مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

عبد الرحمن علي البنفلاح يكتب عن الشقيقتين الكريمتين “الضحى والشرح”

4
الشقيقتان!!
قد يهمك ايضاً:

بقلم / عبد الرحمن علي البنفلاح

الشقيقتان في العبادات هما: الصلاة والزكاة، فحين يأتي ذكر الصلاة يأتي بعقبها الزكاة، ولا زالت صرخة سيدنا أبوبكر الصديق (رضي الله عنه) تدوي في سمع الدنيا عندما أراد محاربة المرتدين الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وقال لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما اعترض على هذه الحرب: كيف تقاتل قومًا يشهدون بأن لا إله إلا الله؟، قال له أبوبكر (رضي الله عنه): أجبَّار في الجاهلية خوَّار في الإسلام؟! وأقسم قائلاً: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، ولو أنهم منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم عليه!!.

وحديثنا اليوم ليس عن الصلاة والزكاة، فهاتان الحديث عنهما له مجال آخر، ووقت آخر، ولكن حديثنا اليوم عن سورتين من سور القرآن الكريم هما سورة الضحى وسورة الشرح، كلاهما مكيتان، وكلاهما تتحدثان عن النعم التي أكرم الله تعالى بها رسوله (صلى الله عليه وسلم) وهما في المصحف متتابعتين، أي تأتي الواحدة تلو الأخرى.

لقد نال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيهما من التكريم والتعظيم ما لم ينله رسول أو نبي قبله (صلى الله عليه وسلم)، يقول تعالى في سورة الضحى: «والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما ودعك ربك وما قلا (3) وللآخرة خير لك من الأولى (4) ولسوف يعطيك ربك فترضى (5) ألم يجدك يتيمًا فآوى (6) ووجدك ضالاً فهدى (7) ووجدك عائلاً فأغنى (8) فأما اليتيم فلا تقهر (9) وأما السائل فلا تنهر (10) وأما بنعمة ربك فحدث (11)».

لقد شاع بين كفار قريش أن رب محمد (صلى الله عليه وسلم) قد قلاه، وذلك حين احتجب الوحي عنه خمسة عشر يومًا، ورغم أن هذه المقولة كانت تؤذي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه صلوات ربي وسلامه عليه لم يستسلم لهذا الشعور، بل كان صابرًا محتسبًا، وكان صلى الله عليه وسلم موقنًا بأن هناك حكمة في هذا الإحتجاب سوف يبينها الله تعالى له.

الحق سبحانه وتعالى في هذه السورة الجليلة أقسم بآيتين كونيتين وهما: الضحى والليل على أن ما يشيعه الكفار عن علاقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بربه سبحانه بأنها قد قطعت، وأن رب محمد قد قلاه، فكذب القرآن هذه الفرية، وذكر الحق سبحانه أنه جل جلاله لن يتخلى عن نبيه وأنه سبحانه كما هيأ له من الأسباب ما لم يحظ به نبي من قبل، فإنه سوف يفيض عليه من نعمه وعطاياه الشيء الكثير، فقد آواه من اليتم، وهداه بعد ضلالة، وأغناه بعد عيلة، وعليه أن يحدث بهذه النعم، ليرعى اليتيم الذي لا عائل له، ويعطي السائل ولا ينهره، كل ذلك إعتراف بفضل الله تعالى عليه، وأنه سوف يعطيه حتى يرضى، ولا أظن أن هناك عطاءً يفوق هذا العطاء.

أما حديث سورة الشرح فقد دار حول ما أسداه الله تعالى إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) من تعظيم وتكريم، يقول سبحانه وتعالى: ‭{‬ألم نشرح لك صدرك (1) ووضعنا عنك وزرك (2) الذي أنقض ظهرك (3) ورفعنا لك ذكرك (4) فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6) فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8)».

ومن هذه النعم التي تحدثت عنها سورة الشرح أنه سبحانه شرح له صدره بعد الهم الذي نقص عليه حياته، ووضع عنه وزره الذي أثقل كاهله، ثم رفع له ذكره بين العالمين، فهو الرسول الوحيد الذي يتردد اسمه في كل لحظة، وفي كل مكان، ووعده بتيسير أمره كله، وحكم سبحانه باستحالة أن يغلب عسر يسرين.

إنه صلى الله عليه وسلم منصور بنصر الله تعالى له في سلمه وفي حربه، ولقد أعطاه مولاه من العهود والمواثيق ما يؤكد نصره له، قال سبحانه وتعالى: «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)» التوبة.

إذًا، فقد طمأن الحق سبحانه وتعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) بأنه منصور، وأن عليه ألا يحمل هم الدعوة وتوصيلها إلى الناس، وأنه سبحانه وتعالى ناصره ومؤيده بجنود لا تراها البشرية، ولا تدرك كنهها، قال تعالى: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم» التوبة/40.

وأثبت واقع الحال للدعوة شيئًا من المآل، فالمسلمون رغم تخلفهم وضعفهم إلا أن الإسلام يتقدم وينتشر في ربوع الدنيا، وهذا يدهش خصوم الإسلام، ولو علموا سر ذلك لما دهشوا ولا تعجبوا لسبب بسيط جدًا، وهو أن الإسلام ينتشر في العالم بالقوة الذاتية في تعاليمه وقيمه ومبادئه، وبالعهود والمواثيق التي قطعها الحق سبحانه وتعالى على ذاته العلية، وإلا كيف نفسر تزايد أعداد الداخلين في الإسلام حتى بلغوا المليار والسبعمائة وخمسين مليون مسلمًا بعد أن كانوا قلة مستضعفة لا يكاد يبلغ عددهم الثلاثمائة مسلم في بداية فجر الدعوة المباركة؟!!.

اترك رد