مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

عطر خجول

10

بقلم –  مرفت إبراهيم:

أعلن بندول الساعة أنه حان وقت الحنين لهذه الليلة. .تمام الثانية عشرة مساءً…ها هو الشوق يعاودها ويعصف بقلبها.. ويمسك بيدها لتطل من نافذتها كي تراه.. إنه موعد وصوله إلى بيته بعد انتهائه من عمله المسائي الذي يذهب إليه بعد عودته من المدرسة الثانوية التي يعمل بها صباحًا كمدرس لمادة الرياضيات، فراتبه منها لا يكفي، ويرفض تمامًا فكرة الدروس الخصوصية ليزيد من دخله لينفق على أسرته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجة، تلك التي اختارتها له أمه، فهي ابنة أختها وهي أولى به من الغريبة.. هكذا قالت عندما أخبرها برغبته في الزواج من ابنة الجيران التي أحبها منذ أن دق الحب باب قلبه..

فتحت اللهفة مقدارًا يكفي لأن ترتشف عيناها نظرة إليه لعلها تروي ظمأ قلبها الذي كاد أن يقفز من خلف قضبانه العشرين.. بعدد سنوات الفراق التي اتفقت مع القدر عاما بعد عام في تشييدها لتفصل بين قلبها الذي مازال نبضه يذكره رغما عنها وبين ذلك الحبيب الذي لم يبذل جهدًا في الدفاع عن حبها تاركا الظروف تهدم قصرًا كانا معا يبنيانه ليعيش فيه حبهما، وبعدها قررت أنه لن يرى إشراقة وجهها مرة أخرى من تلك الشرفة.

كانت في الماضي تنتظره متزينة مطلقة سراح شعرها الأسود الذي كان لا يحب أبدا أن تحبسه في ضفيرة أو تقيد حركته ( بفيونكة )،

قد يهمك ايضاً:

أهيم بطيفك

كان يحبه محتضنًا وجهها، هكذا كان يخبرها أنه يحب أن يرى البدر يحيطه سواد الليل.

كانت في الماضي تقف مشرعة مصراعي شرفتها ورئتيها لتستنشق عبق عطره الذي يختلط بالهواء حين يظهر من أول الشارع ويرفع عينيه على استحياء مع ابتسامة خجول ليراها.. ويطفئ شوق يوم مر دون أن تتعانق نظراتهما.

لم يعرف اليأس طريقًا إلى قلبها ولم يعد للأمل فيه مكان.

توفي أبويها منذ سنوات، وتزوج إخوتها جميعًا الأكبر منها والأصغر، الزواج المبكر فرض واجب في عائلتها، كان الخُطّاب يطرقون بابها منذ أن ظهرت أنوثتها، وكان الرفض هو إجابتها الوحيدة لطلبهم دون سبب، كانت تغير مسار الحديث كلما أثارت أمها فكرة الزواج.

حتى بعد أن تزوج، لم تفكر أن تفعل مثله، ولم تترك بيت أبويها للذهاب مع أحد إخوتها كما أرادوا كي لايتركوها وحدها، حتى لا تبتعد عنه، أصبح أبناء إخوتها شبانًا يافعين، واتفقوا على أن يتناوبوا الاطمئنان عليها من وقت لآخر. أطلت بعينيها دون أن تحرك رأسها، رفع عينيه في احتراس وأسف شديدين.. فهو يعرف أنها هناك تختفي خلف شرفتها، ترقبه بنفس نظرة اللوم التي كانت آخر عهده بنظراتها، ابتسامته تقلصت مع مرور الأيام حتى تلاشت، فغابت معها الفرحة التي كانت تورد وجنتيها كلما تراه، ولکنها لازالت تهب قلبها كل منتصف ليل نبضًا يحيا به يوما آخر في انتظار إطلالة عطره.

 

اترك رد