مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

رُؤْيَا (قِصَّة قَصِيرة)

7

بقلم – ماجد حميد الغراوي:

اللَّيلُ بِظَلَامِهِ الأَخرَسِ، وَنُوَاحِ أَحلَامِهِ المُفزِعَةِ، وَدَوِيِّ الآلَامِ فِي رَأْسِهِ المُثقَلِ بِالهُمُومِ، هَوَاجسُهُ يَصطَدِمُ بَعضُهَا بِبَعضٍ، فَتَهوِي أَفكَارٌ وَتَطفُو أُخرَى فَقَاقِيعَ عَلَى سَطحِ ذَاكرَتِهِ الصَّدِئَةِ، يَصُكُّ أُذُنَيهِ صُرَاخُ أُمِّهِ فِي كَابُوسٍ لَيلِيٍّ أَسوَدَ؛ صُرَاخٌ يُنَادِيهِ مِنْ تَحتِ قُضْبَانِ السِّكَّةِ الحَدِيدِيَّةِ للْقِطَارِ، فَيَقِفُ مَشدُوهًا وَأَعمَاقُهُ تُنَادِي: أَينَ أَنْتِ يَا أُمَّاهُ؟!

فِي أَيِّ عَالَمٍ تَاهَتْ مَلامِحُ وَجْهِكِ الحَنُونِ؟!

قد يهمك ايضاً:

مِنْ أَيِّ فَضَاءٍ مَقبُورٍ يَأتِينِي صَدَى صَوتِكِ المَفْجُوع؟!

فَيَزدَادُ صُرَاخُهَا، وَيَأتِيهِ العَوِيلُ مِنْ كُلِّ اتِّجَاهٍ، وَتُرَدِّدُ السِّكَّةُ الحَدِيدِيَّةُ صَدَاهُ الَذِي يُمَزِّقُ رُوحَهُ المُنهَارَةَ، فَيَسعَى رَاكِضًا خَلْفَ الصُّرَاخِ؛ لَعَلَّهُ يَجِدُ لَهَا أَثَرًا أَوْ سَبِيلًا تَحْتَ القُضْبَانِ؛ أَوْ لَعَلَّ يَدًا أَوْ إِشَارَةً مِنهَا تُلَوِّحُ لَهُ؛ لِتَنتَشِلَهُ مِنَ الضَّجِيجِ الذِي بَدَأَ يَحْبسُ أَنفَاسَهُ، وَبَينَمَا هُوَ يَركُضُ بِكُلِّ الاتِّجَاهَاتِ خَلْفَ صُرَاخِهَا، يَأْتِيه عَوِيلٌ رَهِيبٌ آخَرُ يَملَأُ قَلبَهُ المَفجُوعَ رُعبًا مَا بَعدَهُ رُعْب، وَخَوفًا لَيسَ مِثلَهُ خَوفٌ، فَتَشخَصُ عَينَاهُ لِتَرَى القِطَارَ يَقتَرِبُ مِنهُ، فَيُحَاولُ مَفزُوعًا أَنْ يَبتَعِدَ جَانِبًا وَيَترُكَ سَبِيلَ هَذِهِ الآلَةِ المُفتَرسَةِ وَيَنجُوَ مِنهَا، وَلَكِنَّ قَدَمَيهِ تَأْبَى الحَركَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ قَدَرِهِ الأَحمَقِ عَلَى السِّكَّةِ الحَدِيدِيَّةِ وَمُواجَهَةِ الفَنَاءِ الَذِي لَا مَفَرَّ مِنهُ، وَيَمُرُّ القِطَارُ فَوقَهُ بِعَربَاتِهِ المُتَتَاليَةِ وَظِلَالِهِ المُرعِبَةِ، فِيَطحَنُ جَسَدَهُ النَّحِيلَ، وَيُسكِتُ صُرَاخَ أُمِّهِ الحَزِينَ، وَيَتَلاشَى كُلُّ شَيءٍ عَدَا سِكَّةِ الحَدِيدِ الصَّامتَةِ، يَعلُوهَا ضَبَابُ الشِّتَاءِ المُمْتَزَجُ بِدُخَانٍ خَفِيفٍ خَلَّفَتْهُ عَجَلَاتُ القِطَارِ، وَيَسْأَلُ نَفسَهُ وَيُجِيبُهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ:

_ كَيفَ أُكَلِّمُ نَفْسِي بَعْدَ مَوتِي؟!

_ إِنَّهُ الكَابُوسُ ….. نَعَمْ، كَابُوس.‫

التعليقات مغلقة.