مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

دور المجتمع في حل مشاكل الغارمين والغارمات

35

بقلم – الدكتور عادل عامر

أن أسباب مشكلة الغارمات، الفقر وفوضى سوق الائتمان الشخصي، حيث يسعى التجار لضمان حقوقهم عبر تحويل الدَّيْن إلى «إيصال أمانة» وبالتالي من يعجز عن سداد المبلغ يُعتبر «خائنًا للأمانة أو مبددًا لأمانة» وهو ما يدخل في القانون الجنائي.

كما أن الأعراف الاجتماعية تضغط على البسطاء نفسيّا-وبالتالي ماديّا-لاقتناء سلع وأجهزة فوق طاقتهم الاقتصادية، بالإضافة لنقص الوعي القانوني، حيث لا يعلم أغلب الموقعين على إيصالات الأمانة عواقبها.

ومن هنا يجب إلغاء خيانة الأمانة في النقود ومنع البيع بإيصالات الأمانة، وزيادة وعى هيئات تنفيذ القانون (القضاء والنيابة العامة والمحامين) بأبعاد هذه المشكلة اجتماعيّا واقتصاديّا. أن المواجهة الثقافية والتوعية هي الأهم، حتى لا يقبل الأهل على شراء جهاز العروس بشكل مبالغ وفوق طاقتهم متأثرين بالمقارنات والمظاهر.

إن القانون يرفض سجن المَدين، لأن الديْن هو «علاقة بين ذمتين ماليتين وليس بين شخصين، لهذا لجأ التجار لضمان حقوقهم إلى إيصال الأمانة الذي يعاقب خائن الأمانة بالسجن. لذلك يجب إجراء تعديل تشريعي يضمن «التوصيف القانوني الدقيق لحالة الغارمين، وضمان حقوق التجار في الوقت نفسه». لذلك يجب تنظيم سوق الائتمان الشخصي وربطها بسجلات البنك المركزي وضمان الشفافية والإفصاح.

لان مشكلة “الغارمات” في مصر… مشكلة تدمّر المجتمع وترتّب على الدولة تكاليف باهظة، علماً أن الحل بسيط 30 ألف مصرية في السجون بسبب مخالفات بسيطة، لأن المنظومة القانونية لا تزال مبنية على فكرة السجن ولم تستوعب فكرة “العقوبات البديلة” و يقصد بالغارم أو الغارمة: «كل من عجز عن سداد ديونه نتاج ظروف قهرية، والتي ترتبت نتاج إيصالات أمانة أو شيكات أو صكوك دين، أو أية أداة ائتمانية أخرى، رسمية كانت أو عرفية، ويُشترط توافر حسن النية العمومية والتجريد هما وجهان لعملة واحدة  في تعريف القاعدة القانونية ، وهما الصفتان اللتان تميزان القاعدة القانونية عن غيرها من الأحكام .

فالعمومية تعني أنها تنطبق على كافة الأشخاص والوقائع دون تعيين لشخص محدد ودون تحديد لوقائع معنية، إنما كل من تنطبق عليه القاعدة تصبح سارية عليه حاكمة لفعله مميزة لمركزه القانوني وفقاً لما جاء فيها من حكم، فهي بذلك عامة. أما إنها مجردة فهي المكملة لصفة العمومية فيها لدرجة أنها تكاد لا تنفك عنها ولا تنفصل.

والتجريد يعني الوضوح والابتعاد عن اللبث بما يكفي لإنزال حكم القاعدة القانونية على الوقائع والأفراد بشكل عام ومجرد.

إن القاعدة القانونية يجب أن تتسم بالعمومية والتجريد، وبالتالي تنظيم المراكز القانونية ومن ينطبق عليه المركز القانوني يتحمل كل الالتزامات ويكتسب كل الحقوق التي تترتب على تطبيق القاعدة القانونية، وبالتالي لا يجوز الاستثناءات عن القاعدة بمعنى لا يجوز أن يكون هناك عقوبة على ايصالات الأمانة والشيكات، وفى نفس الوقت لا يجوز الإعفاء من العقاب عن نفس الجريمة، والتطبيق يخضع لقناعة القاضي والحماية القانونية، خاصة أن الشيك بدون رصيد القانون وإيصال الأمانة جرائم القانون يضع القاعدة العامة المجرد ومن ينطبق عليها القاعدة، وبالتالي كل من يرتكب الجرم تنطبق عليها ولا يجوز استثناء تطبيقها على أحد، وإلا يكون هناك مخالفة دستورية .

أنه لا بد من النظر إلى أزمة الغارمات بمنظور أوسع بحيث لا يقتصر الأمر على “ترقيع” تشريعي للقانون، بل يطال بحث الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة مثل فساد واستغلال التجار لحاجة المواطنين الفقراء.

وذلك بعد التأكد بجميع وسائل وطرق الإثبات، من عدم امتلاكه أموالا تفي بسداد تلك الديون كليا أو جزئيا، وكل من كان قادرا على سداد ديونه ثم تعثر لأسباب وظروف استثنائية، وفي هذه الحالة يقع عليه عبء إثبات تعثره، ويخضع ذلك كله لتقدير القاضي وفقا لظروف كل حالة».

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب: أحلام ضائعة

لتحقيق التكافل الاجتماعي بين المواطنين، نظرا لوجود فئة ليست قليلة من المجتمع وضعها الفقر في خانة المذنبين، بل وزاد حجم هذه الفئة في الفترة الأخيرة، مع تعاطف معظم الناس مع هذه الفئة».

ويقبع في سجون النساء بمصر نحو 30 ألف سجينة من الغارمات، حكم عليهن بالحبس لتعثرهن في سداد “إيصالات أمانة”، بواقع 25% من إجمالي الغارمين في مصر، حسب إحصاء حديث لوزارة التضامن الاجتماعي.

أنه لا بد من النظر إلى أزمة الغارمات بمنظور أوسع بحيث لا يقتصر الأمر على “ترقيع” تشريعي للقانون، بل يطال بحث الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة مثل فساد واستغلال التجار لحاجة المواطنين الفقراء.

وعلى نحو عاجل، مراجعة القوانين المتعلقة بسجينات الفقر وأطفال السجينات وأهمها: تعديل المادة الخاصة بإيصال الأمانة في القانون المصري، وهي المادة 341 من قانون العقوبات، التي أصبحت سيفا مسلطا على رقاب الفقراء. وقد انتشر التعامل به في المناطق العشوائية لدرجة أنه أصبح بديلا عن عقد إيجار الشقق.

شطب السابقة الأولى التي تسجن فيها المرأة بسبب إيصال الأمانة من صحيفتها الجنائية، حتى لا تقف عائقا أمام بدء حياة جديدة. تعديل القانون بحيث يتم تأجيل تنفيذ الحكم على المحكوم عليها حتى تلد ويكمل رضيعها عامين، ثم تطبق العقوبة، وذلك حماية للطفل ورحمة بالأم. تفعيل مادة في القانون تنص على جواز تأجيل تنفيذ الحكم على أحد الأبوين، إذا كانا محكومين في نفس القضية، في حالة وجود أطفال قصر.

ثم تنفيذ الحكم على الثاني بعد انتهاء الأول من العقوبة. أن هناك حلول تمنع تكرار مشكلة “الغارمات”، أولها أن يكون التقسيط عن طريق جهات حكومية وزارة التضامن الاجتماعي أو شركات المصنوعات والأجهزة الكهربائية التابعة للحكومة، خاصة أن كل مشاكل الغارمات من أجل أن يجهزن بناتهن للزواج. أن مشكلة الغارمات خطيرة وبحاجة إلى حل فوري والعمل على مواجهتها بأقصى سرعة، ولهذه الظاهرة أبعاداً اجتماعية كثيرة. فبالبحث المتأني في الكثير من الحالات نجد أن الأعراف الاجتماعية تلعب دور كبير في تفاقم هذه المشكلة. يجب أن نعترف أن العرف أحيانا يضع المواطن البسيط تحت ضغط نفسي ومادي يدفعه للاستدانة بشكل يفوق قدرته على السداد.

فالأم تسعى لتجهيز أبنتها بشكل قد يكون أحياناً مبالغ فيه مقارنة باحتياجاتها الحقيقية لأن التقاليد (لا الشرع) فرضت تلك المزايدات الواهية التي تفترس الكثير من الغارمات.                 ولا نستطيع أن نغفل أيضاً أن لجشع التجار دور أساسي في تفاقم الأزمة أيضاً. فإن التجزئة البنكية وهي البديل لهذا النوع من التقسيط مازالت غير منتشرة بالشكل الكافي حيث لا تتعدى نسبتها ١٠٪ من أجمالي الديون البنكية. فالمواطن البسيط إما يرتاب التعامل مع البنوك أو ليس مؤهل للاقتراض.

ومحترفي التقسيط من التجار يعلمون تماما تلك الحقائق. فهم أولاً يقرضون من يعلمون مسبقاً بتعثره لكنهم يعلمون أن سيتدبر أمره بأي طريقة خشية السجن.

ثانياً، الكثير من محترفي التقسيط يبالغون في الأسعار المفروضة استغلال لحاجة الناس وغياب البديل وأخيرا استخدام التجار لإيصالات الأمانة كوسيلة لإثبات الدين هو أمر كما ذكرناه شديد الخطورة.

مشكلة الغارمات في مصر تحتاج إلى حلول تشريعية تتمثل في إلغاء إيصالات الأمانة وإيجاد شيء بديل، لحفظ حقوق التجار.

أيضاً يجب سن قانون الاقتراض العادل أسوة بما هو معمول به في كافة دول العالم المتقدم. فمثلاً، قانون الاقتراض العادل الأمريكي المعروف بالتشريع زد” ينظم كافة إجراءات الاستدانة ويجعل الإفصاح شرطاً أساسياً في عملية الاستدانة ويعاقب بصرامة كل المخالفين لهذا القانون. كما ان النظام التشريعي ككل يضع المسئولية الأكبر على المُقرض للتأكد من قدرة المقترض على السداد.

إن مشكلة الغارمين والغارمات أزمة حقيقية من واقع المجتمع المصري يجب علينا مواجهتها بحسم. إنه لشيء رائع أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني والجيش وأهل مصر الطيبين بسداد ديون الغارمات لكن الأجمل لو عملنا على توعية وتثقيف المواطن بالابتعاد عن الأعراف المجحفة وشرعنا في سن قوانين تكفل الاقتراض العادل لتنظيم العلاقة بين التاجر والمقترض. الأفضل دائما أن نجتث المشكلة من جذورها لا أن نتعامل مع تابعاته

 

اترك رد