المدينة .. كأنه وقف بجوار أمه وشاهد العالم من عينيها ..لكن العالم والقدر ورائحة الشجرة وبقايا الحزن فى النشيد ..يأبى أن يكون .. ذهب اليها وقف أمامها .. بعيون تحمل بعض الرجاء .. لم تمهله بعض الوقت ليقول لها ..أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدونها ..وأن القمر فى السماء يشبهها .

لكنها لم تتركه يتحدث .. عرفت ما سوف يقول .. وهى تخاف من الحرب حرب داخلية تذيب الجسد قطعت سكر فى الفنجان ..جرته من ذراعه وأدخلته داخلها .. أخرجته من ملابسه وقف أمام نفسه عاريا .. لم يكن يريد ذلك .. لكنها احتوته .. فخرجت من ألاه ..قصيرة بعيدة كشمعة فى الظلام ..ارتمت حوله .. كانت عيناه ثابتتان على شيء ما .. شيء واحد وحيد كأنه يريد أن يقول لا ..لا بحجم معاناته .. لا بحجم أوجاعه .. لكنه التزم الصمت المحلق فى المكان .. صمت يعرفه عن ظهر قلب ..صمت يعيش فيه .. كح ثم تمخض .. فظهر صوته .. ظهر دليل على انه انسان ..هى البداية أن يكح تم يصرخ .. ومع الصرخة التى تفتح عليه كل الابواب .. صرخة خفيفة تظهر الفضيحة فى الكلمات .. شاهده البعض ينظر .. وهو المطروح على ملاءة السرير .. مفتوح الصدر .. والذراعين والقدمين .. وهى بجواره تبكى .. تلملم ما تساقط منها .. توقظ نفسها بالبكاء .. امسكوا به .. ذهب معهم .. كانوا يسيرون ببطء .. كأنهم ارتاحوا لتلك النهاية .. لم تدمع عيناه .. لم يتحدث عن الحقيقة ..أثار الصمت ، وأطال التأمل فى الوقت .. وبصمته رأى أمه تندث فى جلباب رجل غريب .. وبالصمت أدخله الرجل الكبير الى الحجرة الصغيرة ..وبالصمت شاهد نفسه مسلوب مستباح .. ارض بور ليس لها أحد من يريد أن يدخلها يدخلها فى اى وقت ..يفعل به ما يشاء .. لم يقول لا حتى لنفسه ..كأنه مستسلم الى صمت الوجع .. لا يبكى حتى داخله أو يصرخ حتى فى الصحراء .. دمعت عيناه لكنه أدرك أنه متعب من الصمت .. يريد أن يرتعش .

 

 

 

اترك رد